سورية: العام الدراسي إلزامي. وقرض للدفتر وقلم الرصاص

  نور عويتي

بينما تتبع أغلب دول العالم استراتيجيات التعليم عن بعد للأطفال وطلاب الجامعات في ظل تفشي فيروس كورونا؛ فإن النظام السوري يصر على سير العملية التعليمية في مدارسه بشكل تقليدي من دون اتخاذ أي إجراء وقائي أو تأجيل افتتاح المدارس.

وأصدرت حكومة النظام قراراً ينص على أن افتتاح المدارس سيكون في 1 أيلول/سبتمبر وأن الدوام إلزامي، من دون أن يراعي القلق والرعب الذي يعيشه الناس، علماً أن النظام السوري يفتقر للإمكانيات الطبية التي قد تساعده على إنقاذ حياة المصابين بالفيروس.

وفي ظل الرعب الكبير الذي يعيشه أهالي دمشق من الانفجار الهائل بعدد الإصابات بكورونا، طالب كثيرون منهم على منصات التواصل الاجتماعي بتأجيل العام الدراسي، وأطلقوا حملة “لا لافتتاح المدارس في سوريا في ظل الوباء”، خوفاً على أولادهم  من العدوى.

وبعد انتشار الحملة، نفى وزير التربية عماد العزب وجود أي نية للوزارة بتأجيل بدء العام الدراسي، وأكد أن أمر تأجيل العام الدراسي يعود للفريق الحكومي ومجلس الوزراء، ولن تغير حملات السوشيال ميديا شيئاً.

وعلى ما يبدو من التصريحات المتلاحقة في هذا الصدد، أن المسؤولين في دمشق يتعاملون حتى اليوم مع انتشار الفيروس على أنه أمر طبيعي؛ الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من الأهالي للتأكيد على أنهم سيمتنعون عن إرسال أولادهم إلى المدارس، وبالأخص المدارس الحكومية التي لا تتوافر لديها أي إجراءات وقائية بسبب الازدحام الشديد فيها.

ويقول أحد الكوادر التدريسية في دمشق ل”المدن”، إن “الوضع سيكون كارثياً، فالصف الواحد يضم ما بين 55 و70 طالباً، وليس هناك أيّ مجال لتخفيف عدد الطلاب، ولا لتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي بينهم”.

ويضيف “اليوم نحن على بعد عشرة أيام من افتتاح المدارس، وليس هناك خطط جدية من قبل التربية لتقسيم الدوام أو تخفيف المنهاج أو الساعات الدراسية. الإجراء الوحيد الذي سيطبق هو توزيع كمامات بشكل مجاني على الطاقم التدريسي، علماً أن التوزيع لن يشمل الطلاب. إضافة إلى ذلك، صدرت قرارات تشدد على ضرورة إلتزام الطلاب بالدوام الدراسي، فلن يُسمح للطالب بالتغيب لمدة تزيد عن أربعة أيام من دون تقرير طبي مصدّق من الصحة المدرسية، ولن يكون هناك أي نوع من أنواع التساهل بما يتعلق بالدوام، وأي غياب يتجاوز به الطلاب الأربعة عشر يوماً سيؤدي لفصلهم من العام الدراسي”.

لا يكترث النظام حتماً بتأمين الرعاية الصحية في مؤسساته التعليمة، كما أنه لا يكترث أيضاً بتأمين المستلزمات الدراسية، مدفوعاً بهمٍ وحيدٍ وهو عودة الحياة إلى مؤسساته بشكل طبيعي، غير عابئ بالجائحة وبالارتفاع الجنوني للأسعار.

إضافة إلى الخوف من الجائحة، قد يعزُف عدد كبير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس، ليس بسبب الخوف من الفيروس، وإنما بسبب العجز المادي عن تغطية نفقات أولادهم خلال العام الدراسي. فعلى الرغم من مجانية التعليم في سوريا، إلا أن تأمين القرطاسية ومستلزمات الطلاب اليوم يتطلب مبالغ طائلة تفوق قدرة الموظفين في القطاع الحكومي.

فقد وصل سعر الحقيبة المدرسية في سوريا إلى 38 ألف ليرة، أما القلم فيتراوح سعره ما بين 150 إلى 500 ليرة، ودفتر الملاحظات من 1000 إلى 2500 ليرة، فيما يكلف اللباس المدرسي على الأقل 12 ألف ليرة لطلاب المرحلة الأولى، وقد تصل تكلفته إلى 45 ألف ليرة لطلاب المرحلة الثانوية، بينما يبلغ راتب الموظف خمسين ألف ليرة سورية بأحسن الأحوال، ما يجعله بالكاد قادراً على تأمين مستلزمات طفل واحد.

ولم تصدر وزارة التربية أي قرارات أو تسهيلات تعفي الطلاب من ارتداء الزي الرسمي، على غرار القرار الذي أصدرته مدارس الأونروا الفلسطينية. ويقول مصدر من إدارة إحدى مدارس الأونروا ل”المدن”: “باعتبارنا مدارس تابعة للأونروا، يمكننا إصدار قوانين تعفي الطلاب من الزي الرسمي، لكن هذا الخيار غير متوافر في المدارس الحكومية. ربما ستغضّ بعض إدارات المدارس الحكومية الطرف عن عدم الإلتزام بالزي الرسمي بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة”.

النظام وعلى غرار قرض العيد، الذي قام من خلاله بتقديم قرض لموظفيه لشراء مستلزمات عيد الأضحى، طرح مشروع بيع القرطاسية في مؤسساته التجارية بالتقسيط لموظفي الدولة؛ حيث أعلنت المؤسسة السورية للتجارة منذ أيام عن بدء هذه العملية بسقف أقصاه مئة ألف ليرة سورية، على أن يتم خصم الأقساط من رواتبهم شهرياً.

ويرى عدد كبير من الموظفين أن هذا القرار ظالم بسبب تدني سقف التقسيط وحصر الشراء من منتجات المؤسسة. ويقول مصدر من دمشق: “مئة ألف ليرة هو مبلغ بالكاد يكفي لتغطية نفقات طفل واحد في المدرسة، وأغلب الموظفين لديهم أكثر من طفل. إضافةً إلى أن حصر الشراء من منتجات المؤسسة التي نعلم جميعا تدني مستوى منتجاتها، وخاصةً في ما يتعلق بجودة مستوى القماش في البدلات المدرسية، يعني أننا سنضطر لاحقاً لشراء بدلات مدرسية جديدة في منتصف العام الدراسي”.

ويضيف في حديث ل”المدن”، أن “هذا القرض ليس لخدمة الناس، بل هو عار بجميع المقاييس، وهو فرصة للحكومة للتخلص من تلك المنتجات الكاسدة لديهم وبيعها والربح منها، وحتى لو كانت هذه المنتجات أرخص بكثير من المنتجات المشابهة التي تباع في الأسواق، إلا أنها منتجات بغاية الرداءة، وسيترتب علينا التخلص منها بوقت قريب”.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى