فوضى الإشاعات قبل الانتخابات في العراق

فارس الخطاب

بينما تعمل الجهات المختصّة في العراق على استكمال تحضيراتها لإجراء الانتخابات النيابية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تجرى بشكل موازٍ لها عمليات تبدو منظمة لصناعة الشائعات، بعضها من داخل العراق وأخرى من خارجه، بغرض زعزعة ثقة بعض العراقيين بقدرة النظام السياسي القائم على بلوغ ذلك التاريخ. وتشدّد هذه الشائعات على أن هذا التغيير سيكون في سبتمبر/ أيلول الحالي، وهو ما يدفع عراقيين آخرين إلى التمسّك بهذا النظام، خصوصاً مع تمكّن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في فترة تسنّمه هذه المسؤولية 2025-2022، من تحسين الأداء الحكومي لوزارته ورفع وتيرة الخدمات والمنجزات المتعلقة بالاستثمار والانفتاح على العلاقات العربية والدولية، بشكلٍ خفّض، إلى حد ملحوظ، حالات الهشاشة الأمنية التي رافقت الرئاسات التي سبقته.

الإشاعات، كما تفيد تقارير، عملية تتحكّم بها عدة جهات، داخلياً هي أحد أنشطة القوى التي لا تُريد للسوداني الفوز بفترة رئاسية ثانية، خصوصاً أنه استعد لهذا الأمر منذ 20 مايو/ أيار 2025، حين أنشأ تحالف “إعادة الإعمار والتنمية”، واستقطب إليه عدة أطراف، منها تيار الفراتين، تحالف الوطنية (إياد علاوي)، تحالف العقد الوطني (فالح الفياض) وغيرهما، واللافت حالياً أن وسائل إعلام محلية عديدة تروج، بشكل واضح، كل إيجابيات السوداني وأنشطته، بصيغة خبرية يومية، فيما ترقب قوى أبرزها الإطار التنسيقي، بحذر شديد، سياق الأحداث المتعلقة بتطوّر حظوظ رئيس الوزراء الحالي في الفوز في الانتخابات المرتقبة.

تتحدّث معظم البرامج الحوارية عبر وسائل الإعلام العراقية ووسائل التواصل الاجتماعي عن “عملية أميركية مرتقبة” أو “تغيير برعاية ودعم أميركي قادم”، وأن هناك رغبة أميركية حقيقية في تغيير وجوه القيادات السياسية في العراق، من دون تقديم مصادر رسمية أو تفاصيل واضحة، والكل يتحدّث تحت شعار “عندي معلومات”، وهو تعبير لا يُعوّل عليه فعلياً، كما يبرّر بعض المحللين ومصادر إخبارية ومنصّات شخصية لمعارضين عراقيين في الخارج هذه المعلومات (الشائعات) بعدم رضا الولايات المتحدة عن محاولات تمرير قانون الحشد الشعبي في مجلس النواب العراقي، وامتعاضها من عدم القبول بمقترحها دمج أو حل هذا التنظيم الذي تعتبره امتداداً للحرس الثوري الإيراني، وتبرّر واشنطن تقديمها هذا المقترح بأنه “خدمة لسيادة العراق”.

في غياب شفافية المعلومات وظل التعتيم، تنتشر القصص والتقارير المفبركة من دون تحقق، ما يؤدّي إلى وقوع الجمهور في فخ الإنشاء الإعلامي، وليس التقرير الواقعي

نعود إلى دوافع الشائعات في هذه الفترة تحديداً في العراق، ولعل الأبرز فيها تضخيم الانقسام السياسي، وتأجيج الخوف من “الوصاية الأميركية”، وما سيعنيه ذلك لفصائل عرفت بولائها لدولة جارة للعراق، هذا دافع. والدافع الآخر تشكيل ضغط إعلامي؛ حيث يجرى تسريب مثل هذه الشائعات، بغرض رصد ردّات الفعل الشعبية أو اختبار قابلية المجتمع العراقي لقبول تحوّلات سياسية ذات توجهات مختلفة عن الوضع القائم منذ عام 2003. أما الدافع الأخير فهو نفسي، ويرتبط بصانع الإشاعة نفسه؛ ففي غياب شفافية المعلومات وظل التعتيم، تنتشر القصص والتقارير المفبركة من دون تحقق، ما يؤدّي إلى وقوع الجمهور في فخ الإنشاء الإعلامي، وليس التقرير الواقعي.

كيف تواجه هذه الشائعات؟ أولاً، بالنسبة للموقف الأميركي الرسمي، تؤكّد التقارير أن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام السياسي في العراق، بل تدعم مؤسّسات الدولة واستقرارها. كما أن هناك تحذيرات أميركية من أنها لا تريد للعراق أن يصبح أداة بيد طرف إقليمي محدّد. كما أن انسحاب القوات الأميركية من قاعدة (عين الأسد) ومن قاعدة (فكتوريا) قرب مطار بغداد الدولي، يمثل بالنسبة للمعارضين لفحوى هذه الشائعات تأكيداً لهذا التوجه؛ حيث يرون أن واشنطن لو أرادت التدخل في السيادة العراقية لأبقت قواتها في مناطق ذات تأثير مباشر على التغيير.

لعل الأبرز في دوافع الإشاعات في العراق تضخيم الانقسام السياسي

وبالرغم من عدم وجود حديث أميركي رسمي عن ترشيحات أو تغييرات تدفع بها واشنطن ضمن المشهد السياسي العراقي المقبل، إلا أن قوى معارضة للنظام السياسي توجد قياداتها خارج العراق، تؤكد أنها تملك الأدوات اللازمة للتغيير، وأن لديها أتباعاً كثيرين في العراق، وأنها تسعى، كإجراء نهائي، للحصول على “تفاهمات” مع الإدارة الأميركية حول ساعة الصفر وإجراءات اليوم التالي للتغيير، كما انتشرت مقاطع فيديو عبر وسائل إعلام ومنصّات اجتماعية، تُظهر قائد أحد تشكيلات المعارضة العراقية مع وسم يقول: “يقود التغيير بدعم دولي شامل”.

يبقى القاسم المشترك لكل الشائعات استغلال اسم الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب شخصياً في الشائعات، وهو ما جعل بعض هذه الشائعات أداة دعائية شديدة التأثير. ويبقى سبيل التصدّي لهذه الموجة من الشائعات يعتمد على شفافية الحكومة العراقية، فمن واجبها تفنيد الشائعات بجملتها من خلال وسائل إعلام مهنية يثق بها المجتمع العراقي، لضمان ألا تتحوّل الانتخابات المقبلة إلى ساحة للتلاعب الإعلامي للتأثير على توجهات الناخبين بدل أن تكون لحظة ديمقراطية فاصلة.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى