رسائل اعتذار إلى القادة العرب وآخرين

حلمي الأسمر

            

أول هذه الرسائل إلى من يفترض أنهم “أولياء أمورنا” والقائمين على تسيير حياتنا ورسم معالمها، وتوفير البيئة المناسبة لمن تولوا أمورهم، قهراً وجبراً أو رضى واعترافاً وعرفاناً، ونقول لهؤلاء بملء الفم: نحن الشعب رعاياكم مدينون لكم باعتذار كبير، أكبر من كل الاعتذارات التالية، لماذا؟ ببساطةٍ، لأننا حمّلناكم فوق ما تستطيعون، فقد طالبناكم بالدفاع عن الأمة، ورفع شأنها بين الأمم، ومناجزة أعدائها، والتصدّي للمؤامرات التي تحاك ضدها، وفي الوقت نفسه، قلنا لكم: اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنا ها هنا قاعدون! فكيف تقاتلون دوننا؟ وكيف تمتطون حصان المناجزة والتحدّي والقتال، وقد أحنينا رؤوسنا لتمتطوا رقابنا؟ كيف تتحولون بين ليلة وضحاها إلى “ثوار” وقد هيأنا لكم كل ظروف الحياة “الوادعة” المستسلمة لكل مارق ومتجبّر ومستعمر ومهيمن؟ كيف نطلب منكم نصرة غزة ودعم المقاومة، ونتهمكم بخذلانهما والتآمر عليهما، ونحن متواطئون معكم راضون بما تفعلون، بل ومدافعون عبر منصات إعلامكم عن كل خطاياكم؟

نعتذر منكم أشد الاعتذار أصحاب الرفعة والمقام العالي، لأننا حملناكم على أعناقنا، ووضعنا بين أيديكم كل مقدّراتنا، فتصرفتم بها كيفما تشاؤون بلا مساءلة أو حسيب أو رقيب، ثم طالبناكم بأن تزهدوا بما بين أيديكم، وتعيشوا حياة الزعماء الذين تسائلهم شعوبهم عن كل قرش صرفوه، وعن كل هديةٍ تلقوها، حتى لو كانت علبة سيجار فاخرة، أو ولاعة ثمينة؟ كيف نتهمكم بأنكم خذلتم غزّة، وتهاونتم بأمننا القومي، واتفاقية الدفاع العربي المشترك الموقعة منذ ثمانية عقود، ولم يسائلكم أحد منا لمَ هي موضوعة في الأدراج؟ كيف نطالبكم بالتصدّي لعدو شرس كنتنياهو وكلابه الصغار أمثال سموتريتش وبن غفير، وأنتم من حمى الدويلة المسخ “إسرائيل” منذ ما قبل قيامها، وأثناء قيامها، وحتى تحولت إلى دولة عظمى، تخيفكم وتخيف كل من فكر برميها بحجر؟ كيف نطلب منكم أن تواجهوا “إسرائيل” ومن ورائها دول عظمى وكبرى، في مقدّمتها الولايات المتحدة، وأنتم فرشتم السجاد الأحمر للقتلة والمجرمين من زعماء العصابات التي تحكم تلك الدول، وعاهدتموهم وعقدتم معهم الشراكات الاستراتيجية، ورهنتم كل مقدرات الأمة بين أيديهم؟ هل تستوي دعواتنا الغبية مع كل ما فعلناه كي تكون كل مقاليد الأمور حكرا على أمزجتكم ومصالح المنتفعين حولكم؟

نعتذر منكم، أيها السادة الكبار، لأننا سمحنا لكم أن تمتطوا ظهورنا وتسوقونا للفقر والجوع والذلة والمهانة، وأن نكون وقودا لحروب لم تكن حربنا، ومشاريع لم تكن مشاريعنا، فكم أهدرت طموحاتكم من ثروات وأزهقت من أرواح في معارك خاسرة، تارة باسم تحرير فلسطين، وتارة باسم الحفاظ على الأمن القومي العربي، وأخرى باسم الوحدة العربية، وكل معارككم ومشروعاتكم كانت خاسرة خسارة فادحة، ولم نزل نمجد أسماءكم، ونترحم على من مات منكم ونسبح بحمد اسمه.

 فجّرت غزّة “صاعق” الحرية والتحرير، فقلنا لها كما قلنا للمتحكمين برقابنا: اذهبي أنت وربك فقاتلي إنا ها هنا قاعدون

باختصار شديد، ليس من حقنا، شعوبا وقبائل، أن نلوم أحداً منكم على ما آلت إليه حال الأمة، ونحن الذين سلمنا لكم رقابنا، وجعلناكم زعماء وقادة، وبجلناكم وعظمناكم، ورفعنا صوركم وأقوالكم و”حكمكم” وسمحنا لكم أن تلعبوا بمصائرنا كيفما تشاؤون، ثم جئنا من بعد نلومكم، ونتهمكم بالتفريط بأوطاننا، ورهن مقدّراتها للأجانب والمستعمرين، فأين كنا كشعوب وأنتم تعبثون بنا منذ قرن أو يزيد؟ ولمَ رضينا وسكتنا ـ ولم نزل – طيلة هذا العمر؟ نحن الملوم لا أنتم، فلا يوجد زعيم بلا شعب، فإذا كان الشعب خانعا مستسلما بل غائبا عما يفعل من يسوسه، فأنى لهذا الشعب أن يلوم من خذله وتاجر به وسلمه لقمة سائغة لعدو متربص به؟ وهل من حقنا كأمة أن نلوم فشلكم في اجتماعاتكم وقممكم في أن تتّخذوا قراراً واحداً ذا مغزى، ولكل منكم مصالح وأجندات ولا تجمعكم سوى القاعات (والقيعان!) التي تجتمعون بها؟

ثاني رسائل الاعتذار لغزّة، ومقاومتها، فقد قامت بما عليها أن تقوم به، فجّرت “صاعق” الحرية والتحرير، فقلنا لها كما قلنا للمتحكمين برقابنا: اذهبي أنت وربك فقاتلي إنا ها هنا قاعدون، ليس هذا فحسب، بل صرنا “نهنئ” ضحايا قنابل أميركا وأوروبا التي تمطر على عدونا الصهيوني بحصولهم على الشهادة، وأي شهادة تلك التي يحصلون عليها حرقاً وتجويعاً وقهراً وموتاً تحت الأنقاض! بل صرنا ننتظر من المقاومة أن تدافع عن ملياري مسلم، يرتعون ويأكلون ويشربون، ويمارسون شرب قهوة الصباح باسترخاء ودعة، ويلاعبون أبناءهم، وينتظرون عودتهم من المدارس ليفاجئوهم بشراء الهدايا والألعاب، فيما أطفال غزة تطحنهم القنابل والمجاعات والتشريد والنزوح، بل لا نكتفي بهذا، فقد برز من بيننا من يلوم المقاومة على “حماقة” مواجهتها للقوة الاستعمارية الغاشمة، ويحملها مسؤولية المذبحة التي تتعرض لها غزّة، وذهب بعضهم مذاهب أبعد حين مد يد العون للعدو، وصفق له كلما أوغل في دم الغزيين، ووفّر له كل ما يحتاجه للاستمرار في ارتكاب جريمته، نعتذر منك يا غزة، فكل ضحية تسقط على أرضك الطاهرة هي مسؤولية ملياري مسلم، نأوا بأنفسهم عن نصرتك، وانتظروا حدوث معجزة في زمن ليس فيه معجزات!

نعتذر منكم أشد الاعتذار أصحاب الرفعة والمقام العالي، لأننا حملناكم على أعناقنا، ووضعنا بين أيديكم كل مقدّراتنا

ثالث رسائل الاعتذار لنتنياهو وعصابة الأشرار في كيان العدو. نعم، نحن مدينون بالاعتذار منك أيها المجرم القاتل، لأنك لم تزل حياً، فلو لم نكن نحن شعوب العرب والمسلمين على ما نحن فيه من ذلٍّ ومهانة وسلبية، لما كنت تخرج علينا صباح مساء متبجّحاً بقدرتك على تغيير وجه الشرق الأوسط، ولما كنت قادراً على الضرب والقتل والإغارة شمالاً ويميناً، فأنت وأمثالك ليس لهم مكان غير السحق تحت الأقدام، لا رفع الرأس والتهديد والوعيد، ولكننا نحن الشعوب من وفّرنا لك فرصة الفرعنة والتجبر والعدوان، لأننا خنّا الأمانة وحرقنا البخور لعملائك وأعوانك من قومنا، وسمحنا لك ولأعضاء عصابتك أن تفتحوا سفارات في بلادنا ونعقد معكم الاتفاقات والتبادلات التجارية، بل وشراء خيراتنا التي سرقتموها من أصحابها، معذرة نتنياهو القاتل فلو كان فينا رجال لما سمحوا لك أن تكون خادماً لأصغرنا!

أخيراً… نعتذر عن كل اعتذاراتنا، فهي معلقة إلى حين فهم ما قاله شداد والد عنترة عندما هاجمت قبيلة غازية قبيلة بني عبس، حيث طالب والد عنترة، شداد، ابنه بالقتال، قائلاً: “كرّ”، فأجاب عنترة: “العبدُ لا يُحسن الكرّ إنما يُحسن الحلاب والصرّ”. فقال له أبوه: “كرّ وأنت حُرّ” وحينها فقط كر عنترة، فالكر للأحرار. وحتى ذلك الحين، سيبقى الحال على ما هو عليه.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى