
بعد إسقاط نظام الأسد تستعد سوريا لجولة جديدة من الانتخابات البرلمانية وسط أجواء يطغى عليها الجدل السياسي والاجتماعي. وهناك من يراها فرصة لإعادة تنشيط الحياة السياسية، ومن يشكك بجدواها في ظل الأوضاع الراهنة.
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 يونيو/ حزيران الماضي المرسوم رقم (66) الذي شكل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب برئاسة محمد طه الأحمد. ونص على تشكيل المجلس الجديد خلال 60 إلى 90 يوما، باعتماد نظام انتخابي مؤقت وغير مباشر، وتم تحديد تاريخ 5 أكتوبر المقبل لإجراء انتخاب أعضاء مجلس الشعب في الدوائر الانتخابية المقررة في المحافظات السورية.
ويتكون المجلس من 210 أعضاء، يُعين ثلثهم مباشرة من قبل الرئيس، بينما يُنتخب الباقون عبر هيئات ناخبة تشكلها اللجان الفرعية، علماً أن المجلس خلال هذه الولاية يتولى مهمات تشريعية واسعة تشمل اقتراح القوانين وتعديلها، المصادقة على المعاهدات الدولية وإقرار الموازنة العامة والعفو العام وغيرها.
تحضيرات العملية الانتخابية
الدكتور نوار نجمة عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب والمتحدث الإعلامي يقول لـ DW عربية: “نقوم بتحضيرات مهمة للعملية الانتخابية في مراكز الاقتراع في كل مناطق سوريا، إضافة لاستعدادات أمنية لضمان الأمن بشكل جيد لجميع الناخبين، إلى جانب تحضيرات لإجراء مناظرات انتخابية بين المرشحين”.
ويؤكد نجمة على حفظ سجلات الناخبين بشكل آمن وخضوعها بدقة لسيطرة اللجان الفرعية واللجنة العليا للانتخابات، مع وجود مراقبين من نقابة المحامين في مراكز الاقتراع، بحيث ينتدب محام من النقابة للتواجد في كل مركز اقتراع.
أما عن دور المنظمات الدولية فتؤكد اللجنة أنه سيكون توعويا وتدريبيا، ولم يتخذ أي قرار حتى الآن لتولي مهمة مراقبة الانتخابات من قبل المنظمات الدولية.
وأشار نجمة إلى إمكانية الطعن في نتائج الانتخابات من قبل لجان الطعون، وذلك على آلية الفرز والتصويت، وكل ما يتعلق بالعملية الانتخابية، كما تم فتح المجال لإمكانية الطعن على اختيار أعضاء الهيئات الناخبة لمدة ثلاثة أيام .
أما بالنسبة لمدن السويداء والرقة والحسكة فقد تم تأجيل الانتخابات في تلك المناطق بحسب ما صرح به نجمة، لأنها لا تخضع لسيطرة حكومة دمشق، فيما تم تشكيل لجان فرعية في بعض مناطق محافظتي الحسكة والرقة الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية فقط، وذلك استجابةً لرغبة الأهالي، ولكون اللجنة تستطيع أن تعمل فيها بشكل مستقل ونزيه.
أما الانتخابات في السويداء فما تزال مؤجلة وأضاف: “نحمل مسؤولية عدم مشاركة بقية المناطق للقوات العسكرية التي تسيطرعليها، لأنها تحرم المواطنين من حقهم في الانتخاب والمشاركة الوطنية والسياسية في هذا الاستحقاق الهام خلال المرحلة الانتقالية.
“تصحر سياسي“
الصحفية والناشطة الحقوقية وإحدى المرشحات لعضوية مجلس الشعب جيهان الخلف من مدينة دير الزور تقول: ” الشباب السوريين فقدوا الثقة بالعمل السياسي خلال فترة حكم نظام الأسد، حيث كنا نعيش نوعاً من التصحر السياسي لعدم السماح بالمشاركة السياسية حتى للمرأة والشباب، وعدم تكافؤ فرص الوصول الى مراكز صنع القرار، حتى الجهة السياسية اللي كانت تمثل الثورة كانت أجندات فرضت من الخارج على الشعب السوري”.
وتلفت الخلف أنه بعد إسقاط نظام الأسد هناك إقبال على الترشح لعضوية مجلس الشعب، وهذا يدل على رفع الوعي السياسي لدى الشباب السوري وأهمية المشاركة في صنع القرار، وتكافؤ الفرص للوصول الى انتخابات ديمقراطية حقيقية .
