دروز إسرائيل وأحداث السويداء… تضامن عابر للحدود وتحوّلات في معادلة الهوية

رام الله- شهدت الأسابيع الثلاثة الماضية تصاعدا غير مسبوق في مشاعر القلق والخوف لدى أبناء طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل حيال مصير ذويهم في محافظة السويداء السورية، في ظل موجة العنف والصدامات الدامية التي عصفت بالمحافظة، فأيقظت الروابط العائلية والعاطفية بين دروز الجليل والكرمل والجولان وأبناء عمومتهم في سوريا، لتتحوّل تلك المشاعر إلى تحركات عملية وضغوط شعبية ورسمية قادتها الزعامة الدينية للطائفة الدرزية في إسرائيل على كافة المستويات ووصلت إلى حد مطالبة الحكومة الإسرائيلية بتدخل عسكري مباشر، وقيام حوالي ألف من شبان الطائفة باجتياز الحدود إلى سوريا في محاولة للوصول إلى السويداء للتصدي لقوات الأمن السورية ومسلحي العشائر الذين تتهمهم بارتكاب أعمال عنف وتنكيل بأهالي المحافظة، بينما أعادت هذه التطورات طرح أسئلة جوهرية حول عمق العلاقة بين دروز إسرائيل ودروز سوريا، وحدود التدخل الإسرائيلي لحماية هذه الأقلية، وتداعياته الإقليمية والداخلية.

ويتجاوز التضامن الدرزي مع السويداء منطلقات التعاطف، إذ يستند إلى “روابط دم وقرابة” تجعل أكثر من نصف عائلات الدروز في إسرائيل على صلة مباشرة بأقاربهم من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا يوميا، فيما يكرّس مفهوم “حفظ الإخوان” في العقيدة الدرزية واجب التضحية من أجل أبناء الطائفة أينما وجدوا، كما يعتبر الدروز أنفسهم مجتمعا عابرا للحدود فيما تعزز ذاكرتهم الجمعية مشاعر الخوف من تكرار المجازر التاريخية التي تعرضوا لها في سوريا، مثل أحداث جبل الدروز عام 1860 وأحداث إدلب عام 2015.

لقد شهدت أشكال تضامن دروز إسرائيل مع ذويهم في سوريا، وتحديدا في محافظة السويداء، تطورا غير مسبوق هذه المرة. ففيما كانت تقتصر فعاليات وتحركات التضامن في السنوات الماضية- وآخرها خلال موجة احتجاجات في السويداء ضد نظام الأسد عام 2024- على بيانات الشجب والاستنكار وتنظيم المسيرات والفعاليات الخيرية، إلى جانب مبادرات شبابية لجمع التبرعات برعاية المجلس الديني الأعلى للطائفة بقيادة الشيخ موفق طريف-الذي كان يطالب الحكومة الإسرائيلية السماح بحذر بإيصال مساعدات طبية وغذائية عبر الجولان وسط مخاوف من أن يُفسر أي تدخل إسرائيلي كدعم سياسي أو عسكري ضد النظام السوري، ما قد يجلب مخاطر أمنية على الدروز هناك- فإن سقف المطالب هذه المرة بلغ حدا غير مسبوق، حيث إنه للمرة الأولى، لم يعد الحديث مقتصرا على الإغاثة أو المسيرات الاحتجاجية، بل امتد للمطالبة العلنية بتدخل عسكري إسرائيلي مباشر، بل واقتحام الحدود من قبل عشرات الشبان الدروز الذين وصلوا حتى بلدة حضر في تحوّل نوعي لم يسبق أن عرفته علاقة الدروز في إسرائيل مع ملف السويداء من قبل.

ويبلغ عدد الدروز في إسرائيل اليوم حوالي 140 ألف نسمة، يعيش معظمهم في الجليل والجولان، وينقسمون بين من يحمل الجنسية الإسرائيلية (دروز الجليل والكرمل) ومن يرفضها (دروز الجولان المحتلة منذ 1967(، فيما فرض التجنيد الإجباري منذ 1956 عليهم مؤسسا لعلاقة فريدة مع الدولة العبرية عُرفت بـ”حلف الدم”، وبالرغم من اندماج الدروز في الجيش الإسرائيلي ومؤسسات الدولة وتوليهم مناصب عسكرية وسياسية ووزارية رفيعة، ظل الحلف مثار نقاش داخلي، إذ بينما يستمر دروز الجليل والكرمل في شراكتهم مع إسرائيل، يصر دروز الجولان (25 ألفا تقريبا) ويعيشون في أربع بلدات وقرى هي: مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنية، على رفض الجنسية الإسرائيلية، متمسكين بهويتهم السورية وولائهم لدمشق مما أوجد هوة عميقة في الموقف بين شقي الطائفة في إسرائيل، بينما تعمق الجدل داخل الطائفة الدرزية حول “حلف الدم” مع تكرار الأزمات الكبرى في سوريا ولبنان التي كشفت محدودية الدعم الإسرائيلي للدروز، حيث تظل مصالح الدولة العبرية فوق أي اعتبار عاطفي أو ديني، ومع صعود جيل شاب أكثر وعيا بالمواطنة المتساوية وأقل ميلا للتبعية المطلقة، تحدث نقاشات داخلية حول مستقبل الهوية الدرزية داخل إسرائيل وخارجها، فيما تزداد الدعوات لمراجعة العلاقة مع إسرائيل على أسس برغماتية توازن بين الواقع والمصالح.

وبينما تلتزم إسرائيل عادة بتبني موقف “المراقب القلق” والإعلان عن “تضامنها الإنساني” في ملف السويداء، مع الحرص على عدم الانخراط العسكري المباشر لتفادي مواجهة مع النظام السوري السابق، وروسيا وإيران اللتين كانتا حاضرتين بقوة في الجنوب السوري آنذاك، أو منح نظام الأسد البائد ذريعة لقمع الدروز واتهامهم بالعمالة لإسرائيل، غير أن تصاعد الضغوط الدرزية الداخلية دفع إسرائيل، لأول مرة، لاستخدام سلاح الجو في قصف مواقع سيادية في دمشق دعما للدروز، وهو تطور اعتبره عدد من قادة الطائفة “إنجازا عظيما”.

شكلت أحداث الساحل السوري- حيث قتل أكثر من 1400 علوي درزي، وتفجير الكنيسة في دمشق- كابوسا مرعبا في نفوس دروز إسرائيل

 

لقد أعادت أحداث السويداء الأخيرة جراح الهوية والانتماء لدى دروز إسرائيل للسطح، فقد رأى كثيرون منهم أن حصار واستهداف السويداء يحيي هواجس “الأمن الوجودي”، وخذلان الدول للأقليات عند الأزمات كما أدركت الطائفة بوضوح أن إسرائيل تتعامل معها بعقلية الدولة ومصالحها، مما يحتم عليهم إعادة صياغة علاقتهم بالدولة العبرية على أسس برغماتية مصلحية وواقعية في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات درزية مؤثرة داخل إسرائيل لتحذر من الإفراط في الرهان على أي نظام أو دولة، مؤكدة أهمية بناء قوة ذاتية للطائفة، مدعومة بعلاقات إقليمية وخارجية، تضمن حماية هويتها المستقلة وصون مكانتها، فيما يعكس الموقف الدرزي في إسرائيل تجاه أحداث السويداء تداخل الهويات العابرة للحدود مع ضرورات السياسة الواقعية. فبينما يدفعهم الإرث التاريخي وروابط الدم إلى الضغط لدعم إخوتهم السوريين، فإنهم يدركون بدقة حدود هذا الدعم ويسعون لإدارته بحذر، فيما تسعى إسرائيل في المقابل إلى الموازنة بين احتواء الطائفة داخليا وتجنّب أي تصعيد خارجي أو توتير علاقتها مع حلفائها، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وفي خضم هذه المعادلة المعقّدة، تراجع مفهوم “حلف الدم” الذي طبع علاقة الدروز بالدولة العبرية لعقود، ليحلّ مكانه ما يصفه الجيل الجديد بـ”حلف الحياة”، وهو أقرب إلى شراكة مشروطة وحسابات مصالح، لا إلى التزام مصيري مفتوح كما كان في الماضي.
لقد أثارت الفيديوهات المتداولة والقادمة من السويداء حول قيام مسلحي قوات الأمن السورية الرسمية وشبان العشائر بحلق شوارب شيوخ ورجال الدروز غضب أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل الذين استنكروا بشدة تلك الأفعال، وفيديوهات يظهر في إحداها طبيبان يُلقَيان من الطابق الرابع على أيدي مسلحين قبل أن يتم إطلاق النار عليهم غضب الدروز في إسرائيل الذين يُعتبرون اليوم الأكثر قدرة على دعم إخوانهم في سوريا ماليا وعسكريا وسياسيا، بعد أن استُنفدت الاستغاثات بدروز لبنان، فيما شكلت أحداث الساحل السوري- حيث قتل أكثر من 1400 علوي درزي، وتفجير الكنيسة في دمشق- كابوسا مرعبا في نفوس دروز إسرائيل. كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا بارزا في كشف حجم ما يرتكب من انتهاكات بحق ذويهم بالسويداء، فيما يقول أحد الناشطين الدروز في دالية الكرمل لـ”المجلة” إن النظام الجديد في سوريا يعامل الدروز مثل النظام القديم مع اختلاف اللغة، “نظام الأسد استخدم لغة علمانية، أما نظام الشرع فيستخدم لغة دينية”، مضيفا “ثمانون في المئة من مجتمع السويداء علمانيون من محامين وأطباء وفنانين ومهندسين لا يحملون السلاح، ولو كانوا جميعهم مسلحين لما تجرأت أي قوة أمنية على استهدافهم”.

 

قتل من أبناء الطائفة حتى الآن 450 جنديا في معارك غزة ولبنان وسوريا، وهي ليست معارك الطائفة الدرزية، لذلك إسرائيل ملزمة وتستطيع مساعدتنا، لكننا لم نطلب منها احتلال السويداء

 

من جهته، أعرب الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف عن قلقه العميق من استمرار الاشتباكات في السويداء وقال في تصريح خاص بـ”المجلة”: “نحن قلقون جدا لأن وقف إطلاق النار يُنفَّذ من جهة واحدة، فيما المعارك تدور في بيوتنا وبين أهلنا”. وأضاف: “نأمل من الجميع الالتزام بوقف إطلاق النار، ويكفي ما أُهدر من دماء”.
وأكد طريف أن الشعب السوري دفع ثمنا باهظا عبر سنوات طويلة من الحرب والمعاناة، مشددا على أنه قد حان الوقت ليعيش بكرامة واحترام. أما عن موقفه من الحلول المتداولة، فأكد الزعيم الروحي للطائفة الدرزية قائلا: “نحن مع وقف إطلاق النار ونريد السلام، وأن تعيش السويداء ودرعا ودمشق وعموم سوريا بكل سكانها وطوائفها بكرامة واحترام”.

 

وتسعى إسرائيل إلى فرض معادلة أمنية جديدة في جنوب سوريا عبر إنشاء منطقة عازلة خالية من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وتخلو من عناصر الجيش السوري، مكتفية بوجود ضباط أمن محليين يقومون بخدمة السكان، حيث تقع محافظة السويداء– أكبر معاقل الدروز في سوريا حيث يبلغ تعداد سكانها 700 ألف نسمة– في صلب هذا المخطط، في محاولة لتطبيق العقيدة الأمنية الإسرائيلية الحديثة التي تقوم على “حماية الحدود من داخل أراضي الآخرين”، لمنع أي مباغتة كالتي حدثت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في غزة.
وجاءت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة داخل دمشق والسويداء لتحقيق هدفين: إرضاء الدروز من جهة وتوجيه رسالة واضحة لنظام أحمد الشرع بأن الغطاءين العربي والدولي لن يوفرا له الحماية الدائمة. بينما أثارت عمليات التنكيل بالدروز خوف وقلق الأكراد في سوريا، حيث فهموا أن ما حصل من تنكيل ضد دروز السويداء قد يتكرر بحقهم وربما بصورة أشد.
يُقدّر عدد الدروز في سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل بحوالي مليون ونصف المليون نسمة، وعلى عكس ما يُشاع، يؤكد قياديون دروز لـ”المجلة” أن دروز السويداء لا يسعون للانفصال أو إقامة كيان مستقل وأنه “لا طموح وطنيا أو دينيا لدى الدروز بإنشاء دولة أو الانفصال عن سوريا، فدينيا مطلوب منا موالاة الدولة التي نعيش فيها، فيما تركز عقيدتنا على قدسية الأرض والعرض والدين بالتساوي”، حسب ما قال أحد نشطاء دروز إسرائيل في دالية الكرمل لـ”المجلة”.
كما يرفض دروز إسرائيل فرض الوصاية على نظرائهم في سوريا “نحن لا نملي على دروز سوريا ماذا يفعلون بخصوص مصيرهم وعلاقتهم مع الدولة الأم، بل نسألهم كيف يمكننا مساعدتكم ودعمكم، ولا نتدخل في قراراتهم، فإن قرروا الاندماج سنبارك، وإن احتاجوا دعما عسكريا أو ماليا أو إغاثيا سنهب لمساعدتهم”. وأضاف الناشط ذاته، مشيرا إلى الثمن الباهظ الذي دفعه الدروز في خدمة إسرائيل، حيث يقول لـ”المجلة”: “إسرائيل ساعدتنا في سوريا لأننا خدمنا أمنها، حيث قتل من أبناء الطائفة حتى الآن 450 جنديا في معارك غزة ولبنان وسوريا، وهي ليست معارك الطائفة الدرزية، لذلك إسرائيل ملزمة وتستطيع مساعدتنا، لكننا لم نطلب منها احتلال السويداء”.
وكان كل من الشيخ موفق طريف وصالح طريف-الشخصية القيادية البارزة في الطائفة الدرزية بإسرائيل- سلما الثلاثاء 23 يوليو/تموز رسالة إلى السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي موجهة للرئيس دونالد ترمب تطالبه بالتدخل والضغط على نظام الشرع لوقف استهدافه للدروز في جنوب سوريا، فيما كانت قيادة الطائفة قد توجهت في الأعوام الماضية إلى الروس والبريطانيين والفرنسيين للتدخل وحماية دروز سوريا من استهداف نظام الأسد لهم.
وقال صالح طريف، في حديثه إلى “المجلة” إن “الدروز يرفضون العيش تحت الذل ولو دفعوا حياتهم ثمنا للكرامة”، محذرا من تفاقم معاناة الدروز في سوريا تحت حكم النظام الجديد، ومؤكدا أنهم يواجهون بطشا وتنكيلا غير مسبوقين “كنا على تواصل مع رموز النظام السوري الجديد، وتمنينا أن يحمل عهدا مختلفا، لكنه جاء أصعب مما توقعنا، حيث تتعرض الأقلية الدرزية للقمع ونحن غاضبون من سياسة النظام الجديد”. وقال طريف، موضحا أن الدروز انخرطوا في المظاهرات الاحتجاجية ضد نظام الأسد منذ عام 2014، ولا يزالون يسعون لإيجاد صيغة تضمن لهم البقاء في وطنهم دون المساس بكرامتهم: “كل جبل العرب يتفاوض مع النظام الجديد من أجل خلق تفاهمات تعايش مشترك، ونحن لا نسعى للانفصال أو إقامة دولة مستقلة، لكن لا نقبل أن نعيش تحت الذل، حتى لو تطلب ذلك أن نضحّي بحياتنا”.

 

يختلف موقف دروز الجليل والكرمل عن موقف دروز هضبة الجولان المحتلة حيث إن دروز الجليل والكرمل هم مواطنون إسرائيليون كاملو الحقوق إلى حد ما

ودعا طريف المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، إلى التدخل لوقف ما وصفه بـ”إبادة أبناء الأقلية الدرزية”، قائلا: “الرئيس ترمب يستطيع وقف المجازر بحق الدروز في لحظة لو أراد ذلك، وإذا تم تجاهل ما يقوم به الحكم في دمشق، فستطال هذه الجرائم الأقليات الأخرى مثل المسيحيين والأكراد”، معبرا عن فقدان الدروز الثقة في الحكم السوري الجديد، قائلا: “لا نسعى لإسقاط النظام، لكننا خائفون منه، لأنه لم يلتزم بأي تفاهمات أو اتفاقات أبرمناها معه”، مؤكدا التزام قيادة الطائفة الدرزية بمحاولة وقف نزيف الدم عبر التفاوض، قائلا: “نحن نتعهد ببذل كل ما في وسعنا للوصول إلى تفاهم يحفظ حياة الدروز، لكن الكرامة خط أحمر”.

