جاءت زيارة وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي مشرفية إلى دمشق ولقاؤه بمسؤولين في النظام السوري، أمس الاثنين، لتؤكد أن الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب، بدأت تسلك طريقها نحو التطبيع مع النظام السوري.
وتتخذ الحكومة اللبنانية من ملف اللاجئين السوريين (الدولة اللبنانية تعتمد توصيف النازحين) البوابة الأسهل لتنفيذ التطبيع، مع العلم أن مشرفية أنيطت به مهام وزارة الدولة لشؤون النازحين بعد إلغائها في الحكومة الجديدة.
وفي الوقت الذي لم تنقطع فيه طوال السنوات الماضية زيارات الشخصيات السياسية في فريق 8 آذار (يضم بشكل أساسيّ حزب الله والتيار الوطني الحر، وحركة أمل، تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي)، إلى دمشق للقاء مسؤولين في النظام والتنسيق السياسي والأمني معه، بقيت العلاقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية في حدها الأدنى خلال فترة تولي سعد الحريري رئاسة الوزراء، والذي استقال في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على إثر الانتفاضة الشعبية، لكن هذا الوضع لا يبدو أنه سيستمر طويلاً في ظل استعجال حكومة دياب على ما يبدو إنهاء القطيعة الرسمية مع النظام السوري.
وعلى عكس الضجة داخل حكومة الحريري التي أثارتها زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين السابق، صالح الغريب، إلى دمشق في عام 2019، فإن توجه مشرفية إلى سورية أمس لم يثر أي موقف رسمي معترض من قبل دياب أو أي من الأعضاء في الحكومة، نظراً للتماهي في المواقف بين الوزراء الذين ينتمون إلى الفريق السياسي نفسه.
وتؤكد القوى السياسية التي تنضوي ضمن ما يُسمّى بـ”8 آذار”، في كل مواقفها، أنّ حلّ أزمة اللاجئين لا يمكن أن يصل إلى نتيجة، إلا من خلال التواصل مع الدولة السورية.
وكان فريق “8 آذار” قد أبدى في حكومة الحريري الأخيرة تمسكاً بتولي الوزارة المختصة بمتابعة الملف، ما أدى يومها إلى تعيين الغريب في المنصب، والذي بادر إلى زيارة سورية في فبراير/ شباط 2019، قبل أن تلتئمَ الحكومة، متخطياً مجلس الوزراء ورئيسه حينها سعد الحريري، وكاسراً قرار سلفه السابق معين المرعبي (ينتمي إلى تيار المستقبل الذي يرأسه الحريري) بعدم زيارة سورية أو التفاوض مع بشار الأسد بشأن ملف اللاجئين.
ويضع الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ، زيارة مشرفية إلى سورية في خانة التطبيع مع النظام السوري.
ويقول الصائغ في حديث مع “العربي الجديد” إنّ هذه الزيارة ليست غريبة عن جميع خيارات الفريق السياسي الذي يمثله مشرفية (أي الثامن من آذار).
ويشدد الصائغ على أنّ إعطاء الزيارة طابع العمل على عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لن يمرّ على كلّ متابع للملف ومدقق به، إذ إنّ التنسيق السياسي الداخلي غائبٌ في هذا المجال وكذلك الدولي – الأممي، بغض النظر عن الإجراءات التي تقوم بها المديرية العامة للأمن العام بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ولو بشكل غير مباشر لتأمين العودة الطوعية.
ويستند الصائغ في تأكيده عودة إشكالية التطبيع إلى نقاطٍ عدّة، أبرزها عدم إقرار سياسة عامة تجاه اللاجئين، والتي لم ترد بشكل واضح، وكورقة عمل مفصلة في البيان الوزاري لحكومة دياب، بالإضافة إلى عدم إثارة موضوع تأمين عودة 300 ألف لاجئ سوري إلى القلمون والقلمون الغربي والزبداني والقصير، إلى جانب غياب التنسيق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين حول تأمين العودة الآمنة على المستويات القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
وتعتبر هذه المناطق المستثناة من العودة، بحسب مصادر “العربي الجديد”، أشبه بمنطقة عسكرية تابعة لحزب الله يستخدمها كممرّ أمني يمتد نحو حمص والاوتوسترادات التي تربط حلب واللاذقية، وليس من مصلحة الحزب عودة هؤلاء لأنهم بأكثريتهم الساحقة يعارضون حزب الله وبشار الأسد، وهم ينتشرون في عكار شمال لبنان وعرسال بقاعاً.
ويؤكد الصائغ أن كل نقاش لا يتطرق إلى النقاط السابق ذكرها أو يأخذها بعين الاعتبار يبقى في إطاره السياسي وفي خانة التطبيع.
يُذكر أن الدولة اللبنانية ترفض التعامل مع السوريين الذين فروا إلى لبنان في السنوات الماضية على أنهم لاجئون، وتصر على توصيفهم بالنازحين. وحرص الرئيس اللبناني ميشال عون على التأكيد في أكثر من مناسبة أنّ النازحين ليسوا لاجئين لأنهم نزحوا إلى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية التي شهدتها مناطق سورية، مؤكداً أن الحرب انتهت في هذه المناطق التي باتت آمنة من أجل عودتهم إليها، كما يحاول عون دائماً الربط بين وجود اللاجئين السوريين والأزمة الاقتصادية في لبنان.
المصدر: العربي الجديد