جلال حاج نجيب مناضل عروبي آخر ينضم الى قافلة الراحلين الى جنات الخلد بإذن الله. مضى كما يمضي كل الأحياء، تاركا خلفه صحائف أعماله ومآثره ونضالاته المبكرة في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة مع مصر.
كان من طلائع جيل الشباب القومي الثوري الذين أفرزتهم ثورة يوليو في مصر وشبوا على ملاحمها ومعاركها الوطنية والقومية، متأثرين بأشعة فكرها الاجتماعي التحرري الذي عم الوطن العربي ، فأسسوا أشكالا جديدة من أدوات العمل السياسي . ولا سيما بعد جريمة الانفصال ساعين الى بناء حركة قومية موحدة حديثة تلبي مطالب الجماهير وأمانيها ، في مواجهة الاحزاب التقليدية الرجعية التي اختلفت على كل شيء واتفقت على الوفاء لإرث القديم والماضي ورفض التغيير والتجديد . وعلى مواجهة جيل من العسكر الذين اختلفوا يمينا ويسارا ، ولم يختلفوا في طموحهم واندفاعهم للقفز على السلطة ، وقمع الشعب , وقد برز هذا النوع الجديد من الصراعات الاجتماعية والسياسية أكثر ما برز في سورية دون سواها من البلدان العربية قبل وبعد الوحدة ، وتحول الى تحديات تختصر كافة القضايا الاخرى السياسية والاجتماعية ، والوطنية والقومية ، بعد جريمة الانفصال التي اقترفتها زمر عسكرية ، ضاربين عرض الحائط بمطالب وأماني الجماهير التي كانت مصممة على تحقيق الوحدة والحفاظ عليها بالأرواح والمهج والدماء .
في تلك الفترة الخصيبة تبلورت الحركة القومية في سورية والعراق ولبنان وفلسطين، وامتد تأثيرها الى الخليج جنوبا والى المغرب العربي . وفي خضم هذا النضال العارم ظهرت الحركة الناصرية في سورية حاملة وعيا جديدا ، ومشروعا عربيا لصنع مستقبل مشرق بالحداثة وقيم العصر .
جلال حاج نجيب واحد من الشباب الذين انخرطوا في النضال الوطني والقومي في تلك المرحلة المضطربة، ومن طليعة المناضلين لتأسيس ( الاتحاد الاشتراكي العربي ) لقيادة مرحلة تميزت باستيعاب طاقات جيل جديد يريد تثبيت حضوره على الساحة ، متجاوزا سيطرة الاحزاب والقوى التقليدية الرجعية . خصوصا أن جلال قادم من ريف محافظة ادلب التي كان الاقطاع يسيطر عليها . درس الحقوق في جامعة حلب ، وشارك في كافة النضالات التي قادها جيل الناصريين الجديد ، واصبح من رموز الاتحاد الاشتراكي الشابة ومن قياداته المتسلحة بالوعي والشجاعة والالتزام الراسخ .
بعد هزيمة عام 1967 التي تسبب بها عسكر البعث الفاشي الطائفي ، وعلى رأسهم حافظ الأسد ، قاد الاتحاد الاشتراكي الجماهير السورية لإسقاط النظام المهزوم ، داعيا الى تسليم السلطة الى القوى الوطنية اعترافا بفشله ، وفتح المجال لاقامة نظام وطني تعددي والاعداد لاعادة الوحدة مع مصر وتحرير الارض العربية التي احتلتها اسرائيل وتجاوز ما خلقته وخلفته الهزيمة القاسية .
وعندما تخرج المرحوم من الجامعة واحترف المحاماة تخصص في قضايا العمل والعمال مدافعا عن حقوق العمال المهضومة، تعبيرا عن انتمائه للطبقات الفقيرة، ووعيه الاجتماعي الثوري. وحتى عندما تزوج اقترن بإحدى أبرز المناضلات اللواتي تكونَّ وبرزن في صفوف الاتحاد الاشتراكي العربي، هي السيدة علياء الشعباني المناضلة المميزة، والابنة البكر للصحافي والنائب والمناضل السوري الحلبي الخالد حسين الشعباني (صاحب صحيفة الحوادث في خمسينيات القرن العشرين).
لم يكن جلال ذا طموحات شخصية ، ولم يكن من الذين يحبون الظهور والمناصب والظهور. كان بريئا من امراض المثقفين والبورجوازيين ، بل تميز بتكوينه المتواضع ، وبهدوئه وعقلانيته وخفوت نبرته ولطفه واعتداله ، وهي صفات أكسبته احترام ومحية الجميع ، وكان دائما في مقدمة المناضلين المستعدين للعطاء والتضحية ، وكان عامرا بالأمل ومتفائلا ، مؤمنا بأن المبادىء التي نسعى لها هي الاتجاه التاريخي الصحيح لشعوبنا وقوانا الثورية .
وفي فترة من الفترات اعتزل العمل السياسي الحزبي تحت تأثير السطوة القمعية المتصاعدة التي أوجدها حافظ الأسد في سبعينيات القرن الماضي، لكنه لم يعتزل أبدا العمل الوطني بوسائل وأشكال مختلفة نقابية واجتماعية وثقافية، وظل ملتصقا وقريبا من اخوته السابقين ومن الحركة القومية الطليعية في سورية.
رحم الله جلال حاج نجيب، وسلام عليه حيا وميتا، فاسمه أحد الأسماء الناصعة والساطعة في حقبة الوحدة وما بعدها.