
محاضرة ألقاها الأستاذ عزيز تبسي في مركز ” مضمار ” في ١٦ / ٥ / ٢٠٢٥
وتحت رعاية وتنظيم منتدى الكواكبي للحوار الثقافي ألقيت محاضرة الاستاذ عزيز تبسي حول المواطنة من المدنية إلى الدولة القومية إلى العولمة ، تبعها مداخلات وأسئلة من الحضور .. وهذا تلخيص شديد للمحاضرة ومداخلات الحضور ، واعتذر مسبقاً إذا كانت قد سقطت مني أثناء التلخيص بعض افكار المحاضرة وبعض أفكار مداخلات الحضور الكريم.
المحاضرة :
ظهرت المواطنة كرؤية سياسية تركز عليها الاهتمام بعد تراجع خطاب الرومنسي الثوري إلى خطاب يحاكي الواقع , واستندت المواطنة على أن البشر وإن اختلفوا يتوجب التعامل معهم بعدالة لا تمايز أو تمييز فيها ، وبما أن المواطنة تشكل الأساس لأي تنظيم سياسي ، مما يتطلب وجود الحوار بين المواطنين المختلفين ويتحول إلى ممارسة يومية ، وهذا يفترض أن يكون المواطن ناقداً ، كما تفترض أن تحل الصراعات خارج طاولة الحوار إلى عملية تنظيم المظاهرات والإضرابات وشتى أشكال الاعتراض .. ويجب التنويه إلى أن المواطنة كانت ثمرة كفاح الشعوب ونتيجة لكفاحهم في أمريكا مثلاً تم إلغاء العبودية بين عنصري البيض والسود .
فالمدنية في أوروبا اعتبرت المواطن عضو في جماعة من المواطنين الأحرار الذين يكونون المدينة ، وعبر التسلسل التاريخي أنتج الفلاسفة اليونانيين فكرة القانون وقوانين المدينة كسلطة ٱمرة لكنها بقيت اسيرة التصور العرقي الأثني أو الطبقي .. واقتصر النشاط السياسي على أكثر الطبقات ثراء ، دون العبيد ، وعبر التطور بدأت تنشأ أفكار حول مسألة الحقوق والواجبات ، وظهر مرسوم ” كركلا ” الذي منح المواطنة للرجال الأحرار .. ثم اشتد فيما بعد الصراع بين الأرستقراطية العسكرية وكبار الملاك .
وترافق نشوء الدولة القومية مع الثورات البرجوازية والتي تأسست على القانون الروماني الذي تعاطى مع البذور الأولية للعقد الاجتماعي .. ثم في القرن الثامن عشر بدأت بدايات تكوين المعرفة الإنسانية ومحاولات السيطرة على الطبيعة ، وظهور مجموعة التجار ومديري الطبقة الوسطى ومبادرين اقتصاديين ، ورجال أعمال .. وجاءت الثورة الصناعية كمتمم للنهوض العالي .. مع الإشارة إلى أن البرجوازي الليبرالي الكلاسيكي لم يكن ديمقراطي لكنه مؤمناً بالدستورية ، وحكومة دافعي الضرائب والتعبير عن المصالح الطبقية ، والانتقال بالشعب إلى مشروع أمة . فالدولة القومية أنتجتها الثورات البرجوازية وجاءت حصيلة صراعات طويلة عبر حواملها من مجموع البرجوازية والفلاحين والشغيلة ، وضمن الصراعات ظهر الصراع الكنسي بين الكاثوليكية والبروتستانتية ، وعلى خلفية الصراع انطلقت فكرة العلمانية كتمهيد لتشكيل الرؤية الجمعية الأوروبية أضيفت إليها مسارات متباينة حول حدود الدولة ، التجانس المجتمعي ، تقسيم العمل ، تعزيز وسائل الاتصال ، في ظل اشتباك فكري وسياسي لاقتراح الحلول لتلك المسارات ، ثم ظهر الانقسام بين مفهوم الأكثرية والأقلية .. ثم تكون مفهوم الشرعية والممارسة الديمقراطية وامتدادها في أوربا وأمريكا وغيرها من الدول .
بدأت العولمة صعودها بتحرير الفاعلين والشركات الكبرى من القيود وتأسيس شراكات اقتصادية عابرة للقارات ، وتخفيض الرسوم الجمركية ، أنتجت الاتحاد الأوروبي وتوحيد العملة ووضع أسس وطنية جديدة .. حفزت القاعدة المادية الواسعة إلى مايعرف بالوطنية الدستورية بوصفها تطبيقاً مدنياًً منفصلاً عن الدولة القومية ، ونقد فكرة الدولة العسكرية التي أنتجت الإبادة واللاجئين التي خلفتها الحروب ، مع الظهور الواضح لثنائية الخطاب السياسي وخاصة في أمريكا . أمام هذا التقدم ، جاء الفشل الذريع في الضفة الشرقية الأوروبية بتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط مشروعه .. وهنا يجب التأكيد على تناقضية العولمة التي أنتجت الحروب والتفكك والأزمات في عالم لا مخرج له إلا بتجاوز الحروب والعمل على العدالة والحرية والمساواة والعدالة الإنسانية ….
مداخلات وأسئلة الحضور :
الأستاذ مروان قواس
لم نعش الثورة الفرنسية ولا الثورة البلشفية ، ولكننا عشنا الثورة السورية الحديثة ، المواطنة كانت القاسم المشترك في أغلب البيانات في سورية ، كلنا ننتظر المواطنة لكن الطريق مظلم أمامها عثرات كثيرة ، ما مفهوم المواطنة ؟ .. حرمنا من تكافؤ الفرص ، وسيادة القانون ، حرمنا من حقنا كبشر في الحياة ، ماهو المطلوب منا كشعب ؟ وما هو المطلوب من السلطة الحالية حتى تحقق المواطنة ؟ والمسافة بعيدة.
المحامي محمد علي صايغ
كنت أتمنى أن تخرج المحاضرة عن السردية التاريخية ، وتتناول مفهوم المواطنة ومعيقاتها وٱليات العمل عليها .. ولتعميق المحاضرة أرى أن المواطنة ترتكز على ثلاثة ركائز ، وأربعة خصائص :
الركيزة الأولى وحدة الدولة الجغرافية والسياسية ، فلا مواطنة والدولة تحت الاحتلال ، ولا مواطنة في ظل الصراعات والحروب الداخلية ومناطق الأمر الواقع ، ولا بد من إجماع المواطنين على وحدة السلطة المنتخبة كركن من أركان الدولة .
والركيزة الثانية حيادية الدولة تجاه الأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات تحت شعار الدين لله والوطن للجميع ، ولا بد من إجماع جمعي تجاه الهوية الوطنية التي ترسخ وحدة الدولة .
والركيزة الثالثة الديمقراطية . فلا ديمقراطية مع نظم الاستبداد الذي يفرض بالقوة تحويل البشر إلى رعايا ويقودهم بعقلية القطيع ، وفي ظل الاستبداد لا يمكن أن تزهر المواطنة ، والديمقراطية تقليب للأرض لإثمار وإزهار وازدهار المواطنة .
أما خصائص المواطنة فهي :،
١- شاملة لكل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية
٢- متكاملة غير قابلة للتجزئة ولا تخضع لأولوية تفضيلية لحق على ٱخر
٣- إنسانية وتشمل جميع البشر أينما وجدوا في الدولة
٤- متساوية لا تقبل التمييز بسبب العرق أو الدين أو المعتقد أو الاختلاف الطائفي أو الإثني .
الاستاذ محمود ميلاجي
السرد التاريخي نحن بعيدين عنه ، نحن لم نخض الثورات الأوربية ، وليس عندنا رصيد للمواطنة ، المواطنة نبل وكرامة ، لدينا امير مستبد ومواطن ليس له حرية وكرامة ، نحن لم نؤسس للمواطن بما له علاقة بالمواطنة ، حتى بفترة الخمسينيات لم تكن المواطنة مواطنة ، نحن لا نشعر بالمواطنة ولا جزء منها في حياتنا ، الحديث بحرية اليوم مع بعضنا وحوارنا لا يعني الشعور بالمواطنة .
الاستاذ هاشم مسطو
في الحاضر المطروح على بلدنا والمنطقة مشروعين : الفوضى ووراءها الكيان الصهيوني ومعه بعض النخب في الغرب ، هذا الوضع قد يمتد على كل المنطقة ، أو أمامنا السلام والتطبيع والرضوخ للشروط الاسرائيلية .. أستمرار دولنا رهن بوحدة الشعب السوري باتجاه سورية الجديدة المستقرة بما ينعكس ذلك على كامل المنطقة .
عصام عزوز
تفاجات بالسردية الأوربية ، وعدم المرور على الحالة السورية إلا ببعض جمل ، الحديث عن الحقبة اليونانية ما تلاها ، كان من الواجب الحديث عن ماقبل الحقبة اليونانية ، ولنا تاريخنا وحقبتنا ، اليونان أخذت من تاريخنا ، واليونان لم تعطي الجنسية لأي كان ، بإمكاننا أن نستند على المواطنة التي تتأسس على ثقافة المساواة بين أبناء الشعب ، وهذا يؤدي إلى بناء الشخصية الوطنية للشعب استناداً للإرث الوطني ، ونحن لسنا مقطوعين من شجرة . لدينا ” إيبلا ” وشعبها الذي عمل الفلسفة الرواقية ، وعندنا ” وثيقة المدينة ” يمكن الاستناد إليها وبعثها من جديد ، نحن يلزمنا دولة وطنية وشخصية وطنية واحدة موحدة ، ودولة تحمي هذه الشخصية .
د. كنان سمعان
علينا أن نقرأ قراءة تاريخية ونعتبر منها سلباً أو إيجاباً على أن لا نقف عندها لأن المفاهيم تتطور . مفهوم المواطنة غائم ومتطور ، علينا قراءته اليوم بعد ظهور الدول والحربين العالميتين ونشوء الدول القومية ، بهذا الزمن يجب التركيز على مفهوم المرتكزات ، هل هو مفهوم حقوق وواجبات ، أم سيادة القانون على الجميع ام كليهما ، أم هل المكمل لهما الكرامة والإنسانية ..
الإشكال في واقعنا كيف نبني المواطن ، هل المواطن كفرد أم جماعة ، هل المواطنة كانتماءات أي تستند إلى التعددية السياسية أم إلى التنوع الإثني والطائفي .. ما المنظومة أو الصيغة الجديدة للسلطة التي ترى الشعب جماعات وليس أفراد .. المواطنة تستند للفرد كأساس لتكوين الجماعة والتفكير بأضعف فرد اللامنتمي للجماعة الذي من حقه أن يشعر بكرامته .مصطلح الدين لله والدولة للجميع يجب تجاوزه والانتقال من عقلية الجماعة إلى الأفراد .. وعلى ذلك من حق الفرد أن يكون له دين وأن لا يكون له دين ، يجب التركيز على أن سورية وطن نهائي لكل المواطنين في حدود الجغرافيا لا ننظر فوقها إلى الدولة القومية ولا تحتها إلى الجماعات والكيانات الصغيرة .. هل هذا الإسقاط يسقط مفهوم الدولة الشمولية التي أنتجت الاستبداد وكانت في مواجهة المواطنة …
الأستاذة شعلة خروف
اوربا كانت عبر تاريخها مصدر إشعاع وتقدم . في شعوبنا لم يكن هناك ” زلم ” رجال … سردية المحاضرة بإمكاننا قراءتها من العم ” غوغل ” .. حضرت لقاءات مع أوربيين وقالوا أعطيناكم فلوس ، وأمضيتم الوقت ” حكي بحكي ” أي بالكلام فقط .
افضل استثمار بالحياة استثمار الوقت ، وهذا ما فعلته الشعوب المتحضرة ، أن تكون تعبد الله أو تعبد الحجر فلا تظلم أخوك الإنسان ، وعندما ننظم علاقاتنا ببعض فهذه هي المواطنة . هل يمكن التقدم لأهل السلطة والحكم لتفسير ” من يغلب يحكم ” وهل يمكن نحن أن نتوصل إلى مخرجات بعد المحاضرة ونرفعها لأصحاب القرار من أجل الاطلاع عليها والنظر فيها .. من لا يعمل على أرض الواقع فإن أي تنظير لا يفيد شيئاً ، أوربا والعالم استفادوا من الوقت واستثمروه ونحن ننتظر ..
الاستاذ عادل خالدي
المواطنة في أوربا مستقرة ، وفي وطننا غائمة وغير محددة ، المواطنة لا تتحدد إلا بدولة مركزية ديمقراطية ، ولا توجد مواطنة في دولة الاستبداد ، الشرط الأول أن تتوفر شروط الدولة الديمقراطية التي تهتم بكافة مواطنيها مهما كان انتمائهم ، المواطنة المتساوية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية ، والمواطنة المتساوية لا تتحقق إلا بدستور وقانون يؤكد الأحقية للمواطنين ويفرض واجبات وحقوق المواطن .
الاستاذ ياسر ملا حسن
المحاضر أراد بسرديته إلى عدم التطرق إلى المسكوت عنه ، وهرب ، يجب التحدث عن الواقع كما هو بصراحة ، هناك في السنوات الماضية من يردد بأن العرب ما بيستاهلوا الديمقراطية وهم استثناء عن باقي الدول .. والغرب عبث بثورات الربيع العربي من أجل منع الانتقال إلى الديمقراطية . كنت أتمنى التعرض إلى ” وثيقة المدينة ” إحدى مرتكزات في تاريخنا . يجب أن نخرج بتوصيات نحملها للشارع بخصوص المواطنة ونضع أيدينا في مواجهة الاستبداد .
الاستاذ ابراهيم فاعور
استمعنا إلى سردية تاريخية .. كيف سنوظف ما قلناه اليوم لبناء سورية الجديدة .. المواطنة انتماء صادق للوطن بغض النظر عن الانتماء الفكري والسياسي والمناطقي .. التحدث عن الدولة القومية نحن بحاجة لأسس هذه الدولة ، ونحن لا نملك في الوطن العربي أسس الدولة القومية .. استطاعت أمريكا أن تفرض العولمة ونحن نتمثلها وليس بأيدينا إلا أن نتمثلها .. نحن بحاجة إلى تعددية ديمقراطية قبل أي شيء ٱخر
د. علاء الدين زيات
نحن شهود ترييف المدينة ، والمدينة غادرت المدينة . عشنا مرحلة الدولة القومية ، ودخلنا في صراع والانكفاء على الماركسي أو القومي أو الإسلامي ، لم تتعزز أي اتجاه بالمعطى الحقيقي .. العولمة استوردنا أسوأ منتجاتها ، لأننا دولة نبحث عن دولة .كيف يمكن أن تخرج سورية من جميع المخاطر ( وأولها العنف ) والانتقال إلى البيئة الٱمنة والمحايدة . بدنا مواطنة تصنع ديمقراطية أو ديمقراطية تحقق المواطنة . المدينة والقومية والعولمة ثالوث هش .. كيف نصل إلى البيئة الٱمنة والعادلة .. الناس تنتظر الحلول لواقعها ، والتقدم للأمام .
وفي الختام لا بد من شكر المحاضر وشكر الحضور على تفاعلهم .. لكن لا بد من إبداء تقييمي الشخصي للمحاضرة وتسجيل الملاحظات التالية :
١- المحاضرة سردية للتاريخ بامتياز ، وكانت مداخلات الحضور مهمة جداً في إثراء المحاضرة وأغنائها للأبعاد الأخرى .
٢- بالرغم من محاولة المحاضر القول بأن المحاضرة اتخذت اتجاه يبتعد عن التعريف بالمواطنة باعتبار المواطنة عبر تاريخها حصل فيها تغير في المفهوم ، وتطور في المضمون ، وهي مصطلح يمكن النظر إليه من زوايا مختلفة ، لكنه أراد من السرد التاريخي إعطاء ملامح لتطور مفهوم المواطنة ، إلا أن هذا التبرير لم يقنع الحضور بدليل إصرارهم في مداخلاتهم التركيز على المفهوم وانعكاسه على واقع دولتنا ومجتمعنا اليوم
٣- كانت أجوبة المحاضر في الرد على مداخلات الحضور أيضاً مغرقة بالسردية التاريخية
٤- كان الاتجاه العام للحضور بأن السردية التاريخية يمكن الوصول إليها عن طريق ال ” غوغل ” ، بينما كانوا يتوقعون أن تكون المحاضرة تحاكي واقعنا اليوم بعد أزمات وحروب امتدت لأربعة عشر عاماً لنصل اليوم إلى مفصل تاريخي جديد في ظل صراعات سياسية واجتماعية معلنة وخفية خلال أكثر من عقد من الزمان .. ليصل الشعب السوري اليوم إلى لحظة تاريخية فارقة وضبابية وغير واضحة المعالم نحو المستقبل ، لذلك كانوا يتوقعون محاضرة تستشرف – على الأقل معرفياً – ٱفاق المستقبل .
١٦ / ٥ / ٢٠٢٥