ليلة لم ينم فيها الشعب السوري

أحمد مظهر سعدو

أجزم أن ليلة الثامن من كانون أول/ ديسمبر ٢٠٢٤ هي من الليالي القليلة جدًا في حيوات السوريين على مدى عمر التاريخ الحديث لسورية، التي لم ينم فيها الشعب السوري بكليته، سواء كان منتميًا لثورة الحرية والكرامة، أو كان شبيحًا لآل الأسد وتوابعهم.. في تلك الليلة عاش السوريون مخاضًا عسيرًا لولادة وطن جديد من رحم ثورة، ضحى ثوارها من السوريين على مذبح الحرية، ما ينوف عن مليون شهيد، من أبهى وأروع وأشرف ما أنجبته سورية في تاريخها. السوريون الذين تحملوا وقع الألم عبر تلقي القصف بالكيماوي وكذلك بالبراميل والصواريخ البالستية، حتى باتت سورية دولة فاشلة اقتصاديًا وسياسيًا مع نهايات عام ٢٠٢٤، جراء ما فعلته بها آلة الخراب والنهب والفساد والإفساد لنظام الفاشيست الأسدي وداعميه طيلة ٥٤ عامًا من حالة خطف الوطن السوري على يد عصابة مجرمة، لم يكن يومًا يهمها بناء الوطن السوري، ولا نمو اقتصاده، ولا سيادته، التي باعوها على قارعة الطريق، وفي سوق النخاسة. كان همهم الأساس بقاءهم في السلطة ممسكين برقاب الناس، ومنفذين لخريطة مرسومة لدورهم الوظيفي في سورية ولبنان والمحيط العربي. وبالتأكيد كان هاجس هذه العصابة الاستحواذ على مزيد من الأموال المنهوبة، وتأمينها في البنوك الخارجية، والاستمرار في إقامة مصانع الكبتاغون التي درت عليهم المليارات من الدولارات، على حساب الشعب السوري وشعوب المنطقة برمتها، ومن ثم تفشي آفة المخدرات في العالم العربي المحيط وخاصة دول الخليج العربي.
لقد كان صباح يوم ٨ كانون أول /ديسمبر بدءًا جديدًا لتاريخ سوري صرف، لا مكان فيه للعصابات النهبوية، صباح تسوده الحرية والكرامة، ويعيد (بإرادة شعبه وحماية الرحمن) إنتاج الوطن السوري، بصيغة جديدة متطلعة للمستقبل، لاهم لها إلا بناء الوطن المهدم، وإعادة رسم ملامح وطن سوري جديد يُبنى بقوة واقتدار، ويشيد دولة المواطنة المفتقدة في سورية، ويعيد وصل ما انقطع مع المحيط العربي والعالم، ضمن سياسات جديدة ترتقي بالشعب السوري إلى مصاف الدول المتقدمة، حيث فاتها الكثير من التقدم والتقانة والعلم يوم خطفها المجرم حافظ الأسد، بتاريخ ١٦ تشرين ثاني/ نوفمبر ١٩٧٠ وذهب بالوطن السوري ضمن استراتيجيته الفاسدة والديكتاتورية الى ما لا يريده السوريون قاطبة .
يوم استفقنا على كنس للاستبداد المشرقي، وفرار لرأس الطغيان الأسدي، حاملًا معه أموال السوريين المنهوبة، وبعض عصابته المقربين من طغيانه. يوم عشنا مع كل السوريين لحظات فرار ميليشيا إيران في سورية، التي فاق عديدها على الجغرافيا السورية عتبة ال 120 ألف من الحرس الثوري الإيراني وتابعيه من المليشيات التي استقدمها الى سورية، حيث ذهب معها المشروع الإيراني الفارسي الطائفي إلى غير رجعة. يوم تنفس السوريون عبق الياسمين الدمشقي الأصيل من جديد، عبق الحرية المغيبة قسرًا أيام المجرم الفاشيستي.. عندها فقط قال الشعب السوري نحن عبرنا إلى الحرية، ومضينا إلى طريق جديدة بدون آل الأسد وضمن أجواء من تحقيق ما كنا نصبوا إليه ثم تحقق.
صحيح أن الخراب الذي تركه نظام بشار الأسد كان كبيرًا جدًا، وأن التحديات من ثم التي نتطلع كسوريين لمواجهتها حكومة وشعبًا ليست باليسيرة بل متعددة وصعبة المنال بحق.. لكن الشعب الذي تمكن بإمكاناته وإرادته وتصميمه، من كنس الاستبداد ومعه إيران الملالي وسطوتها ومشروعها، لابد أن يكون قادرًا على المضي قدمًا نحو تحقيق العدالة الاجتماعية المبتغاة بين السوريين جميعا مرورا بحيز العدالة الانتقالية الضرورية جدًا، من أجل العبور نحو السلم الأهلي الذي يتمناه كل السوريين.
وحتى لو كانت هناك عثرات كثيرة وأخطاء أيضًا، لابد من الإيمان بالله وبقدرة السوريين على بناء الوطن، وهذا اليوم معطىً أساسيًا وهامًا من أجل سورية الجديدة، سورية المنعتقة من كل أنواع التغول، وقمع الناس، أو كم الأفواه.. سوريا القادمة ستكون أفضل بعد مرور عام على التحرير والانتصار.. وليس ذلك على الله بعزيز، وليس هذا الأمر مستعصٍ على شعب يملك كل هذه الخبرات والإبداعات والتصميم على المضي في طريقه من أحل سورية الواحدة الموحدة.

المصدر: مجلة الوعي السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى