هل يستأنف “المغرب” ثورات الربيع العربي ..؟

 عبد الرحيم خليفة 

يوم الاحد 11 حزيران/يونيو الجاري وصلت الحركة الإحتجاجية في المغرب إلى العاصمة الرباط،  متأخرة  ثمانية أشهر عن انطلاقتها في تشرين الاول/ أكتوبر الماضي إثر هرس الشرطة لبائع سمك فقير (محسن فكري) في سيارة قمامة بسبب اعتراضه على مصادرة كمية من أسماكه التي يعتاش من بيعها على عربة متجولة.

فجرت الحادثة احتحاجات عارمة في مدينة الحسيمة من الريف المغربي المعروف بأنه منطقة مهمشة تعاني الفقر والحرمان نتيجة البطالة وغياب التنمية. وبوصول هذه الاحتجاجات الى العاصمة اكتسبت زخما مضاعفا، فهي من ناحية أولى إجتذبت ألوف المتظاهرين الجدد، أتى بعضهم من مناطق الريف (مهد الحركة الإحتجاجية) على بعد ٥٠٠ كلم. ومن ناحية ثانية فرضت نفسها على البرلمان والحكومة الجديدة، التي كان  النواب قد اضطروا لمناقشتها، واضطر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني للإقرار بمشروعية مطالبها، وحاول امتصاص نقمة المحتجين بعد الإعتقالات التي طالتهم، وشملت ناصر الزفزافي قائد الحراك في الحسيمة والذي تحول رمزا للحركة ترفع صوره إلى جانب صور محسن فكري الذي  هرست سيارة القمامة عظامه.

هذا الزخم المتعاظم ينبىء بأن الحركة لن تهدأ قريبا، بل إنها أعادت فتح ملفات قديمة_ جديدة كثيرة  تتعلق بحقوق الإنسان، والحريات، والعدالة الإجتماعية، والتنمية، والادارة الحكومية.

لمدينة الحسيمة التي أشعلت بركان الغضب الشعبي الحالي رمزية كبيرة في تاريخ المغرب، فهي قلب الريف الذي إحتضن ثورة عبدالكريم الخطابي ضد الاستعمار الفرنسي – الاسباني، والمنطقة التي شهدت أول حركة احتجاجية بعد الإستقلال ١٩٥٨_ ١٩٥٩ على “الأسرة العلوية الشريفة”، وهي أيضا المدينة التي بلغت فيها ذروة إنتفاضة الخبز أو الجوع عام ١٩٨٤ وسحقتها السلطة بالبطش، ولم تزل ذكرياتها وعقابيلها ماثلة بقوة في وعي المجتمع المغربي، رغم لجان “الإنصاف والمصالحة”التي تشكلت عام 2004 بهدف تجاوزها مع ملفات تلك المرحلة وغيرها من عقود القمع والإستبداد ( عهد الملك الحسن الثاني).

ما يجري في المغرب يطرح اسئلة كثيرة: هل هو مجرد هبة شعبية عارضة أم انتفاضة عارمة تستمد وقودها من شعور المغاربة بأنهم خدعوا عام 2011 بوعود السلطة، فجمدوا انتفاضتهم حينها، وعادوا اليوم لمواصلتها.؟

وهل يمكن المراهنة على موجة ثانية من “الربيع العربي” تبدأ من المغرب؟!

في عام 2011 شملت رياح الربيع العربي المغرب كبقية البلدان، وشهد بوادر ثورة تتوافر شروطها الموضوعية كافة، وتحدد موعد أول تظاهرة  يوم ٢٠شباط/ فبراير ٢٠١١، وأصبح إسما لحركة الاحتجاج المستمرة حتى اليوم بوتائر مختلفة، والتي اتهمت بالتطرف، وقيل إنها ضمت متشددين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ودفعت الملك محمد السادس لإلقاء خطاب ٩ آذار/مارس والذي تعهد فيه بتحويل النظام ملكيا دستوريا، والتزامه بأن تكون الحكومة حقا للحزب الفائز في الانتخابات العامة، ودعا فورا لانتخابات أسفرت عن فوز حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) بأغلبية مقاعد البرلمان فكلف أمينه العام بتشكيل الحكومة، وما زال الحزب يحكم حتى اليوم.

يذكر أن المغرب فيه حياة سياسية (مضبوطة) على إيقاع سياسات الملك وتوجهاته، وتحت سقف الإلتزام بمبايعة (أمير المؤمنين)، ساعدت دائما في إمتصاص الإحتقان الشعبي، ولكنها لم تمنع الانتفاضات الشعبية، كما حصل في 1961 و1984.

الإحتجاجات الحالية كسابقاتها مرهونة بإرادة الملك، والأرجح أنه هو من سيحدد، مآلها وشكل نهايتها، بما تملكه (الملكية المغربية) الراسخة من جذور تاريخية وسلطة روحية- سياسية، وأيا تكن كلمة الفصل وقراره النهائي منها، فلقد فتح الباب لنقاش واسع حول عهد الملك محمد السادس وتجربته منذ إعتلائه العرش في تموز/يوليو 1999، والتي يتفق المغاربة على أن فيها بعض النقاط المضيئة، ولكنها لا تصل إلى مستوى الطموح في (الربيع العربي) الذي حرك الشعوب التواقة للحرية والكرامة. ولذلك يعود المغرب ليلتحق بالربيع العربي بطريقته الخاصة، دون مستوى الثورة، مؤكدا أن مطالب الشعوب ستظل محرك التاريخ ومشغله، تهدأ أحيانا أو تتراجع لكنها لا تتوقف أو تخمد، وتتخذ أشكالا مختلفة، تحقيقا لأهدافها الشعبية.

============

***في عام 2011 شملت رياح الربيع العربي المغرب كبقية البلدان، وشهد بوادر ثورة تتوافر شروطها الموضوعية كافة، وتحدد موعد أول تظاهرة  يوم ٢٠شباط/ فبراير ٢٠١١، وأصبح إسما لحركة الاحتجاج المستمرة حتى اليوم بوتائر مختلفة، والتي اتهمت بالتطرف، وقيل إنها ضمت متشددين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

***يوم الاحد 11 حزيران/يونيو الجاري وصلت الحركة الإحتجاجية في المفرب إلى العاصمة الرباط،  متأخرة ثمانية أشهر عن إنطلاقتها في تشرين الاول/ أكتوبر الماضي إثر هرس الشرطة لبائع سمك فقير (محسن فكري) في سيارة قمامة بسبب إعتراضه على مصادرة كمية من أسماكه التي يعتاش من بيعها على عربة متجولة.

المصدر: صحيفة جيرون الإلكترونية

17_ حزيران/ يونيو 2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى