حوار البصمات

جمال قارصلي

بدعوة من العُقاب السوري إلى صديقه العُقاب الألماني، ورداً للجميل الذي قدمته ألمانيا للشعب السوري، وفي الصباح الباكر والسماء صافية وخيوط الشمس الذهبية تزيد المنظر روعة وجمالا, وصل العُقاب الألماني إلى سوريا, وكانت مراسم استقباله لا تقل عن مراسم استقبال رئيس دولة شقيقة, وبعد الترحيب الحار والضيافة اللائقة بالضيف الكبير, دار الحديث التالي بينهما:

العُقاب السوري: أهلاً بك، أيها الأخ العُقاب الألماني. يسعدني أن أحلق إلى جانبك فوق سماء سورية العريقة. هل تراها اليوم كما كنت تتصورها؟

العُقاب الألماني: تحية لك يا عُقاب الشام، سماؤكم تنطق بتاريخٍ لا يُضاهى من الحضارة والجمال. الأخاديد والجبال هنا تمزج بين البساطة والهيبة. إنها مهد الحضارات وموطن أول الأبجدية, فأنا أفهم افتخارك بأنك تنتمي إلى هذه الأرض الطيبة.

العُقاب السوري: سوريا موطن أقدم حضارة على وجه الأرض. أرض أوغاريت وتدمر وحلب العريقة ودمشق الخالدة – عاصمة عمرها آلاف السنين. هنا، ينبض التاريخ في كل زاوية: الأسواق والمساجد والكنائس والكنوز الأثرية. نعم نحن فخورون بإرثنا الثقافي والحضاري.

العُقاب الألماني: كذلك بلادي ألمانيا تزخر بالروح العريقة من علماء وفلاسفة وأدباء وموسيقيين, وبمدن عريقة, مثل برلين وميونخ وهامبورغ, حيث تجتمع فيها الحداثة والأصالة، والغابات السوداء تعطي روحاً من الصفاء والهدوء. وأنا كذلك أفتخر بقوتنا الاقتصادية وبتقدمنا الصناعي وابتكاراتنا العلمية.

العُقاب السوري: رغم الجراح التي مرت بها سوريا، ظلّ شعبنا صامداً. لقد شهدنا قسوة الحرب، ورغم ذلك خرجنا أكثر قوةً وأشدّ عزماً على الحياة. تعاوننا مع أصدقائنا في العالم، خاصة ألمانيا، كان له أثراًَ كبيراً في دعمنا وتعافينا.

العُقاب الألماني: ألمانيا نظرت دوماً إلى الشعب السوري بعين التعاطف. استقبلنا ما يقارب مليون لاجئ، ووفرنا لهم الحماية والتعليم والرعاية الصحية. بعضهم صاروا أطباء ومهندسين، والكثيرين منهم يعملون الآن في خدمة وطنهم الجديد ألمانيا.

العُقاب السوري: وما اجمل أن نرى أبناءنا الذين درسوا في ألمانيا يعودون ليس فقط لزيارة الوطن، بل لتقديم تجاربهم الناجحة للمشاركة في إعادة بناء وطنهم الأم وتبادل الخبرات في الجامعات والمراكز البحثية، فتلك هي علامات محبة وشراكة حقيقية. هؤلاء هم حقا أبناء البلدين وهم يشكلون جسور محبة وتآلف وعاملاً مهماً في دعم اقتصاد بلدينا.

العُقاب الألماني: نعم يا صديقي، هنالك مشاريع كثيرة مشتركة بين بلدينا, ولقد تم توقيع عدة اتفاقيات بينهما لتبادل العلماء والخبراء وكذلك للتنسيق الاقتصادي ولتعزيز التبادل التجاري والتعاون في إعادة الإعمار, ما يمثل خطوة نوعية نحو مستقبل مشترك.

العُقاب السوري: أكثر ما يسعدني هو تبادل الجهود الثقافية من فن وموسيقى والتي تجد فيها المزيج السوري-الألماني الذي يتخطى الحدود ليجمع بين الشعوب ويقرب القلوب ويخلق جسور التفاهم .

العُقاب الألماني: نعم, صحيح هذا. ومنذ بداية الحرب، استمرت المؤسسات الألمانية في دعم المشاريع الثقافية والتعليمية في سوريا, وكذلك المتاحف في ألمانيا تقدم معارض عن الثقافة السورية لتبقى الذاكرة حية وتُعزز الاحترام المتبادل.

العُقاب السوري: يخيل لي أننا هنا نمثّل روح “العلاقة الحميمية” التي تتجاوز السياسة إلى روابط إنسانية حقيقية: طلاب سوريون وآخرون عائدون يحملون شهادات ألمانية ليبنوا وطنهم الأم الذي دمرته الحرب.

العُقاب الألماني: بالضبط. الدولتان اليوم تعملان في مجالات المساعدات الإنسانية – ألمانيا وفّرت عشرات الملايين من اليوروهات للتعليم والصحة والبنى التحتية الإنسانية داخل سوريا. علاوة على ذلك، أُعيد افتتاح السفارة الألمانية في دمشق بعد غياب 13 عاماً، ما يرمز لانطلاقة جديدة في الدبلوماسية.

العُقاب السوري: إنه صباح جديد على بلدينا. سوريا تعود للحياة، وألمانيا تقف إلى جانبنا كصديق قبل أن تكون شريكاً.

العُقاب الألماني: وما أجمل أن نطير في سماء يملؤها المحبة والتعاون. حين يعود السوري ليبني بيته، وينقل خبراته المهنية والعلمية، حين تُفتح المؤسسات المشتركة وتنتعش الأسواق بفضل الاتفاق الاقتصادي, حينها سنعرف أن العلاقة الحميمية بين بلدينا سيسطرها التاريخ في صفحاته.

فيضع العُقاب الألماني إحد جناحيه على جناح العُقاب السوري ويحلقان عالياً, وكأنهما عُقابان في جسد واحد, إلى أن يشاهدان سوريا وألمانيا من علو شاهق ويلوحان للبلدين ودموع الفرح تملأ عينيهما وهما ينشدان: أنا سوري, أنا ألماني, وكل العالم أخواني .. الإنسانية وجداني, والأخوة عنواني, والسلام إماني.

نائب ألماني سابق من أصل سوري

المصدر: صفحة جمال قارصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى