
في أغلب بلاد العرب ولا سيما في المشرق العربي؛ مشكلات وتحديات متشابكة. منها ما هو محلي اجتماعي سياسي واقتصادي. ومنها ما ينتج عن التدخلات الإقليمية والدولية المعادية للعرب أو الطامعة بأرضهم ومقدراتهم..حتى تلك ذات الطابع المحلي – الوطني – فهي غالبا ناتجة عن التدخل الأجنبي وما يفرضه من أدوات محلية تحقق له اهدافه ومصالحه..الأمر الذي ينتج سلطات فاسدة مرتهنة للنفوذ الأجنبي ..المحصلة مزيد من التدهور العام والتفكك الإجتماعي..ولقد بلغ تأثير النفوذ الأجنبي وغزوه للعقول أن بات البلد الواحد يعاني من مشكلات ضخمة ووضع معقد الأمر الذي يجعله يحتاج حلولا مركبة غير مبسطة..فضلا عن الوهم السائد لدى الكثيرين من أصحاب السلطان والنفوذ ، ومؤداه أن كل بلده يحل مشاكله بمفرده..وهذا أول لبنة في نسف مقومات الأمن العربي الشامل والأمن الوطني الخاص بكل بلد لوحده..
لقد بات من الصعوبة بمكان التواصل بين أبناء كل بلد مع الآخر..وتراجعت كثيرا القضايا التي كانت تجمعهم..الأمر الذي أضعف الجميع ويتركهم فرائس للنفوذ الأجنبي وادواته الإقليمية..وهذا يضعف مناعة الجميع وقدرتهم على مقاومة الأجنبي والفساد والتفكك وجميعهم حلفاء بعض بإدراك أو بغيره..وتبقى قضية فلسطين هي الجامع الأكبر لكل الأحرار الرافضين للهيمنة الأجنبية : غربية وإقليمية ومحلية مرتهنة تابعة..
نعلم جميعا أن المشروع الصهيوني يستهدف الوجود العربي ذاته.فصراعنا ضده صراع على الوجود إما نحن وإما هو..ونعلم أن إغتصاب فلسطين كان مقدمة لمنع تحرر ووحدة وتقدم ألأمة العربية..ليست فلسطين لذاتها فقط بل كنواة لمملكة بني صهيون من الفرات إلى النيل..
النظام العالمي الغربي الرأسمالي هو الذي أنشا دولة الكيان الصهيوني لتكون قاعدته العسكرية وذراعه المتقدمة لمحاربة العرب حربا حضارية وجودية شاملة..
في هذه المرحلة البالغة الحساسية والتعقيد من عمر وطننا العربي ، وحيث الهيمنة الإمبريالية العالمية في ذروتها ؛ وحيث السيادة تكاد تتوج لدولة العدو ؛ وحيث تغيب عن ساحات العمل والنضال مؤسسات شعبية جماهيرية ذات بعد قومي عملاني ؛ وحيث أن النظام الرسمي العربي تخلى تماما عن أية إلتزامات حقيقية تجاه مصير أمتنا وأمنها القومي متفرغا لهمومه ومشاكله المحلية على قاعدة التجزئة الشاملة لكل القضايا والتحديات ؛ فإن مسؤوليات كبيرة تقع على عاتق كل وطني عروبي تحرري يرى في نفسه قدرة على رفض الهيمنة الإمبريالية ومقاومتها بما أتيح له ؛ ورفض التسيد الصهيوني ومقاومته بكل الوسائل ومقاومة الإحتلال الإسرائيلي للأرض العربية ؛ وهي مقاومة واجبة وممكنة ومثمرة أيضا..وهي في ذات الوقت مقاومة وطنية لكل ما يمنع تحرر وتقدم اي بلد عربي يعاني تحديات الاحتلال او الهيمنة او الفساد..
ولما كانت الحرب الإمبريالية – الصهيونية على الوجود العربي ؛ حربا وجودية حضارية شاملة وليست مجرد حرب أو عدوان عسكري فقط ؛ فإن أية مقاومة لتلك الحرب ينبغي أن تكون شاملة أيضا تلامس جوهر قضايا الوجود القومي وخصائص الأمة وقيمها وثقافتها وتاريخها صونا لمستقبلها ومصيرها الواحد..إن كل عمل فكري وثقافي وإجتماعي يرى الأمور ويعالجها من منطلقات وحدة الوجود العربي الذي يعني وحدة المصير العربي ؛ هو مقاومة ينبغي أن تستمر وتتصاعد وتتبلور أكثر فأكثر وتتوسع لتشمل كافة ميادين الحياة..ما يخص البلد المفرد أو المجموع بكليته..
إن التضحيات العظيمة لشعب فلسطين العربي ومقاومته المدنية الشاملة ، وتلك المسلحة , للإحتلال ومشاريعه ؛ إنما تشكل الأساس الجوهري لأية مقاومة حضارية عربية يتقدم إليها أي عربي حر شريف..
إن فلسطين جوهر الصراع ومحوره الأساس وعنوان مستقبله وتحدياته..وعلى أرضها تسطر أروع ملاحم البطولة والفداء..وعلى أساس من ذلك الفداء سوف تتحرر الإرادة العربية ومعها إرادات شعبية إنسانية عالمية هامة ومتعاظمة..إلى أن تصبح فلسطين قضية أحرار العالم وشرفائه وليست فقط قضية العرب الأحرار المتمسكين بتحرير أرضهم وبناء مستقبلهم المتحرر الموحد المتقدم..
بناء على هذا كله ؛ يصبح من العار على كل عربي حر شريف ؛ أن يبقى متفرجا على مجريات الصراع أو محللا منتظرا هامشيا في أحسن الأحوال..إنما الواجب الملح أن ندخل في حساب الزمن وما يحمل من متغيرات عالمية إيجابية فعالة لا تجد لها – حتى الآن – أصداء ذات فعالية ، متجاوبة مقدرة متعاونة معها مرحبة بها وقادرة على توظيفها لصالح فلسطين وتحريرها..الواجب الملح أن يدخل كل عربي حر في حسابات القوة العربية الشعبية ؛ قوة الوعي بما يجري ؛ قوة الرؤية والعمل المتناسق المتكامل ؛ قوة مقاومة كل أشكال الهيمنة على العقول والوعي والنفوس والسلوك والقيم..قوة مكافحة اخطر أنواع الإستلاب والتزييف والخداع التي يتعرض لها العقل العربي..قوة كشف ومواجهة أخطر حرب ثقافية وإجتماعية تحمل بذور الفتنة والشرذمة وتفكيك المجتمع بدءا من الأسرة وصولا إلى تفكيك الإنسان ذاته..آن لكل عربي حر شريف أن يدخل في حسابات صنع المستقبل بديلا عن إنتظارية قاتلة وسلبية مدمرة..يكفي هدر الطاقات العربية ونزيفها المعيق المخرب ..يكفي الإنتظار..يكفي سلبية وشرذمة ..آن أن يسقط العقل الفئوي بعد أن عجز عن التقدم والعطاء فبات عائقا معيقا لأية محاولة للتحرر والمشاركة الفعالة..آن أن نعيد أنفسنا إلى دائرة الفعل النضالي المقاوم..
فهل من يقدر منا على تجاوز ذاته لينخرط في عمل تعاوني إيجابي فعال عنوانه
” المقاومة الحضارية الشاملة ” ورايته وحدة الهدف فوق أي إعتبار ومنطلقه وحدة المصير ..
أن نعيد إدخال طاقاتنا الإيجابية المشتتة في سياق نضالي كفاحي توحيدي جامع ؛ فذلك ما يوفر لنا قوة الفعل والتأثير ويوفر علينا خسائر القعود والسلبية والإنتظار..وهي خسائر ضخمة تفوق بأزمان وأضعاف كل تضحيات العمل الإيجابي المثمر ومفاعيله..
فلتكن فلسطين رايتنا وقضيتنا ومحور عملنا وتوجهاتنا..
ولتتشكل قوة عمل موحدة تتمحور حول فلسطين وكل ما يتصل بها من أشكال الجهاد والفداء والمقاومة الشاملة..قوة عمل شعبية تتكامل فيها الجهود الحرة والطاقات الشريفة المتحررة من أية ولاءات خارجية عقائدية أو دينية أو سياسية..
فليبقى كل في مكانه وفي عمله وتوجهاته المحلية الخاصة..فقط فلنرتق إلى إعطاء فلسطين ما تستحقه من جهد وما تستلزمه من رؤية موحدة ومقاومة منسقة ووسائل عملية مثمرة..
إن تغيير الوقائع يمكن أن يبدأ من صغار الأمور صعودا حتى كبارها..
التحديات كبيرة جدا والإمكانيات قليلة والفيصل بينهما ذلك النوع من الإرادة الإنسانية العظيمة التي تستصغر الأمور العظائم بعزيمتها القوية وإصرارها على التحقيق والإنجاز..
إننا نملك من مصادر القوة البشرية ما هو كثير..لكنها معطلة بالتشرذم والسلبية والفئوية..
آن لنا ووجب علينا بإلحاح فاعل ؛ تفعيلها بالتوحيد والتعاون والتكامل ..
إن تنسيقا نضاليا بين القوى الوطنية الشعبية في أقطار المشرق العربي بات أكثر من ضرورة ملحة لمنع مزيد من التدهور ومواجهة الأخطار المتعاظمة ونتائجها المجتمعية الكارثية على أكثر من صعيد..
المصدر: كل العرب