واعتبر قيام إسرائيل بقصف أجزاء من وزارة الدفاع السورية ومحيط القصر الرئاسي في دمشق في السادس عشر من يوليو إنجازا كبيرا لدروز إسرائيل حيث شكل ذلك أول مرة يستخدم فيها سلاح الجو الإسرائيلي لضرب أهداف خارج حدود إسرائيل دون أن تكون هنالك حاجة أمنية إسرائيلية وراء ذلك، وإنما بهدف إيصال رسالة ردع للقيادة السورية للتوقف عن استهداف أبناء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء.
في المقابل هناك من يرى أن الخطوة الإسرائيلية كانت محدودة التأثير خاصة بعد أن طلب ترمب من إسرائيل عدم تكرار ذلك، إذ يقول أحد المراقبين الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ”المجلة” إن المساعدة العسكرية الإسرائيلية لدروز سوريا، والتي جاءت استجابة لطلب وإلحاح دروز إسرائيل، كانت ذات طابع رمزي لم يكن له أثر فعلي في وقف معاناة أهالي السويداء أو حمايتهم من حملات التنكيل المستمرة، بل على العكس أسهمت تلك الخطوة في الإضرار بصورة وسمعة الدروز هناك، وجعلتهم في موقف أكثر حرجا وتعقيدا، فيما يعتبر أحد نشطاء الطائفة في دالية الكرمل “الخطوات التي اتخذتها إسرائيل حتى الآن لا ترقى لتطلعات الدروز، فهي لا تتجاوز كونها مسكنات مؤقتة”، مشيرا إلى أن دعم نتنياهو وحكومته لدروز إسرائيل جاء فقط لحفظ ماء الوجه ومحاولة تعويضهم عن تداعيات “قانون القومية”، مضيفا: “ننتظر من الجيش الإسرائيلي موقفا أكثر جدية وفعالية، وإلا فلن يكون أمامنا خيار سوى حمل السلاح بأنفسنا والتوجه إلى السويداء لنصرة أهلنا هناك”.
ويختلف موقف دروز الجليل والكرمل عن موقف دروز هضبة الجولان المحتلة حيث إن دروز الجليل والكرمل هم مواطنون إسرائيليون كاملو الحقوق إلى حد ما، يتقنون العبرية، منخرطون في الجيش ومؤسسات إسرائيل، أغلب زعاماتهم الدينية ممثلة في المجلس الروحي الأعلى برئاسة الشيخ موفق طريف، فيما علاقتهم مع الدولة تقوم على شراكة تاريخية متواصلة منذ نشأة إسرائيل، ما يجعل مواقفهم متسقة مع السياسات الإسرائيلية حتى في القضايا الخارجية، أما دروز الجولان فلا زالوا يرفضون الجنسية الإسرائيلية ويتمسكون بهويتهم السورية، بينما مشاركتهم محدودة في مؤسسات الدولة، ويُنظر إليهم في إسرائيل كجماعة معزولة سياسيا، يتواصلون مع السويداء مباشرة، فيما توجهاتهم السياسية أقرب لدمشق منها لتل أبيب، إلا أنهم هذه المرة أجمعوا أكثر من أي وقت مضى على ضرورة الهبة لنجدة أهاليهم في محافظة السويداء.
ووصف حسون حسون أحد الشخصيات القيادية الدرزية البارزة في الجليل في حديث لـ”المجلة”: “نحن الدروز شاركنا في تحرير سوريا، وسبق أن عشنا تحت حكم ديكتاتوري، وبينما قبل حِكمت الهجري والدروز بالبقاء تحت الحكم الحالي، لكنهم لن يقبلوا أبدا تغيير ديانتهم أو اعتبارهم كفارا”.
وتحدث حسون عن سلسلة انتهاكات طالت الدروز في السويداء، قائلا: “سلّمنا الحكم في دمشق 300 مختطف في السويداء، لكنه لم يمنحنا شيئا في المقابل، وبعد الهدنة انسحبت قواته لتعود متخفية بثياب أخرى وتستأنف التنكيل بأبناء الطائفة وإحراق المنازل وسرقة وتدمير آبار المياه والمستشفيات والمطاحن”، مشيرا إلى التعقيدات الإقليمية المحيطة بالقضية الدرزية “واشنطن وضعت استهداف سوريا عسكريا من قبل إسرائيل كخط أحمر ونتنياهو لا يريد إغضاب ترمب لأنه بحاجة لدعمه في حربه ضد غزة وإيران”.

وتطرق حسون- الذي شغل منصب السكرتير العسكري لرئيسي إسرائيل السابقين شمعون بيريس ورؤوفين ريفلين، إلى الدور الإسرائيلي، مشيدا بعملية قصف مواقع سيادية في دمشق دعما للدروز “قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف مواقع سيادية في دمشق من أجل الدروز كان إنجازا عظيما ووفاء أخلاقيا إسرائيليا للطائفة، حيث تدرك إسرائيل جيدا أنه إذا تم تطهير سوريا من الدروز فستتحول إلى دولة داعشية تهدد أمن إسرائيل”، فيما كشف عن هشاشة الاتفاقات الموقعة بين الدروز ودمشق في الآونة الأخيرة “في الأسبوعين الأخيرين وقعنا ثلاثة اتفاقات مع النظام، لكن لم يصمد أي اتفاق منها أكثر من ساعتين”.
وكان دروز إسرائيل قد طلبوا نقل مواد الإغاثة الإنسانية لذويهم في محافظة السويداء عبر مروحيات إسرائيلية على أن تلقى المساعدات ليلا لتقل ملاحظتها من قبل العامة، فيما حاول عدد منهم إقناع إسرائيل باستخدام مروحيات تابعة للجيش الأميركي موجودة في قاعدة عسكرية بإسرائيل للقيام بنفس المهمة منعا للإحراج إلا أنه تم رفض طلبهم من قبل الأميركيين.
يعيد دروز إسرائيل اليوم ومن قلب العاصفة تعريف دورهم وحدود رهانهم، ليؤكدوا أن بقاءهم مرهون بإرادتهم الجماعية وصلابتهم في مواجهة عواصف السياسة والجغرافيا.
لقد شكلت أحداث السويداء وتداعياتها لحظة تحول مفصلية في وعي وهوية الدروز في إسرائيل والمنطقة، فبين مطالبات التدخل، وحذر إسرائيل في دعمهم تتبلور لدى الطائفة معادلة برغماتية جديدة؛ شراكة مشروطة مع إسرائيل، وتضامن عابر للحدود مع الدروز في سوريا، ووعي متزايد بأن الحماية الدائمة للأقليات لا تُبنى فقط على التحالفات مع الدول، بل على تطوير قوة ذاتية مستقلة وشبكات دعم إقليمية ودولية.
فبينما رُوّج لـ”حلف الدم” كمحور رئيس لعلاقة دروز الجليل والكرمل مع إسرائيل، فإن السنوات الأخيرة أظهرت أن هذا الحلف ذو طابع سياسي مصلحي، وليس التزاما أخلاقيا مطلقا، فحيث أتاحت الخدمة العسكرية الإلزامية للدروز، وشراكتهم في أجهزة الأمن لهم فرص المشاركة المجتمعية، لكنها لم تزل إحساس التمييز أحيانا في توزيع الميزانيات أو فرص التنمية في قراهم، ولقد ناشد دروز إسرائيل سابقا قوى كبرى كروسيا وبريطانيا وفرنسا لحماية ذويهم في سوريا، واليوم يرون أن معركتهم من أجل البقاء لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وأنهم سيظلون– كما في الماضي– ثابتين في أرضهم مهما تغيرت الأنظمة والأعلام، فيما يشعرون بالغضب والاستياء من غياب أية تظاهرات عربية تضامنية معهم ضد استهداف أهاليهم في السويداء، حتى من قبل الفلسطينيين داخل إسرائيل.

المصدر: المجلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى