
كشف الرئيس السوري أحمد الشرع في حواره الأخير مع الإخبارية السورية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاقية أمنية. ولم يستبعد احتمال أن يتم التوصل إلى اتفاقية على هامش زيارته للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الشهر.
مع ذلك، يُظهر حديث الشرع عن أن المفاوضات تبحث في العودة إلى اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974 أو إلى شيء مشابه لها، أن الاتفاقية المحتملة لن تلتزم تماماً – بالضرورة – ببنود اتفاقية فضّ الاشتباك. وفي هذا السياق، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخراً إلى التزام إسرائيل بالحفاظ على سيطرتها على منطقة جبل الشيخ ذات الأهمية الاستراتيجية، مما يوحي بأن الرؤية الإسرائيلية لأي اتفاقية أمنية مع سوريا لا تتضمن أيضاً الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل في جنوبي سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
يسعى الشرع إلى تقليص النفوذ الذي اكتسبته إسرائيل في سوريا من خلال الانخراط في مفاوضات معها، مع إظهار مرونة تجاه الوساطة الأمريكية.
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على فكرة التفاوض مع الجانب السوري بشأن اتفاقية أمنية، تحت تأثير الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذا الاتجاه. ويُعتقد على نطاق واسع أن واشنطن تسعى إلى تسريع التوصل إلى هذه الاتفاقية بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويرى الرئيس ترامب في هذا المسار فرصة لتحقيق اختراق دبلوماسي في العلاقات السورية–الإسرائيلية، قد يمهّد الطريق لانضمام سوريا في المستقبل إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن نجاح التوصل إلى ترتيب أمني بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل يعتمد إلى حدّ كبير على النوايا الإسرائيلية، التي لا تزال غامضة إلى حد بعيد.
من جهة أخرى، يثير التدخل الإسرائيلي في الأزمة بين الدروز والدولة السورية تساؤلات حول ما إذا كانت أهداف إسرائيل في جنوبي سوريا تتجاوز إقامة منطقة منزوعة السلاح إلى دعم إنشاء كيان درزي مستقل. ومن ناحية أخرى، فإن إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالمناطق التي سيطرت عليها في سوريا بعد التحول، بحجة مواجهة تهديدات أمنية، يثير شكوكاً حول ما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى استدامة هذا الوجود بشكل دائم. وحتى مع إبداء دمشق استعدادها للتفاوض حول المطالب الإسرائيلية بنزع السلاح من جنوبي سوريا، فإن سياسة الغموض الاستراتيجي التي تتبعها إسرائيل تجعل المسار التفاوضي جزءاً من استراتيجيتها الأوسع، بدلاً من كونه وسيلة واضحة للتوصل إلى اتفاق شامل.
ولا يبدو أن إسرائيل في عجلة من أمرها لإبرام مثل هذا الاتفاق في المستقبل القريب. فهي تسعى من جهة إلى تهيئة الوضع في جنوبي سوريا ليتماشى مع مطالبها، التي تشمل استبعاد أي نقاش حول مستقبل سيطرتها على جبل الشيخ وربما المنطقة العازلة، وتوسيع نطاق نزع السلاح في جنوبي دمشق، وتعزيز علاقتها بالدروز في سوريا كجزء من استثمار طويل الأمد في هذا الملف. ومن جهة أخرى، تستغل إسرائيل تدخلها في سوريا لإضعاف الحكومة الجديدة، والتأثير على علاقتها مع تركيا، وتغذية التوترات بين الأقليات والدولة السورية. في المقابل، يسعى الشرع إلى تقليص النفوذ الذي اكتسبته إسرائيل في سوريا من خلال الانخراط في مفاوضات معها، مع إظهار مرونة تجاه الوساطة الأميركية. وفي هذا السياق، فإن ديناميكيات المسار التفاوضي تتجاوز الترتيبات الأمنية لتشمل الضغط على سوريا للتنازل عن مطالبتها باستعادة السيطرة على هضبة الجولان المحتل، فضلاً عن فرض قيود على الطموحات التركية لإقامة قواعد عسكرية في سوريا.
ترامب يتطلع إلى تحقيق اختراق دبلوماسي في العلاقات السورية–الإسرائيلية، مما يعزز زخم مشروع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية خلال ولايته الثانية.
تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في رعاية هذا المسار التفاوضي بين سوريا وإسرائيل، وقد كان تدخلها حاسماً في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء. كما تساهم واشنطن في إدارة التوترات بين تركيا وإسرائيل في سوريا منذ أبريل/نيسان الماضي. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب تتجنب حالياً ممارسة ضغوط مباشرة على إسرائيل للحدّ من عملياتها العسكرية في جنوبي سوريا، فإن موقفها يشكّل عنصر ضغط غير مباشر على استراتيجية نتنياهو في سوريا. وبالتالي، يظل هذا الموقف عاملاً حاسماً في تحديد فرص التوصل إلى اتفاقية أمنية متوازنة، تلبي المطالب الأمنية الإسرائيلية مع تمكين الدولة السورية من بسط سيادتها على جنوبي البلاد، ووقف التدخل الإسرائيلي في الأزمة بين الدروز ودمشق، فضلاً عن التوصل إلى تفاهم بشأن انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة وجبل الشيخ، سواء بشكل فوري أو ضمن جدول زمني محدد.
من الواضح أن ترامب يتطلع إلى تحقيق اختراق دبلوماسي في العلاقات السورية–الإسرائيلية، مما يعزز زخم مشروع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية خلال ولايته الثانية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تهيئة بيئة دبلوماسية مناسبة، وهو أمر يصعب تحقيقه دون ممارسة ضغوط أكثر وضوحاً على السياسة الإسرائيلية في سوريا. حتى الآن، لم تُظهر واشنطن استعداداً واضحاً لممارسة هذا النوع من الضغط. وينطبق الأمر ذاته على موقفها تجاه قوات سوريا الديمقراطية، حيث لم تستخدم بعد جميع أدوات الضغط المتاحة لديها لدفعها نحو تنفيذ اتفاقية الاندماج مع الدولة السورية. إن السعي الأميركي لتحقيق سلام بين سوريا وإسرائيل وفق شروط إسرائيلية يُفسر إلى حد كبير الأسباب التي تدفع واشنطن إلى تبنّي استراتيجية غامضة، لا تختلف كثيراً عن نهج الغموض الإسرائيلي في سوريا.
المصدر: تلفزيون سوريا