هــــل حــســـــــــــم مــــصـــيــــــر الاســـــــد فــــي الــدوحـــــــة .. ؟!

محمد خليفة

معلومات وقرائن وافرة تدل أن بشار الاسد سيغادر المسرح الدولي في القريب العاجل , وأن المخرجين الكبار أنهوا دوره وحسموا أمره . فهذا الولد المعتوه حسب وصف بوتين قبل ثلاث سنوات اقترف جرائم وحشية تجعل الكل يخجلون من العلاقة معه , ويضغط عليهم لسحبه من المشهد الدولي .
اجتماعات الدوحة قبل ايام بين عرب الخليج والوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف ليست استثناء بل هي ذروة الاجتماعات التي تسعى لانضاج طبخة إخراج الاسد .
كيري كرر في الدوحة ما أصبح ( لازمة ثابتة ) في الخطاب الأميركي: بشار الاسد ونظامه فقدا الشرعية منذ وقت طويل .
لافروف تخلى عن دور “محامي الشيطان” منذ مدة , ويبدو أنه صار يحب زيارة الرياض والدوحة أكثر من دمشق التي زارها آخر مرة عام 2012 . ومع أنه لم يتبن علانية موقفا حاسما , فإن مسؤولين روسا آخرين أكدوا تكرارا عدم تمسكهم بالاسد .
كيري نقل هذا عن بوتين منذ ثلاثة شهور , والرئيس التركي نقله قبل شهر, والدوائر السعودية أكدت حصول هذا التطور الجديد , وأن لها دورا فيه . والمبعوث الدولي ستيفان ديمستورا أكده لأكثر من طرف سوري معارض .
 إذا ثمة إتفاق – إن لم نقل اجماع – تحقق مؤخرا على أن مصير الاسد قد حسم في دوائر صنع القرار الكبرى .
 ولا بد من توضيح أن هذا التحول هو  إنجاز للثوار السوريين وليس للأطراف الدولية , وخاصة بعد نجاحهم في تحرير معظم سوريا وهزيمة فلول الجيش العلوي .
وبالطبع فهذا التطور ليس (منة ولا حسنة) من واشنطن وموسكو ولم يحدث بناء لأسباب اخلاقية ومبدئية , ولا هو كرمى لعيون الغالبية السورية  المعذبة التي بحت أصواتها وهي تهتف : الشعب يريد اسقاط النظام , بل هو تطور واستحقاق فرضه الثوار ودفعوا ثمنه بحرا من الدماء الغالية , فاضطرت الدول الكبرى للاعتراف به نتيجة حسابات براغماتية ومكيافيلية حصرا , أولها اقتراب الخطر من (الطائفة الكريمة) التي تورطت في ذبح شعبها ووقفت مع الطاغية إلى نهاية المذبحة , والخوف عليها من الانتقام , وثانيها يقينهم أن الاسد لن يستطيع البقاء في السلطة بعدما استنفد كل الفرص لاخماد الثورة ولم يتمكن , ولو نجح لصفقوا له وتوجوه بطلا للممانعة في العالم (!) .. فهو عالم منافق وبلا مبادىء !
الخطوة التالية المنطقية للتفاهم الدولي السابق هي إيجاد آليات تنفيذه , والبحث في مسائل عدة : كيف سيمكن إخراج الاسد من السلطة أولا, وهو يتمسك بها تمسك الروح بالجسد ..؟, ثم كيف يمكن إخراجه من سوريا ..؟, وإلى اين يخرج .؟ , وهل يحاسب كما حوسب ميلوسيفيتش أم لا يحاسب ..؟ وهذه الامور ليست بسيطة , فالأغلب وقياسا على امثلة تاريخية كثيرة لن يرحب به أحد من حلفائه السابقين في بلاده , ولن يكون أغلى على قلب موسكو أكثر مما كان شاه ايران على قلب واشنطن بعد سقوطه  !
بدر جاموس الامين العام السابق للائتلاف السوري كشف قبل اسابيع أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف طالب الائتلاف اثناء لقاء رسمي التفكير في مكان آمن (يلجأ اليه الاسد) في حال تخليه عن السلطة , فهل لدى الروس مشكلة في ايجاد مكان لإيواء بشار أم هو تسريب رسمي لهم بحصول تغير في موقف موسكو .؟! وهل وصلت الأمور  عندهم الى هذه النقطة ..؟!
نعم وصلت, والبحث الآن في كواليس العواصم الكبرى يدور في كيفية إخراجه من السلطة , وكيف يكون مصيره .
الروس والأميركيون متفقون على رفض الحل العسكري , لأنهم يعتقدون أن إسقاط الاسد بقوة السلاح سيضع دمشق تحت رحمة الفصائل المسلحة  المتناحرة وغير الموثوقة والتي يخشى أن تكرر سيناريو اجتياح الفصائل الافغانية لكابول , ولذلك يتعاونون مع أطراف عربية وسورية لمنع تحرير دمشق بالقوة . ويخططون لنهاية معدة سلفا للصراع في سوريا لكي ينهار (النظام) دون أن تنهار (الدولة) فيتكرر سيناريو سقوط بغداد بعد الغزو الامريكي ثم الايراني , ويفضلون نهاية أكثر امانا .
الروس والامريكيون يجدون في (جنيف 3 ) فرصة لتحقيق نهاية أكثر أمانا لخروج الاسد من السلطة وخروجه من سوريا بطريقة معقولة لكي ينتهي كما انتهى الشاه والرئيس اليمني المخلوع , ودرءا لنهاية تراجيدية كنهاية القذافي أو تشاوشيسكو  أو ميلوسيفيتش !
في (جنيف 3) يراهن الروس والامريكان على نجاح مساعدهم دي ميستورا بدفع الأطراف السورية لإنهاء صراعاتهم بأقصى قدر من التنازلات المتبادلة , وهدفه التكتيكي الآن  – كما قال!- تخويف بشار من (المصير الأسوأ ) لكي يقبل تسليم السلطة مقابل عدم محاسبته .
أين الإيرانيون من كل هذه المسائل ..؟
حتى اللحظة يعبرون عن غرام جنوني بوكيلهم بشار , ولكن الأطراف التي روضت الايرانيين في جولات 5+1 استنتجوا  أنهم يجيدون تقدير مصالحهم الاستراتيجية في سوريا , وأظهروا استعدادا جريئا للمساومة , وقياسا على ذلك يعتقد الامريكيون أن الايرانيين سيستجيبون لصفقة التخلي عن رأس بشار لكيلا يخسروا كل شيء  في سوريا ولبنان أيضا , وهم يدركون أن التغيير في سوريا اصبح استحقاقا تاريخيا لا مناص عنه . وعليه فلا بد من مساومة بين الأطراف الرئيسية في المنطقة والعالم . والأميركيون حددوا نقاط الغرائز الحساسة في السلوك الايراني , ويعملون على دغدغتها لتأخذ دورها بدلا من حس المغامرة الانتحارية , ويقترحون على الإيرانيين وعرب الخليج الآن تجريب حلول براغماتية تكسر حدة المواجهة وروح التحدي بينهم , ويدعم هذا المسعى الروس والاوروبيون , وأطراف عربية مهمة كمصر , بل وأطراف من داخل مجلس التعاون , ويعتقد أن الروس يلعبون دور (العراب) في صياغة اتفاق إيراني – خليجي للحد من التصعيد , والتعاون في ملفات اقليمية عديدة  وخاصة في سوريا واليمن .
 وحسب المؤشرات الأولى يبدو أن إيران محشورة  في الزاوية وتدرك حتمية تقديم  تنازلات مهمة والانتقال الى هدنة مع السعودية والخليج , والارجح أن  رأس الأسد ورأس عبد الملك الحوثي في مقدمة ما ستقدمه إيران لجيرانها ! .
************************************************************
هذا المقال منشور في ( مجلة الشراع اللبنانية ) العدد 287 الصادر بتاريخ 7 آب / أغسطس 2015 . ولذا وجب التنويه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى