
تحت رعاية مديرية الثقافة ومنتدى الكواكبي للحوار الثقافي بحلب أقيمت محاضرة أو ندوة حوارية بعنوان: (اللامركزية الإدارية) قدمها المحاضرين: الاستاذ محمد علي صايغ والاستاذ صهيب الآغا .
تناول الاستاذ محمد على صايغ تعريف اللامركزية الإدارية ، و ميزاتها والأسس التي تستند إليها ، ومعيار التفريق بينها وبين غيرها من اللامركزية ، واشكال اللامركزية المطروحة في سورية والفرق بين اللامركزية الإدارية وبين الفيدرالية و الكونفيدرالية وأشكال نشوء الفيدرالية ، وحالات حل التنازع على الاختصاص بين المركز والأطراف ، بينما تناول الاستاذ صهيب الٱغا موضوع اللامركزية من تجربته العملية في أمريكا إذ كان رئيس مجلس بلدي لمدة عشر سنوات وكان حديثه بأن في أمريكا لا يتناولون مسائل اللامركزي بخلفية نظرية أو أيديولوجية وإنما هم يركزون على الطابع العملي ومدى انعكاس اللامركزية على حياتهم ودورهم في صنع القرار ، كما تحدث عن تقاسم السلطات ، وعلى الشفافية دور القانون والإعلام الحر في محاسبة المسؤولين بأمريكا وعدم تدخل المركز بشؤون الأطراف إلا بما يتعلق بالأمن العام والاقتصاد والسياسة الخارجية ….
اليكم المحاضرة مكتوبة التي قدمها المحامي محمد علي صايغ .
اللامركزية الإدارية :
يختلف وجود وفاعلية اللامركزية الإدارية او الإدارة المحلية تبعاً لطبيعة وبنية المجتمع وتطوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي .. إذ تعتبر فاعلية الإدارة اللامركزية جزءاً من فاعلية وتركيبة أنظمة الحكم القائمة ، ويتسع دورها وأدائها وجوداً وعدماً وفقاً للنظام الذي تستظل به ، إن كان ديمقراطياً أو ديكتاتورياً .
تعريف اللامركزية الإدارية :
اسلوب إداري يهدف إلى توزيع السلطة والمسؤوليات بين مستويات مختلفة من الإدارة ( محافظات ، ولايات ) ، بدلاً من تركيزها بيد جهة واحدة ، أو مستوى إداري مركزي .
فللامركزية الإدارية نوع من التنظيم الإداري للدولة يقوم على نقل بعض الصلاحيات الإدارية من الدولة المركزية إلى وحدات محلية منتخبة مباشرة من الشعب ، ولذلك فإن اللامركزية الإدارية مرتبطة بمواضيع متعلقة بالنظام أو التنظيم الإداري ولا علاقة لها بالنظام السياسي للدولة ( الفيدرالية نظام سياسي ) ، وعلى ذلك فإن اللامركزية الإدارية تقوم على اعتراف السلطة المركزية بوجود مصالح محلية متمايزة عن المصالح العامة للدولة يجب مراعاتها
مميزات نظام اللامركزية الإدارية:
- توزيع السلطة: في اللامركزية الإدارية تتوزع السلطة على عدة مستويات، ولا تكون سلطة المركز وقراراتها هي العنصر الحاسم بدون منح الدور والصلاحيات للمحافظات .
٢- التمويل المحلي : أي عدم انتظار منح المركز أو عدم منحه الميزانية الخاصة بكل محافظة ، وانتظار المحافظة للتمويل من أجل تقديم الخدمات الخدمية والصحية والتعليمية … الخ
٣- زيادة الكفاءة وتنمية القدرات المحلية : مشاركة المواطنين في إدارة مناطقهم يؤدي إلى تراكم الخبرات وتحسين الكفاءة في تقديم الخدمات ، وإكساب المسؤولين المحليين القدرة على اتخاذ القرارات التي تتناسب مع احتياجات مناطقهم .
٤- تعزيز المشاركة: مشاركة المواطنين بتحمل أعباء تحسين الخدمات في محافظاتهم يعطيهم الحافز على المشاركة في عمليات صنع القرار، مما يعزز من الشفافية والمساءلة
٥- تحسين الاستجابة: يمكن للجهات المحلية الاستجابة بشكل أسرع للاحتياجات والمشكلات المحلية وخاصةً في الحالات الطارئة وفي الكوارث مقارنة ببطئ تجاوب الجهات المركزية.
٦- الإشراف من الحكومة المركزية يؤدي إلى ربط الخطط العامة في الدولة مع المحافظات ، ونقل تجارب المحافظات الناجحة إلى المحافظات الأخرى .
أسس اللامركزية الإدارية
تستند اللامركزية إلى ثلاثة أسس رئيسية :
1- التمتع بالشخصية المعنوية : أي أهليتها لتحمل المسؤولية وفق التفويض الممنوح لها من الحكومة المركزية ، وتتمتع بذمة مالية مستقلة ، ومركز قانوني يخولها للتقاضي أمام الغير .
2- ارتكازها الى مجالس منتخبة : لا توجد ادارة محلية بدون مجالس منتخبة ، يمارس من خلالها المنتخبين صلاحياتهم وفق القانون الذي يحدد مهام الادارة وآلية تنفيذ تلك المهام .
3- المجالس منتخبة وخاضعة للحكومة المركزية : ما يعني تبعية المجالس للسلطة المركزية التي تمتلك حق الاشراف والمراقبة لعمل الادارة المحلية وفق الأهداف والسياسات المعدة للقيام بمتطلبات الشأن المحلي .
معياري التفريق بين اللامركزية الإدارية وغيرها من أشكال اللامركزية :
لابد من معيار يحدد ويضبط اي صيغة للإدارة اللامركزية بحيث لا تنقلب إلى الفيدرالية تحت يافطة أشكال أخرى من اللامركزية ، ولا تتقزم إلى حد التماهي مع اللامركزية الادارية الشكلية كما كانت مطبقة في سورية قبل سقوط النظام السابق .
وهناك معيارين للإدارة اللامركزية إذا تم تجاوزهما تنقلب الإدارة حتما من اللامركزية مهما كانت تسميتها الى الفيدرالية أو الكونفيدرالية
اولاهما : إشراف ورقابة الحكومة المركزية سواء الرقابة مباشرة أو عن طريق جهاز رقابي مختص ( القانون يحدد حجم الاشراف والصلاحيات ) . وثانيهما : عدم امتلاك الادارة المحلية الصلاحيات التشريعية المستقلة عن السلطة التشريعية للدولة . ويتبع هذين المعيارين معيار مكمل هو وحدة التمثيل القانوني والدبلوماسي الدولي للدولة ( الخارجية ) ، والسلطة الواحدة للجيش في الدولة ، ووحدة السياسة الاقتصادية فيها …
وفيما عدا ذلك ، فإن اية عملية تنظيم وزيادة في صلاحيات السلطات المحلية تبقى مشروعة من أجل إشراك كافة شرائح وأطياف المجتمع السوري في توسيع حقوقه في المشاركة وصنع القرار في الدولة .
وللإشارة فإن الدول التي يتأسس نظامها على اللامركزية الإدارية منها : فرنسا ، اسبانيا ، السويد ، ومن الدول العربية : تونس ومصر
كما يجدر الإشارة أن سورية قبل سقوط النظام تأخذ باللامركزية الإدارية بما يعرف بالإدارة المحلية ، لكن اللامركزية الإدارية في سورية كانت شكلية ومشوهة ولا تقوم في التطبيق على أسس اللامركزية الإدارية ، فلا المجالس المحلية منتخبة بشكل حقيقي ونزيه وشفاف ، والذين يتبوؤن تلك المجالس معروفين ومحددين قبل الانتخابات . ولا المحافظ منتخب من محافظته وإنما يتم تعيينه من السلطة المركزية . كما أن ميزانية المحافظات يتم توزيعها بمزاجية من المركز على المحافظات وكل واردات المحافظات من ضرائب ورسوم وغير ذلك تذهب بكاملها إلى المركز إضافة إلى أعطاب كثيرة في قانون الإدارة المحلية رقم ١٠٧
أشكال اللامركزية المطروحة. اليوم في سورية
1- اللامركزية الإدارية الموسعة :
تعبير اللامركزية الموسعة انعكاس للجدل القائم في سورية حول حدود وصلاحيات اللامركزية الإدارية ، إذ يشكل تعبيرا عن حالة سياسية راهنة . كما أن الحدود والمساحة الفاصلة بين اللامركزية الموسعة وبين اللامركزية الإدارية غير واضحة ومحددة ويمكن أن يشكل التوسع غير المنضبط في معياري اللامركزية الإدارية إلى الجنوح في اللامركزية الموسعة نحو اللامركزية السياسية التي هي فعليا الفيدرالية في شكلها الإداري / السياسي إلا إذا كان توسيع الصلاحيات منضبط تحت معياري اللامركزية الادارية
2- اللامركزية الديمقراطية :
في سعي من بعض المكونات السورية للتخفيف من حدة مطالبتهم بالفيدرالية والمناورة السياسية عليها ، أعلنوا أنهم يتبنون نظام اللامركزية الديمقراطية وهو مفهوم ملتبس وغامض جداً ومفتوح على العديد من التأويلات والرهانات . ذلك لأن الديمقراطية مفهوم يتحدد عند التطبيق بنوعية نظام الحكم ، وبالتالي تتبع للنظام الدستوري وليس الإداري، إضافة إلى أن أنظمة الحكم الديمقراطية متعددة سواء في الدولة الموحدة أو الاتحادية .
والمشكلة في اللامركزية الديمقراطية اختلاف النظرة والموقف وزاوية النظر من شخص لآخر ، وحسب مايريد ويرغب كل شخص منها . كما تختلف الرؤية لمساحة تطبيقها حسب المصلحة ومصادر القوة التي يمتلكها في توسيع المساحة التي قد تصل الى التقاطع مع الفيدرالية وفرضها .
3- الإدارة الذاتية :
في شمال شرق سورية شاع الحديث عن الإدارة الذاتية من القوى النافذة والمتحكمة في تلك المناطق عقب الثورة السورية الحديثة ..
فإذا كانوا يقصدون الإدارة الذاتية كمصطلح شكلاً ومضموناً فإن الإدارة الذاتية تصنف ضمن اللامركزية الإدارية وتتبع القانون الإداري ، ذلك لأنه هناك فرق كبير بين الإدارة الذاتية والحكم الذاتي ، إذ الحكم الذاتي أوسع حتى من الفيدرالية ، لامتلاك جيش مستقل عن الدولة ، واقتصاد يتم إدارته بعيد عن اقتصاد الدولة ، وعلاقات دبلوماسية لا تنضبط ضمن عمل وزارة الخارجية للدولة ووجود سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية منفصلة تماماً عن سلطات الدولة الأم .
4- اللامركزية السياسية :
تختلف اللامركزية الادارية عن اللامركزية السياسية في أن الأخيرة مرتبطة بشكل الدولة السياسي وطبيعة النظام السياسي فيها ، وتندرج تحت موضوعات القانون الدستوري والنظم السياسية وليس القانون الاداري ، اذ ان تغيير شكل الدولة السياسي يتم بتغيير دستوري وليس قانوني ، بمعنى أن تتوزع فيها الوظيفة السياسية ( السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ) وليس الادارية فقط بين المركز والمحافظات أوالولايات . ولذلك فإن اللامركزية السياسية لا تجد تطبيقاً لها إلا في الدول الفيدرالية او الكونفيدرالية .
وللتمييز بين الفيدرالية و الكونفيدرالية نجد أن الاتحاد اللامركزي الكونفيدرالية يقوم على تجمع عدة دول بموجب معاهدة أو اتفاق دولي لتحقيق مصالح مشتركة اقتصادية أو دفاعية او ثقافية .. او مجمل هذه المصالح للدول الداخلة فيه . وتحتفظ كل دولة بسيادتها الداخلية والخارجية ويتولى التنسيق بين دول الاتحاد هيئة ( جمعية او مؤتمر ) تضم مندوبين عن الدول الاعضاء . ومثال هذا النوع من الاتحاد ( الاتحاد الأوربي ) .
في حين أن النظام اللامركزي الفيدرالي
هو اتحاد أو اندماج عدة دول أو دويلات في دولة جديدة ، بحيث تفقد الدول الأعضاء شخصيتها الدولية وتنشأ شخصية دولية جديدة تتمتع وحدها بكافة مظاهر السيادة الخارجية ، وتتقاسم الاختصاصات الداخلية مع الدويلات الأعضاء .
وينشأ الاتحاد الفيدرالي بأحد طريقين :
١- الفيدرالية بالاندماج :
وذلك باندماج عدة دول مستقلة في دولة الاتحاد . إما لتوسيع المجال الاقتصادي او لأسباب تاريخية اجتماعية او بسبب فرض الاتحاد من دول اخرى ( الاتحاد الالماني ) عقب الحرب العالمية الثانية او التحول من الكونفيدرالية الى الفيدرالية كما في ( الولايات الامريكية ) بعد استقلالها عن المستعمرات البريطانية . وعادة تكون صلاحيات الأطراف أوسع من صلاحيات المركز في هذا النموذج
٢- الفيدرالية بالتفكك :
إذ تكون الدولة بالاصل موحدة ، لكنها تتعرض لظروف سياسية أو اقتصادية أو جغرافية ، فتتحول الدولة الى الاتحاد الفيدرالي خشية من تفكك الدولة إلى عدة دول .
