
يشكل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وإختصارها (داعش)، بالنسبة للكثيرين لغزاً محيراً، لا يعرف عنه إلا القليل من حيث النشأة والتكوين، والرؤية والأهداف، وماهي أوجه الخلاف بينه وبين جبهة النصرة، وما علاقتهما بتنظيم القاعدة – الدولي؟.
مع حالة الغموض، تلك، يستسهل الكثيرون تفسير ذلك بالقول بأنها من صنع النظام، وتخدم أجندته، دون تتبع “الظاهرة” ومحاولة فهمها، بالرغم من أن في ذلك القول بعض الصحة والمنطق، وليس كله، ومما يؤسف له، أن ذلك التفسير “السطحي” طال نخباً ومثقفين، ما كان عليهم أن يقعوا في ذلك التبسيط المخل، وغير المعرفي.
ما دفع الكثيرين لإعتبار (داعش) من صنع النظام هو حجم الأسئلة المثارة حول سلوكها، وتجاوزاتها، و”الصدمة” مما تقوم به وتفعله، من تكميم للأفواه، وإعتقالات، وقرارات، كلها تصب في غير ما أراده السوريون وتمنوه من ثورتهم، ولا تختلف في المآل عن سياسة نظام ثاروا عليه، لجهة الإستبداد ومفاعيله، وتتلاقى مع النظام– العصابة، بالكامل، فيما تفعله، أقله في هذه المرحلة.!!
القصة الكاملة لداعش من الصعب إختزالها هنا، بمقال سريع، لا يستوفي شروط البحث العلمي، التي تتطلب المداخل الفكرية والأدوات المعرفية، ولكنها إشارات، وإضاءات سريعة، تحاول أن تقدم بعض الإجابات، وتفك بعض الألغاز والطلاسم…تزداد أهمية الأمر، اليوم، مع الخلاف الذي خرج للعلن مرة جديدة بينها وبين النصرة، وقيادة التنظيم الأم (القاعدة)، برفضها، أي داعش، لقرار الدكتور أيمن الظاهري بحلها، وحصر نشاطها في العراق، مع إبقاء النصرة… الغموض والحيرة اللذان يكتنفان داعش هما ذاتهما عن التنظيم الأساس ودوره، وما ينطبق على النسخة السورية، الفرع، ينطبق تماما على التنظيم الدولي، الأصل، ودوره، وعلاقاته الإستخبارية، ومن يخدم، وهكذا، من أسئلة لا تنتهي، وسيظل الأمر كله مرتبطاً بالإجابة على السؤال الآهم: ماهي علاقة تنظيم القاعدة (الدولي) بالنظام السوري؟ حدودها؟ طبيعتها؟ وهل هي في حدود الدور الوظيفي للنظام (شكرته وزيرة الخارجية الآميركية، ومستشارة الآمن القومي السابقة، في عهد بوش الإبن، الدكتورة غونزاليزا رايس أكثر من مرة، وأثنت على تعاونه في الحرب على الإرهاب)؟؟!! أم أن الآمر يتعدى ذلك ليصل إلى “شراكة” و”تعاون” و”تنسيق”؟؟؟
التسجيل الصوتي الأول للظواهري، في حزيران 2011، دعا فيه للجهاد على أرض سوريا، وفي التسجيل الثاني، يوم 12- 02- 2012، كرر دعوته، وأعلن الجهاد مستخدما مصطلح “الشام”، الذي درج على استخدامه فيما بعد قي كل أدبيات القاعدة والنصرة والدولة، وأتى بعد إدراج اسم جبهة النصرة على قائمة “الإرهاب”، وهو الأمر الذي رفضته معظم قوى المعارضة السورية، وقطاعات واسعة من الشعب السوري، لما رأته من بأس وشدة في أرض “الجهاد”، وتضحية وفداء، ودفع لتسمية الجمعة التي تلت القرار الآميركي ب”لا إرهاب إلا ارهاب الأسد”… بمبايعة الجولاني يوم 08-01- 2013 للدكتور الظواهري تكون قد وضحت الصورة، بشكل شبه كامل، عن إرتباط النصرة بالقاعدة، وهو الآمر الذي إستمر حتى 09- 04- 2013 حين ظهر البغدادي بتسجيل صوتي أعلن فيه إتحاد “دولة العراق الإسلامية” و”جبهة النصرة في بلاد الشام” تحت مسمى:”دولة العراق والشام الإسلامية”…وأعتقد ان بقية القصة باتت معروفة بتفاصيلها، لجهة الخلاف بين البغدادي والجولاني، وما لا يستطيع الكثيرون اليوم فهمه هو درجة التباين بين الرجلين والمشروعين، بماذا يختلفان عن بعضهما البعض، وماهي رؤيتهما لسوريا، وأي نظام يريدان إقامته.؟
في الوقت الذي يحذر فيه البغدادي من التخلي عن “ظلم الديكتاتورية إلى ظلم الديمقراطية”، يدعو الجولاني إلى “حكم اسلامي راشد”، وفي حين يتفهم، هذا الأخير، “التدين السطحي” ويدعو إلى “اللين” وعدم “التشدد”و “التشنج”يعتبر أبو محمد العدناني الناطق باسم الدولة أن “المرتدين” (يقصد النصرة) من أبناء جلدتهم يدعون إلى “دولة وطنية تسمى إسلامية وتخضع للطواغيت”.!!
تتبع مسار الخلاف والأزمة بين الطرفين يكشف أن أصل الخلاف بين الرجلين يعود في جانب منه إلى خلاف شخصي مرده إلى تجربة العراق، إضافة لكيفية الإستفادة منها، وهي تجربة تجعل النصرة تبدي إستعدادها للتعاون مع باقي الفصائل، في الوقت الذي ترفض ذلك داعش، بل تعمل جاهدة على الإسئثار بكل شيء وحدها، وتصفية خصومها، أو تفرض عليهم مبايعتها، وفي وقت ترى فيه النصرة الأولوية لإسقاط النظام ترى داعش أنها غير معنية بالأمر، بقدر إهتمامها بتحقيق مشروعها في المناطق المحررة.!
ليس هناك كبير خلاف في العمق بين المشروعين، وحتى على مستوى الخطاب والمرجعية، جل الأمر خلاف داخلي– تنظيمي، تطور إلى تباينات في الإجتهاد في التعامل مع الواقع، لايمكن القول معه أننا إزاء مشروعيين مختلفين، أو متناقضين، لكل منهما رؤيته الإستراتيجية. بالعودة للسؤال الجوهري عن علاقة داعش بالنظام وما يشاع عنها، لابد من الإشارة إلى أن هناك دلائل كثيرة عن تمكن النظام خلال تاريخه الطويل– الوظيفي من إختراق معظم هذه الحركات والقوى، أو نسج خيوط تعاون معها، وحتى توظيفها، وبعضها كان من صناعته بالكامل، وأدت أدواراً وأغراضاً على مستوى المنطقة، والمجال لا يتسع للحديث في كل ذلك وتفصيله والإتيان بشواهد على ذلك، ولكن من هذا المنطلق، ومن خلال فهم النظام لهذه المجموعات، وتدعيما لنظرية “الإرهاب” التي تحدث عنها منذ البداية، على الأغلب، أطلق سراح البعض، وسهل إنتقال البعض الآخر، وفعل كل مابوسعه لتطرح هذه الجماعات مشروعها وتبدأ تنفيذه، وهو على قناعة تامة بأنها ستخدم رؤيته، وتصب في مصلحته، وهو على يقين، أيضا، باستحالة نمو هكذا مشاريع ظلامية، في تربة المجتمع السوري التعددي، المنفتح بطبيعته… باختصار، داعش والنصرة، أو غيرهما، حاجة ماسة للنظام، كما هو التنظيم الآصل حاجة أميركية على مستوى العالم، بدون الجزم بأنها من صناعته بالكامل… نعم هناك تقاطعات بين النظام -العصابة وهذه الجماعات ولكن لكل منهم، رؤيته ومشروعه، أحدهما يتغذى على الآخر، ولكن لا يمكن القول بتاتا أن داعش مشروع مرحلي أنتجه النظام سينتهي معه، وبنهايته. هي مشروع للإسلام السني الشرعي كما يقول الجولاني نفسه، الذي اعتبر عدم الإعلان عن الدولة الإسلامية ليس عن ضعف أو رقة في الدين بل سياسة شرعية.!
خلاصة القول أن الشعب السوري الذي ثار ضد منظومتي الاستبداد والفساد لن يتحقق مبتغاه على يد هؤلاء الذين يعتبرون أنه لاوجود في الإسلام للديمقراطية والأحزاب والبرلمانات بل الشورى والعدل والجهاد، (حسب الجولاني) …دون أن يقول كيف؟؟ هذا عدا عن أن وجودهم، من أصله، إضعاف أخلاقي للثورة…والشعب السوري. والحديث لن ينتهي هنا…
====
المصدر: صحيفة الأيام الإلكترونية.
14 نوفمبر/ تشرين ثاني 2013.
كلام دقيق وتحليل موضوع ونيجة صحيحة [أن الشعب السوري الذي ثار ضد منظومتي الاستبداد والفساد لن يتحقق مبتغاه على يد هؤلاء الذين يعتبرون أنه لاوجود في الإسلام للديمقراطية والأحزاب والبرلمانات بل الشورى والعدل والجهاد] لأنهم لا يستطيعون الخروج من الصندوق، ولا يثقون بالأحرار والثوار.