
لم يكن اختيار توقيت اجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار “الميكانيزم” بالأمر العبثي، ولم تكن مشاركة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في هذا الاجتماع من دون عقدها لقاءات مع المسؤولين السياسيين بالصدفة، بل هناك مؤشرات كثيرة يمكن التقاطها. أولاً جاء الاجتماع بعد جلسة الحكومة التي تسلمت خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، وعليه فإن الاجتماع يأخذ صفة الدراسة العملانية لآلية التطبيق. ثانياً، يتم التأكيد على تفعيل عمل الميكانيزم بعدما اتخذت الحكومة قرارها، وهذا يعني أن مهمة اللجنة ستتركز في المرحلة المقبلة على مواصلة الضغوط لأجل استكمال الجيش اللبناني عملية انتشاره في جنوب الليطاني وسحب سلاح حزب الله بالكامل وتفكيك بناه العسكرية في تلك المنطقة. ولكن هنا لا يمكن إغفال موقف الجيش اللبناني والمدعوم أيضاً بموقف الفرنسيين الذين يعتبرون أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لنقاط عديدة في جنوب لبنان يؤخر عملية انتشار الجيش ويؤثر سلباً على مسار بسط سيطرته الكاملة على الأراضي اللبنانية.
ثالثاً، الإشارة الأبرز هي في حصر زيارة أورتاغوس إلى الجنوب والمشاركة بالاجتماع، ومن ثم القيام بجولة على الحدود والإطلالة على النقاط التي تحتلها إسرائيل. لم تشأ الموفدة الأميركية عقد لقاءات سياسية مع المسؤولين، وسط تفسيرات متعددة، بين من يعتبر أن عدم اللقاء مع السياسيين هو إشارة للعتب الأميركي على القرار الحكومي الأخير، والذي نظر إليه حزب الله بعين الرضا ما دام لم يلتزم بتكليف الجيش بدء تنفيذ خطة سحب السلاح أو بجدول زمني. وبين آخرين يؤكدون أن أورتاغوس أرادت أن تعطي الانطباع الجدي لعمل اللجنة، لا سيما أن القرار السياسي، بعد قرار الحكومة، قد اتخذ وأصبحت المسألة مرتبطة بالآلية التنفيذية، وهذه ستكون مهمة الجيش. يُذكر أن أورتاغوس ستتولى الإشراف على عمل لجنة المراقبة وتفعيلها لتحقيق ما قررته الحكومة.
في هذا الإطار، تشير مصادر متابعة إلى أن الجو الأميركي سيبقى ضاغطاً على لبنان لتحقيق مسار حصر السلاح، وأن واشنطن من خلال تفعيل عمل لجنة الميكانيزم، لن تسمح بإضاعة الوقت أو بعرقلة عملية سحب السلاح نتيجة تفسيرات متناقضة للقرار الحكومي الأخير. وتضيف المصادر أنه على الرغم من جو الارتياح الداخلي الذي ساد في لبنان بعد قرار الحكومة، وبعد التسوية التي اعتبر الجميع نفسه رابحاً فيها، فإن الضغوط ستتجدد في الأيام المقبلة، وخلال الفترة الممتدة من الآن وحتى نهاية أيلول الجاري، لزيادة نشاط الجيش اللبناني على خط سحب السلاح، وإذا كانت هناك ممطالة أو محاولات للتهرب من مواجهة هذا الاستحقاق، فحينذاك ستشتد الضغوط على لبنان.
هذا الضغط لا يمكن فصله عن مسار الضغوط الإسرائيلية أيضاً، خصوصاً أن تل أبيب ترفض حتى الآن تقديم أي تنازل لمصلحة لبنان. على مدى الأسابيع والأشهر الفائتة كان لبنان يطالب بتفعيل عمل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وتسجيل الكثير من الشكاوى لديها، لكن اللجنة لم تعد تجتمع، وقد صرّح أكثر من مسؤول أميركي، بمن فيهم الموفد توم باراك، بأن هذه الآلية فشلت في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. ولذلك هو قدّم ورقته في إطار تصويب مسار الاتفاق وكيفية تطبيقه. واليوم يتضح أن تفعيل عمل الميكانيزم يأتي بهدف الضغط على لبنان، وليس على إسرائيل لوقف الخروقات والانسحاب، ما يفسح في المجال أمام الجيش اللبناني الانتشار في النقاط التي يحتلها الجيش الإسرائيلي.
إلى جانب الضغط السياسي الاميركي، والضغط الداخلي الذي سيبقى قائماً، خصوصاً بعد قرار الحكومة بأن يقدم لها الجيش تقريراً دورياً شهرياً عمّا حققه على خط سحب السلاح، لا يمكن إغفال الضغط الإسرائيلي السياسي أو العسكري حتى، لا سيما بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي عن إنشاء قرية تحاكي البلدات اللبنانية لإجراء تدريبات عسكرية ومناورات فيها، ما يوحي كأن هذه التدريبات هدفها القيام بعملية توغل بري ضد لبنان مجدداً، لا سيما أن المناورات تحاكي قتالاً في مناطق صعبة تحتوي على غابات وأنفاق وبنى عسكرية تحت الأرض.
المصدر: المدن