فقد يكون التفكك من دولة واحدة بسيطة إلى نظام فيدرالي كوسيلة لإدارة الدولة ذات الرقعة الجغرافية الواسعة وعجز السلطة المركزية عن إدارتها بكفاءة مثل الهند وباكستان وروسيا ، وقد يكون التحول إلى النظام الفيدرالي ناتج عن انتقال النظام السياسي من نظام الى ٱخر كما حدث في البرازيل عندما سقط النظام الملكي وتحول الدولة إلى نظام فيدرالي ، أو قد يكون السبب صراع على الحدود بين دولة وأخرى كما في المكسيك حينما بدأت بعض الولايات الحدودية بالمكسيك تتأرجح بين بقائها في المكسيك وبين اندماجها بأمريكا ، وكان الحل بتوسيع الصلاحيات الولايات وفق النظام الفيدرالي ، أو يكون الاندماج بأوامر سلطة إحتلال خارجي كما في فنزويلا حينما فرض الاحتلال الاسباني النظام الفيدرالي في فنزويلا .. وللمفارقة فإن اسبانيا تتبع نظام اللامركزية الإدارية لكنها فرضت الكونفيدرالية على فنزويلا .. وعادة في هذا النموذج فإن صلاحيات المركز أوسع من صلاحيات الأطراف ،
اتجاهات حل التنازع على الصلاحيات بين المركز والأقاليم :
قلنا بأن الاتحاد الفيدرالي ينشىء دولة عبر الولايات المكونة له ، تمارس الاختصاصات الدستورية في التشريع والتنفيذ والقضاء . وايضا للولايات هيئات محلية تشريعية وتنفيذية وقضائية تمارس اختصاصاتها ضمن حدود الولاية الواحدة . وقد اتبعت الدول عدة طرق لحل إشكالية الاختصاصات بين المركز والاطراف تبعا لتوسيع او تقليص صلاحيات الاتحاد او الولايات وفي سبيل حل هذا الإشكال في كلتا الحالتين هناك ثلاثة اتجاهات :
1- تحديد صلاحيات الاتحاد على سبيل الحصر دستوريا وترك مالا يدخل في اختصاص الاتحاد ضمن اختصاص الولايات . وهذا يؤدي الى توسيع اختصاصات الولايات ، لان المشرع مهما وسع من صلاحيات الاتحاد فإن المسائل المستجدة العديدة ستدخل في صلاحية الولايات بفعل تغير الظروف . وهذا النمةذج مطبق في ألمانيا الاتحادية وأمريكا .
2- تحديد صلاحيات الولايات دستوريا على سبيل الحصر وترك باقي الصلاحيات للاتحاد . مما يؤدي إلى توسيع صلاحيات الاتحاد على حساب الولايات. وهذا ماجرى عليه الدستور الكندي والفنزويلي .
3- الجمع بين الاتجاهين السابقين حيث يتم تحديد صلاحيات الاتحاد والولايات كلاهما على سبيل الحصر ، وعند حصول تغيير او طارئ ظرفي يفرض اختصاصا جديدا فيمكن اللجوء الى المؤسسات الحاكمة لتحديد تبعية هذا الاختصاص قرباً أو بعداً من اختصاص الاتحاد والولايات ، وعند الاختلاف في عائدية أي اختصاص يحال الى البرلمان للبت فيه . ونتيجة التعقيد في حصر الاختصاصات الواسعة جدا في الدول فإن هذا النموذج من المتعذر تطبيقه ، ولا توجد أي دولة على حسب علمي تطبقه . وبكل الأحوال فقد نجح الاتحاد الفيدرالي في بعض الدول ، وفشل في دول اخرى وكان سببا في مأساة ومعاناة شعوب هذه الدول كما في يوغسلافيا السابقة .
وختاما أقول بأن سورية بعد استبداد أكثر من 60 عاماً ، ومضي ما يقارب 14 عاما على الثورة السورية وما رافقها من صراعات وحروب داخلية وتدخلات خارجية ودمار وتدمير في البنى التحتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية .. فإن النظام الإداري الأصلح في سورية في رأيي هو نظام اللامركزية الإدارية ، وهذا يتطلب بدايةً قبل تطبيق أي نظام لامركزي التفاف السوريين حول عقد اجتماعي جديد ، يؤسس لدستور جديد ، فالفيدرالية التي تفرض بالقوة وبالاستعانة بالأجنبي ليست إصلاح إداري الدولة إنها فرض لتقسيم سورية ، والفيدرالية أيضاً التي تقوم على أساس عرقي أو مذهبي طائفي ليست إصلاحاً إدارياً وإنما دفعاً للدخول في صراعات وحروب دموية بين الأقليات والمجتمع السوري لا يعرف مداها ومنتهاها ، ولا بد من القول بأن شكل الحكم في الدولة السورية الجديدة يحدده السوريون بكل قواهم المجتمعية والسياسية والمدنية ارتكازاً على إجماع وطني على دستور ناظم لحياة بلدنا ، يؤسس لنظام ديمقراطي تداولي يقوم على أساس المواطنة المتساوية بين جميع السوريين .