البرنامج الانتخابي للخلف يتضمن دعم المرأة وأسر الشهداء والمعتقلين والتعليم والقطاع الزراعي وإلغاء القوانين المجحفة ورفع مستوى معيشة المواطن السوري وإعادة إعمار البلاد.
وعن ذلك تقول الخلف: “برنامجي الانتخابي سيكون داعم للمرأة، والأولوية لزوجات الشهداء والمفقودين والمعتقلين وأبنائهم، مع ضرورة استصدار القوانين اللي تدعم المرأة، ودعم قطاع التعليم وإعادة إعمار البنى التحتية، ودعم المعلم ورفع مستواه المعيشي، مع ضرورة أن يكون التعليم إلزامي في جميع المراحل ومجاني، إلى جانب دعم الفلاح السوري وتقديم كل الإمكانات اللازمة لنجاح الزراعة في سوريا”.
بين التغيير واستمرار الواقع
تباينت توقعات الشارع السوري، فالبعض يأمل أن تفضي الانتخابات إلى تغييرات ملموسة في الحياة اليومية، فيما يرى آخرون أن النتائج لن تحمل جديداً، وأن الواقع سيبقى على ما هو عليه.
الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو يقول: ” من الطبيعي أن تتحرك الحكومة الجديدة نحو مأسسة الدولة بشكل عام، ومنها بالضرورة إيجاد مجلس تشريعي تحتاجه العملية الانتقالية برمتها ولايمكن المسير بدونه .”
أما عن نزاهة الانتخابات فيضيف: “أعتقد أن إرث نظام الاستبداد لا بد أن يؤثر ويترك ذيوله، لذا يحتاج المجتمع السوري إلى سنوات طوال من العمل والجهد كي نخرج من عنق الزجاجة، ومن الممكن أن يشوب المسألة بعض الهنات هنا وهناك”.
يشير سعدو أن نجاح هذه الانتخابات غير المباشرة يحتاج إلى الشفافية والنزاهة، ولكن هي مرحلة مؤقتة والمؤقت لايمكن أن يكون دائماً، ومع ذلك هي تجربة قد تنجح وقد لا تنجح، والأهم منها هو ما بعدها من تأسيس لمرحلة وطنية ديمقراطية تمثل الجميع وعبر انتخابات حقيقية جدية مباشرة وليس كما الآن.
ويلفت سعدو أن التأخير في الانتخابات هو نتيجة طبيعية للارتباك الذي يحصل عادة في المراحل الانتقالية، وبالنظر إلى جملة الإشكالات التي تمثلت سابقاً في تحرك الفلول ثم ماجرى في الساحل وبعده ماحصل من انتهاكات في الجنوب، وما أدى إليه من خروج العفن المتراكم الذي خرب ويخرب الكثير.
ويبين سعدو أن الإقبال الكبير على الترشح نتيجة طبيعية للعطش الذي انتاب المجتمع السوري بعد حالة من التصحر الكبرى جاوزت 54 عاماً من الظلم وتقييد الحريات.
“فقدنا الثقة بمجلس الشعب منذ زمن بعيد“
ويؤكد الكاتب والصحفي السوري أن الآمال المنقعدة على مجلس الشعب الجديد كبيرة وهناك من ينتظر منهم الكثير من العمل والتشريعات الجديدة سواء قانون الإعلام والمطبوعات أو قانون الإدارة المحلية، وكثير من التعديلات على قوانين عفا عليها الزمن وعلاها الصدأ.
من جهته سليم الرمضان (51 عاماً) عامل مياوم من مدينة اللاذقية يعلق على الانتخابات دون أن يتوقف عن عمله في البناء: “لقد فقدنا الثقة بمجلس الشعب منذ زمن بعيد، فأي انتخابات ستنجح في ظل هذا الغلاء الذي نعاني منه، والأوضاع المعيشية المتردية .”
ويردف: “لا أستطيع أن أثق بانتخابات مجلس الشعب في ظل الظروف الراهنة، فانتشار الفقر وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق جعل حياتنا في غاية الصعوبة. وبرأيي، إءا لم تُعالج هذه الأوضاع المعيشية أولاً، فلن يكون لأي انتخابات معنى حقيقي أو تأثير ملموس على حياة الناس، وخاصة أن من يصلون إلى البرلمان لا يشعرون بمعاناة الناس”.
إجراءات شكلية
أما حسان تمو (43 عاماً) من المكون الكردي يعلق بالقول: “إن نجاح أي عملية سياسية في سوريا لا يبدأ من صناديق الاقتراع، بل من مشاركة كل المكونات في حوار وطني شامل يفضي إلى حكومة انتقالية ائتلافية، ثم إعداد دستور يعكس التعددية السورية، وبعدها يتم التوجه إلى انتخابات حقيقية تعكس إرادة الشعب، أما في الواقع الراهن فالانتخابات ليست سوى إجراءات شكلية لتشريع سلطة أحادية مركزية، وهو ما يجعلها فاقدة للشرعية .”
وينوه أن المسألة ليست مشاركة الأقليات أو غيرها بقدر ما هي شرعية العملية الانتخابية نفسها، لافتاً أن النظام الانتخابي الحالي لا يضمن تمثيلاً عادلاً، ولا يوفر فرصاً حقيقية للشباب والنساء من الأقليات، فيما يسود العزوف عن المشاركة لغياب الثقة بجدوى العملية.
ويشير تمو أن القضايا التي يجب أن تُحمل إلى أي برلمان مستقبلي هي الاعتراف الدستوري بالتعددية، وضمان الحقوق القومية والثقافية للشعب الكردي والمكونات السورية الأخرى، والانتقال نحو دولة ديمقراطية لامركزية. وأشار أن مستقبل مشاركة الأقليات مرهون بمدى الانتقال من عقلية الإقصاء إلى شراكة وطنية شاملة، وإلا ستظل الانتخابات مجرد غطاء لاستمرار الأزمة وتعميقها.
“ترتيبات هذه المرحلة ربما تحتاج استثنائية كبيرة“
“ما نريده جميعاً، أن يكون المجلس القادم، مجلساً للعمل، وأن يكون برلماناً ينوب فعلاً عن صوت الناس ويطالب بحقوقهم، وأن تكون تجربة الانتخابات لا تشبه سابقاتها التي عشناها طيلة سنوات مضت”، هكذا عبّر الصحفي السوري حيدر مصطفى عن رأيه بالانتخابات، ويشير أن التجربة الآن لها سلبياتها ولها إيجابياتها، فالإيجابية هي أن تسعى إلى تمثيل الأطياف السورية، أما السلبيات تتعلق أولها بتأثرها بوضع البلد، وعدم إمكانية حصول الانتخابات بعدد من المناطق كالحسكة والسويداء، وثانياً أن الحياة السياسية لم تنضج في البلاد بعد، وهذه مشكلة كبيرة.
ويضيف الصحفي السوري بالقول: “نعلم أننا ما زلنا في طور المرحلة الانتقالية، وأن ترتيبات هذه المرحلة ربما تحتاج استثنائية كبيرة، لكن الحكم يكون على النتائج، التجربة ستحصل ستحصل، والاسثتمار فيها ليس خاطئ، ولتكن أولى الخطوات في مسار ودرب طويل للوصول إلى تمثيل أكبر وتنافس أكبر بين القوى السياسية على اختلافها”.
أما الملاحظة الأخرى فتتعلق بشروط الترشيح والتي قضت بحرمان أشخاص ترشحوا في السابق خلال زمن النظام، وهنا كان يجب معايرة الموضوع بطريقة مختلفة، واستثناء الذين ترشحوا مستقلين بدون ارتباطات فعلية بالنظام وأجهزته الأمنية وأن يخضع طلبهم للدراسة، وأن يبقى الحظر على من كانوا يعينون تعييناً أو البعثيين الذين أفشلوا المجلس طيلة عقود.
ويوضح مصطفى بالقول: “البعض الآن يريد ضرب هذه الانتخابات لاعتبارات سياسية، نحن نقول أننا اليوم شركاء في واقع لا يمكن لأحد التعالي عليه، والانخراط به قد يكون ضرورة على كل المستويات لتمرير هذه المرحلة، بما يخدم البلاد وشعبها.”
تتنوع الآراء تجاه انتخابات مجلس الشعب، بين من يراها خطوة ضرورية نحو الاستقرار، ومن يشكك بجدواها وقدرتها على إحداث تغيير يلامس طموحات السوريين وآمالهم بحياة أفضل، ومع اقتراب موعد الاستحقاق، يبقى الحضور الشعبي ومدى التفاعل مع صناديق الاقتراع العامل الحاسم في رسم الصورة الحقيقية للواقع .
المصدر: D W
2025/10/1١ أكتوبر ٢٠٢٥