
نشر تيار ” مواطنة ” على صفحته ملخصا لما سمي بخارطة طريق للحل في سورية , وإذا وضعنا جانبا المقدمة التي تتضمن انتقادات للمسار السياسي للحكم الحالي تتفق مع الانتقادات التي تتردد لدى معظم أطياف التيارات الوطنية الديمقراطية مثل إهمال تطبيق العدالة الانتقالية أوالمماطلة في ذلك , والميل للتفرد في القرار السياسي , والتساهل في ضبط الخطاب الطائفي , وتجاهل دور المجتمع المدني ومنظمات السلم الأهلي .
وذهبنا مباشرة لخارطة الطريق المقترحة نجد أنها تتحدث عن تغيير انقلابي في السلطة , يتجاهل كلية الوضع القائم ” يشطب بجرة قلم الدولة السورية بكليتها ببرود ” ويعيد الأمور ذهنيا إلى نقطة الصفر , وكأن النظام البائد قد سقط الآن من تلقاء ذاته , وسورية تعيش عشية الثامن من كانون الأول عام 2024 لكن بدون هيئة تحرير الشام . ويشبه ذلك فيلما خياليا مبنيا على فكرة آلة الزمن التي يمكن بواسطتها العودة إلى الماضي .
هكذا بعد أن أعدنا عداد الزمن إلى نقطة الصفر أصبح متاحا تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات بعد أن يقوم الرئيس الشرع بتسليم مفاتيح القصر الجمهوري مع ملاحظة أن لامانع بعد قيامه بذلك من أن يكون للحكم الحالي تمثيل ما في العملية الانتقالية .
لكن كيف ستتشكل تلك الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات ؟
تبني خارطة الطريق تصورها على فكرة المؤتمر الوطني , هذه الصيغة ذات الوقع الرنان , حسنا مؤتمر وطني لكن من سيشكل ذلك المؤتمر ؟ طالما لايجري الحديث عن مؤتمر وطني منتخب ديمقراطيا ؟
تجيب خارطة الطريق بإسباغ أوصاف ملائكية على ذلك المؤتمر وليس بمن سيتولى تشكيله ؟
فالمؤتمر سيكون حقيقيا ” كيف؟” ومختلفا جذريا عن المؤتمرات السابقة ” لماذا ؟” وسيكون سيد نفسه !ومفتوحا لمدة تقارب ثلاثة أشهر .
كل تلك الجمل الطنانة مخصصة للتهرب من الأسئلة الجوهرية من سيشكل المؤتمر ؟ ومن هي الأطراف والقوى التي ستدعى إليه ؟
أي تصور يحاول ايجاد أجوبة لما سبق سيصل إلى أن المؤتمر الذي هو حجر الأساس في خارطة الطريق المزعومة سوف يضم المكونات الطائفية – السياسية الفاعلة في الواقع السوري إضافة لقسد .
أي سيكون مؤتمرا يضم تيار الهجري وقسد وممثلين عن المكون العلوي وأطرافا طائفية أخرى وطرفا سنيا مكملا للمشهد وعناصر أخرى ديكورية .
أي مؤتمرا يشبه مادعت إليه قسد ذات يوم في بروكسل تحت مسمى ” مؤتمر الديمقراطيين السوريين ”
غني عن القول إن مؤتمرا كهذا سيكون أداة للقوى المادية العسكرية الموجودة على الأرض لتقاسم سورية وليس أي شيء آخر في ظل وجود الحركات الانفصالية العسكرية من جهة والضخ الطائفي وردود الأفعال على أحداث السويداء والساحل المؤسفة .
هذا المؤتمر المزعوم ستنبثق عنه حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تتولى إعادة هندسة الدولة السورية من المؤسسة العسكرية ( طبعا بعد تسريح أو اختفاء الجيش السوري الحالي ) حتى أصغر مؤسسة دستورية .
لكن اطمئنوا , ذلك فقط لمرحلة انتقالية مدتها سنتين شمسيتين لاغير .
ثم ماذا ؟
ثم يجري انتخاب جمعية تأسيسية من داخل المؤتمر العتيد الذي لم نعرف حتى الآن من هو والده الحقيقي . أي أن الجمعية التأسيسية ستولد من رحم ذلك المؤتمر المشبوه أيضا .
وهي التي ستضع الدستور الدائم للبلاد . لكن لاتقلقوا فيمكن لتلك الجمعية الاستعانة بعناصر ” نكهات ” من خارج المؤتمر أيضا .
هكذا وبعد أن نطمئن عليكم ستكون هناك انتخابات ديمقراطية وفقا للدستور ومجلس شعب دائم ورئيس منتخب .
بقي هناك تفصيلات ثانوية جدا وغير ذات أهمية لم تتعرض لها خارطة الطريق .
وماذا عن الدولة السورية الحالية التي اعترف بها العالم ؟
وماذا عن الجيش السورية الحالي ؟
وماذا عن الشعب السوري في أغلبيته الساحقة إذا كان متضامنا مع النظام الحالي و مستعدا للدفاع عنه ؟
ومن هي القوة التي ستتكفل بإنهاء الدولة السورية الحالية وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر ؟
معارضة كسيحة لاوزن سياسيا لها ولا قواعد أجتماعية تحلم بحل انقلابي طريقه مسدود , وإذا قدر له أن ينفتح فنحو حرب أهلية لها أول وليس لها آخر .