
أن تحاول الدولة الصهيونية اغتيال قادة حركة حماس في قطر، الدولة الوسيطة بينها وبين هؤلاء القادة، انتهاك كامل، وليس فاضحاً فقط، لسيادة قطر وكل الدول العربية. إنها باعتدائها على قطر تستكمل عمليات استباحاتها قطاع غزّة والضفة الغربية ولبنان وسورية واليمن والعراق وكذلك إيران. عمليّتها هذه “مدعومة” أيضاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ لا يمكن أن تتم من دون موافقته، وبالتالي، انتقلت الإدارة الأميركية إلى سياسة خاطئة كلياً، وهي إتاحة المجال لدولة العدو باستباحة كل الدول العربية، وكما تشاء، وبغية فرض سيطرة كاملة على هذه الدول والمنطقة بأكملها، وهنا، يجب وضع قطع العلاقات بين تركيا والدولة الصهيونية بالاعتبار، فهو يشير إلى تأزم شديد بين الدولتين بما يخص سورية وفلسطين وكل المنطقة العربية، وبذلك تصبح الدولة الصهيونية في حالة عداء كامل مع المنطقة، وهناك إمكانية أن تجدّد حربها ضد إيران.
انتهجت الدول العربية خيار التفاوض والسلام والتطبيع، متجاهلة الرفض المنهجي للدولة الصهيونية هذه الخيارات، ويدعم هذا التحليل ما يجري من انتهاكات سيادية انتهت بالاعتداء على قطر وقيادة حماس التفاوضية، أي غير العسكرية، والضرورية لاستمرار التفاوض، وبالتالي، الاعتداء هو إغلاقٌ لباب التفاوض، وللوساطة القطرية كذلك.
لم يعد التضامن العالمي والعربي مع قطر كافياً، كما التضامن مع غزّة والضفة الغربية. هناك ضرورة عربية لقطع كامل العلاقات مع الدولة الصهيونية، ريثما تتوقف عن تدخّلاتها في المنطقة العربية وحربها على غزّة والضفة الغربية. ليس قطع العلاقات عملية تفاوضية مثلاً، هي حقّ للعرب، هي تطبيقٌ للقانون الدولي الذي يمنع كل تلك التعدّيات، هي سياسة التلويح بما هو أكثر من ذلك. تخطئ الدول العربية بالاكتفاء بالتضامن مع قطر، كما فعلت مع غزّة واكتفت بذلك. الدولة الصهيونية في هذه المرحلة يجب مواجهتها بسياسة قطع العلاقات، وبسياسة خارجية عالمية توضح خطورة استباحة سيادة الدول العربية المستمرّة، وأصبح من الخاطئ كليّاً الاكتفاء بسياسة الإدانة لاستباحة هذه الدولة في غزة وسواها.
إنهاء أي علاقات مع الدولة الصهيونية هو المدخل الوحيد في هذه المرحلة نحو العودة إلى مفاوضات جادّة تعيد إلى العرب أراضيهم، وإلى الفلسطينيين حقهم في تشكيل دولتهم
هل يمكن أن تكون السعودية في منأىً عن الاستهداف، ولأي سبب تراه الدولة الصهيونية. أبداً. الاستهدافات المستمرّة للدول العربية رسالة، أن المطلوب هو الإذعان الكامل لما تريده؛ تسهيل تهجير الفلسطينيين من غزّة، ورفض الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، والاعتراف للدولة الصهيونية بهيمنتها على المنطقة، وأن يكون لها الدور الأول في ترتيب الوضع الأمني والاقتصادي، وربما أكثر، في المنطقة.
هل نبالغ في الموقف من قراءة آثار الضربة على قطر، وحقّ الدول العربية في المقاطعة والعمل الدبلوماسي عالمياً، لرفض تلك الاستباحات والوقوف مع الفلسطينيين في إيقاف الحرب على غزّة ودعم الاعتراف الدولي بحقهم في تشكيل دولتهم، وعدم الاكتفاء بالاعتراف الأممي بذلك.
تدعم الاستنتاجات هذه العزلة الدولية التي راحت تعاني منها كل من الدولتين الصهيونية والأميركية بما يتعلق برفضهما إيقاف الحرب على غزّة، وبرفضهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هناك حالياً دعم دولي هائل لحقوق الفلسطينيين. إن من مصلحة قطر والدول العربية تبنّي سياسة متشدّدة، هي واقعية للدقة، ضد سياسات الدولة الصهيونية والإدارة الأميركية الداعمة لها والاستفادة من المقاطعة العالمية للدولتين، بما يخص موضوع الاستباحات ودمار غزّة. سيوقظ هذا الخيار الإدارة الأميركية من غلوها في استعداء العالم لأجل دعم سياسات إدارة دولة العدو. العالم يقاطع بينما الدول العربية تُدوّر الزوايا مع الدولة الصهيونية، التي ترفض ممارساتها تدوير الزوايا تلك، وتنتهج سياسة فرض السيطرة الكاملة على المنطقة.
مشكلة العرب الحقيقية كانت في قبول الدولة الصهيونية من دون وضع اشتراطاتٍ عليها تخص استعادة الحقوق العربية
كما فعلت تركيا أخيراً بقطع العلاقات مع الدولة الصهيونية يجب أن تفعل الدول العربية. واستباحة قطر بشكلٍ كهذا هو استباحة لكل الدول العربية. اكتفاء الدول العربية بالتضامن مع قطر والتنديد بالعملية ضد قيادة حركة حماس، هو استكمال لسياسة هذه الدول بالسلام الإبراهيمي “الاستراتيجي” والتطبيع. اللحظة الراهنة، هي استكمال للحظة “7 أكتوبر”، التي بدأتها الدولة الصهيونية بتطويع كل المنطقة لصالحها “هيمنتها”. هذه هي سياسة الدولة الصهيونية، وهي ترفض كل أشكال السلام القائمة على الاعتراف بسيادة الدول، أو إيقاف الحرب على غزّة وسواها، وإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لاتفاقيات أوسلو والقرارات الدولية، وبالتالي، على الدول العربية إيقاف كامل سياساتها في الاعتراف بالدولة الصهيونية إلى أن تعترف الأخيرة بمسار سياسي للعلاقة مع الدولة العربية والإقرار بحق الفلسطينيين في تشكيل دولتهم.
مشكلة العرب الحقيقية كانت في قبول الدولة الصهيونية من دون وضع اشتراطاتٍ عليها تخص استعادة الحقوق العربية، كما أشير أعلاه، والاعتراف الكامل والمتبادل حينها. منذ اتفاقيات كامب ديفيد (1978) بدأ الخطأ، بدأت تلك السياسة الاستسلامية، واستغلتها الدولة الصهيونية لتعزيز كل أوجه الانقسام بين الدول العربية والاستفراد بها، حتى وصلت الاستهانة بها إلى عملية قطر.
تغيير السياسة العربية في مصلحة الأنظمة العربية قبل الشعوب التي ترفض تلك السياسة لهذه الأنظمة، وهو ما تقوله استطلاعات الرأي وبوضوح شديد، وتؤكد ما ذهب إليه هذا النص في الاعتراف بالحقوق أولاً. إنهاء أي علاقات مع الدولة الصهيونية هو المدخل الوحيد في هذه المرحلة نحو العودة إلى مفاوضات جادّة تعيد إلى العرب أراضيهم، وإلى الفلسطينيين حقهم في تشكيل دولتهم، وإيقاف استباحة سيادة الدول العربية، فهل تتجاوز الدول العربية بيانات التضامن مع قطر أو غزّة.
المصدر: العربي الجديد