
الاحتلال قصف خيمة للصحافيين قرب مجمع الشفاء في غزة
الغارة الإسرائيلية أسفرت كذلك عن استشهاد 3 مصورين صحافيين
استشهاد 238 صحافياً وإصابة نحو 400 منذ بدء 7 أكتوبر 2023
اغتال الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأحد، خمسة من صحافيي قناة الجزيرة في غارة إسرائيلية استهدفت خيمة للصحافيين قرب مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة. والشهداء هم المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومساعد المصور محمد نوفل، والصحافي في منصة ساحات محمد الخالدي، الذي استشهد صباح اليوم متأثراً بجراحه. وقد استهدفت الغارة منطقة معروفة بأنها مركز للنشاط الإعلامي الميداني في المدينة، حيث كان الصحافيون يتابعون التطورات الميدانية في ظل القصف الإسرائيلي المكثف.
جيش الاحتلال أقر رسمياً بتنفيذ الغارة، لكنه برر استهداف الشريف باتهامه بأنه “إرهابي” و”قائد خلية في حركة حماس” و”ينتحل صفة صحافي”، وزعم أنه كان مسؤولاً عن “هجمات صاروخية على المدنيين الإسرائيليين”. هذه الاتهامات، التي لم يقدم الجيش أي أدلة ملموسة لدعمها، رُفضت من قبل قناة الجزيرة ومنظمات حماية الصحافيين التي وصفتها بأنها ذريعة لتبرير اغتيال أنس الشريف.
توقيت العملية جاء بعد ساعات من مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عرض فيه خطته العسكرية للسيطرة على ما تبقى من مدينة غزة والمخيمات الوسطى، تمهيداً لاحتلال القطاع بالكامل. بينما رأى مراقبون فلسطينيون وصحافيون أن استهداف خيمة الصحافيين في هذا التوقيت يعكس نية إسرائيل القضاء على ما تبقى من الأصوات الميدانية التي تنقل وقائع الحرب للعالم.
أنس الشريف
ولد أنس الشريف في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1996 في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة. نشأ في بيئة فقيرة ومكتظة، وعاش طفولته تحت وطأة الحروب الإسرائيلية المتكررة. تلقى تعليمه في مدارس الأونروا ومدارس وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، قبل أن يلتحق عام 2014 بجامعة الأقصى لدراسة الإذاعة والتلفزيون، وتخرج عام 2018.
بدأ الشريف مسيرته الإعلامية متطوعاً في شبكة الشمال الإعلامية، حيث اكتسب خبرة ميدانية في التصوير وإعداد التقارير، ثم انتقل إلى العمل مراسلاً لقناة الجزيرة في غزة. خلال سنوات الحصار، تبنى نهج التغطية المباشرة من قلب الحدث غير آبه بالمخاطر. تمركز في شمال القطاع ووسط مدينة غزة، ووثق بالصوت والصورة مشاهد الدمار والمجاعة التي اجتاحت المنطقة، خصوصاً في فترات انقطاع الكهرباء والاتصالات، حيث كان يضطر لتسلق أسطح المباني بحثاً عن إشارة إنترنت لبث التقارير.
تغطياته تضمنت مشاهد لأطفال يصرخون من الجوع، وأمهات يفتشن بين الركام عن الطعام، ومدارس تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين وسط ظروف صحية قاسية. قال في أحد تقاريره: “أكثر ما يؤلم هنا ليس القصف وحده، بل أن ترى طفلاً ينام وهو يبكي جوعاً لأنه لم يجد وجبة واحدة طوال اليوم”. وفي 2024، حصل على جائزة “المدافع عن حقوق الإنسان” من منظمة العفو الدولية في أستراليا تقديراً لشجاعته في توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية.
وفي وصيته الأخيرة التي نشرت عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ساعات، قال الشريف: “إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي. بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة (المجدل) لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ… أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم. أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران. أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة. أُوصيكم بأهلي خيرًا…”.
التحريض الإسرائيلي على أنس الشريف
وتعرض الشريف خلال الأشهر الماضية لحملات تحريض متكررة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، قادها المتحدث العسكري للإعلام العربي أفيخاي أدرعي. منذ يوليو/تموز 2024، نشر أدرعي مقاطع فيديو عدة اتهم فيها الشريف بالانتماء لكتائب القسام منذ 2013، وبأنه يستخدم عمله الصحافي للتغطية على “أنشطة إرهابية”، كما بث لقطات لبكائه أثناء تغطيته لمجاعة غزة، واصفاً إياها بـ”دموع التماسيح” وبأنها “جزء من دعاية حماس”.
في يوليو/تموز 2025، أصدرت لجنة حماية الصحافيين بياناً حذرت فيه من أن هذه الاتهامات تمثل “محاولة لصناعة قبول عام لاغتياله”. المديرة الإقليمية للجنة سارة القضاة قالت إن “النمط الذي تنتهجه إسرائيل في وصف الصحافيين بأنهم مسلحون، من دون تقديم أدلة، يثير تساؤلات خطيرة حول احترامها لحرية الصحافة”.
الشريف رد على هذه الحملات بقوله: “أنا صحافي بلا انتماءات سياسية. مهمتي الوحيدة نقل الحقيقة من أرض الواقع كما هي، دون تحيز. الاحتلال يريد اغتيالي معنوياً تمهيداً لاغتيالي جسدياً”.
ردات فعل على اغتيال الشريف وقريقع
قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن الاستهداف المتعمّد للصحافيين لا يحجب الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، معتبراً أن هذا الاستهداف يثبت أن الجرائم في القطاع تفوق التصوّر وسط عجز دولي عن وقف المأساة.
كما أدانت نقابة الصحافيين الفلسطينيين عملية اغتيال الصحافيين في غزة، ووصفتها بأنها “جريمة بشعة” و”استهداف مقصود لإسكات الحقيقة”. المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قال إن العملية تمت “مع سبق الإصرار والترصد” وهي جزء من خطة لتغطية “المذابح الماضية والقادمة”.
شبكة الجزيرة أصدرت بياناً حملت فيه الجيش الإسرائيلي والحكومة المسؤولية الكاملة، واعتبرت الاغتيال “هجوماً متعمداً على حرية الصحافة”. المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان اعتبرت أن اتهام الصحافيين بالإرهاب هو “استراتيجية لقمع الحقيقة”، ودعت إلى محاسبة المسؤولين.
من جهتها، نددت منظمة “مراسلون بلا حدود” اليوم “بشدة وغضب بالاغتيال المُقرّ به” لأنس الشريف، الذي استشهد مع 5 صحافيين آخرين. وقالت المنظمة المدافعة عن الصحافة، في بيان، إن “أنس الشريف، أحد أشهر الصحافيين في قطاع غزة، كان صوت المعاناة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة”، داعيةً إلى “تحرّك حازم من الأسرة الدولية لوقف الجيش الإسرائيلي”.
كذلك، استنكرت لجنة حماية الصحافيين قتل المراسلين الفلسطينيين، وقالت المديرة التنفيذية للجنة، جودي غينسبرغ، لوكالة فرانس برس: “الصحافيون مدنيون. يجب ألّا يُستهدفوا أبداً في الحروب، واستهدافهم يرقى إلى جريمة حرب”، كما أدانت منظمة العفو الدولية اغتيال أنس الشريف وزملاءه، معتبرةً أنهم كانوا “عيون وصوت غزة”، وأضافت: “رغم تجويعهم وإرهاقهم والتهديد بقتلهم، ورغم ألمهم الكبير، استمرّوا في مراسلتهم الشجاعة من الخطوط الأمامية”.
وصدرت إدانات للجريمة الإسرائيلية من عددٍ من نقابات الصحافة في دول عربية عدّة. ورأت نقابة الصحافيين المصريين في الاستهداف “حلقة جديدة في سلسلة الجرائم ضدّ الصحافيين”، وطالبت بإجراء “محاكمة عاجلة لمجرمي الحرب الصهاينة ومطاردتهم دولياً”، فيما اعتبرت نقابة الصحافيين التونسيين عملية الاغتيال “سابقة لم يعرفها تاريخ الصحافة في العالم”، كما دعت “لبدء تحقيقات دولية فورية في قضايا استهداف الصحافيين الفلسطينيين، بما في ذلك تصنيف هذه الأعمال جرائمَ حرب وتقديم مرتكبيها إلى العدالة الدولية”.
واستنكرت نقابة محرّري الصحافة اللبنانية الجريمة، مشيرةً إلى أن “ما حصل اليوم يدل بصورة لا تقبل الجدل، أنّ إسرائيل قوة غاشمة لا تقيم وزناً للمواثيق والأعراف الدولية التي تفرض على المتنازعين عدم التعرض للصحافيين والإعلاميين في أزمنة الحروب”.
استهداف الصحافيين في المستشفيات
منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثف الجيش الإسرائيلي استهدافه لخيم الصحافيين الموجودة في باحات المستشفيات، حتى أنه اغتال صحافيين داخل المستشفيات أثناء تلقيهم العلاج.
فقد سبق أن قصفت طائرة مسيّرة إسرائيلية في شهر يونيو/ حزيران الماضي ساحة المستشفى المعمداني بمدينة غزة، ما أدى لاستشهاد المصورَين احمد قلجة (متعاون مع التلفزيون العربي)، وإسماعيل بدح وسليمان حجاج (قناة فلسطين اليوم)، والمحرّر سمير الرفاعي (وكالة شمس نيوز)، وإصابة مراسل قناة فلسطين اليوم عماد دلول بجراح خطيرة، ومراسل التلفزيون العربي إسلام بدر بجراح طفيفة.
هذا النمط تكرر مرات عدّة أبرزها:
- 13 مايو/أيار 2024: اغتيال حسن اصليح داخل مجمع ناصر الطبي أثناء تلقيه العلاج.
- إبريل/نيسان 2024: استشهاد أحمد منصور وحلمي الفقعاوي قرب مستشفى ناصر.
- ديسمبر/كانون الأول 2023: مقتل خمسة صحافيين أمام مستشفى العودة في النصيرات.
- نوفمبر/تشرين الثاني 2023: استشهاد هيثم حرارة عند مدخل مجمع الشفاء الطبي.
الحصار الإعلامي الإسرائيلي على غزة
ويفرض الاحتلال حصاراً إعلامياً كاملاً على غزة منذ بداية العدوان، مانعاً دخول معظم الصحافيين الأجانب باستثناء قلة تحت إشراف عسكري مباشر. هذا الوضع دفع 129 مؤسسة إعلامية وصحافية وحقوقية، بينها “العربي الجديد” ووكالات كبرى مثل “فرانس برس” و”أسوشييتد برس” و”بي بي سي”، لتوجيه رسالة مفتوحة تطالب بالسماح بدخول “فوري وغير مقيد” للصحافيين الدوليين، وحماية الصحافيين المحليين الذين يواصلون عملهم تحت الحصار.
وإلى جانب منع دخول الصحافيين الأجانب، فإن الاحتلال يضيّق على التغطية، من خلال قتل الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل متكرر وممنهج، ليصبح عدد الصحافيين الشهداء في غزة هو الأعلى في تاريخ الحروب الحديثة، بحسب بيانات المنظمات الحقوقية الدولية.
نمط ممنهج
وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قُتل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما لا يقل عن 238 صحافياً، وأصيب نحو 400، واعتُقل 40، ودُمّرت غالبية المقرات الإعلامية، وأُجبرت الإذاعات المحلية على الإغلاق. منظمات مثل “مراسلون بلا حدود” و”لجنة حماية الصحافيين” أكدت أن إسرائيل تتبع سياسة ممنهجة لاتهام الصحافيين بالانتماء لجماعات مسلحة لتبرير استهدافهم، كما حدث مع عدة مراسلين لقناة الجزيرة وغيرهم.
المصدر: العربي الجديد
الحرب المتوحشة القذرة التي تشنها قوات الإحتلال الصhيوني على شعبنا في غZة أصبحت بنهاية عامها الثاني، مرتكبة أبشع الجرائم والإبادة الجماعية ، أخيراً تقصف خيمة للصحافيين قرب مجمع الشفاء في غزة، لتسفر عن استشهاد 3 مصورين صحافيين مع الصحفيين “أنس الشريف” و “محمد قريقع” لينضافو الى كوكبة الصحفيين الـ 238 منذ 7 أكتوبر 2023، الله يرحمهم ويتقبلهم من الشهداء .