لم يمض سوى يوم واحد على استئناف سير الدوريات الروسية – التركية على الطريق الدولي حلب – دمشق “أم 4” المار من إدلب شمالي غرب سورية، والذي اعتبر مؤشراً على عودة التفاهم بين الجانبين الروسي والتركي بعد توتر عسكري على الأرض خلال فترة توقف الدوريات التي استمرت حوالي 20 يوماً، حتى عادت موسكو مساء أول من أمس الخميس لتعلن تعليق سير هذه الدوريات من قبلها، ما تبعه تصعيد جديد من قوات النظام. ومن شأن هذه الخطوة أن تفتح باب التكهن حول عودة الخلاف بين أنقرة وموسكو حول إدلب، وربما ملفات أخرى باتت توضع في حزمة أو سلّة واحدة على طاولة التفاوض بين الروس والأتراك.
وخلال إحاطة لها مساء الخميس، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قرار بلادها وقف مشاركتها بتسيير دوريات مع تركيا على طريق حلب – اللاذقية الدولي المعروف بـ”أم 4″، شمالي سورية. وأرجعت المتحدثة الروسية القرار إلى ازدياد هجمات من سمّتهم بالمسلحين ضد مواقع قوات النظام، ومواصلة استفزازاتهم قرب الطريق المذكور، حسب قولها. واتهمت زاخاروفا الفصائل في إدلب بشنّ هجوم بالطيران المسيّر على قاعدة “حميميم” الروسية في ريف اللاذقية، مضيفةً أن “المحاولات المستمرة لمهاجمة القاعدة الروسية في حميميم تثير القلق بشكل خاص”. واعتبرت أن “تحقيق استقرارٍ دائم في منطقة خفض التصعيد في إدلب ممكن فقط، إذا تمّ تحييد الإرهابيين”.
وبعد ساعات قليلة من الإعلان الروسي، عادت قوات النظام أمس الجمعة، لتنفيذ عمليات الاختراق والتسلسل، لكن هذه المرة عبر محور جديد بريف حلب الشرقي، في حين عادت المدفعية الثقيلة وراجمات النظام لتقصف المناطق المأهولة والقريبة من خطوط التماس جنوبي إدلب. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، إن مجموعة من قوات النظام حاولت فجر أمس التسلل الى نقاط “الجيش الوطني” (قوات المعارضة) الحليف لتركيا في قرية حزوان غرب مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي الخاضعة لنفوذ تركيا وسيطرة فصائل المعارضة، التي “تصدت لها وأوقعت عناصرها بين قتيل وجريح”.
وفي محافظة إدلب، جددت قوات النظام قصفها الصاروخي والمدفعي على مناطق عدة في ريف المحافظة الجنوبي، مستهدفة بشكل خاص بلدات الفطيرة وكنصفرة وسفوهن ومجدليا وبينين والرويحة وكفرعويد بجبل الزاوية، في حين استهدفت الفصائل مواقع لقوات النظام والمليشيات الموالية لها في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي. وكانت قوات النظام قصفت الليلة قبل الماضية قريتي الرويحة وبينين في ريف إدلب الجنوبي، فيما استهدفت فصائل المعارضة قوات النظام في تلّة رشو بجبل الأكراد شمال اللاذقية.
وتأتي هذه التطورات على الرغم من استمرار سريان اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، المبرم بين روسيا وتركيا في 5 مارس/آذار الماضي، الذي أوقف العملية العسكرية التي شنّتها تركيا وفصائل المعارضة ضد قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها. ونصّ الاتفاق أيضاً على تسيير دوريات على طول المسافة التي تقطع إدلب من الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4″، من بلدة ترمبة بريف إدلب الشرقي، وحتى حور عين بريف اللاذقية الشرقي. وكانت الدورية رقم 23 بين الجيشين الروسي والتركي، قد سارت على الطريق المذكور صباح يوم الأربعاء الماضي، بعد حوالي 20 يوماً من توقف سير الدوريات، قبل إعلان الروس تعليق مشاركتهم بالدوريات أول من أمس.
وبناءً على هذه المعطيات، المتمثلة بتصعيد قوات النظام على الأرض وتعليق الروس المشاركة في الدوريات، بات من الواضح أن موسكو تستخدم مشاركتها في الدوريات المشتركة أو عدمها، لتمرير رسائل رضاها أو غضبها من سير العلاقة مع أنقرة، سواء في إدلب أو غيرها، إذ سبق تسيير الدورية الأخيرة اتهام روسي غير مباشر لأنقرة بإعاقة عمل الدوريات قبل العودة للمشاركة بها، ما أشار إلى خلاف روسي – تركي جرى تجاوزه، قبل أن يعود مجدداً كما يبدو.
يجدر الذكر أنه لا يمكن فصل الملفين الليبي عن السوري بشكل عام في ميزان تحسن العلاقة بين روسيا وتركيا أو سوئها، وربما يعد إعلان زاخاروفا في الإحاطة ذاتها، عن مفاوضات لبلادها مع تركيا بشأن الأزمة الليبية ستقام إما خلال أغسطس/آب الحالي أو في سبتمبر/أيلول المقبل، تفسيراً للقرار الروسي بتعليق الدوريات في إدلب. ولطالما عمدت موسكو إلى محاولة تحصيل مكاسب لها في سورية من خلال الملف الليبي، أو العكس.
وكان مصدر سياسي تركي قد أشار في وقت سابق في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى إمكانية إجراء مفاوضات جديدة بين وفود تركية وأخرى روسية بما يخص إدلب، لاسيما بعد تدهور الوضعين الميداني والعسكري في المحافظة، ما أنذر بانهيار وقف إطلاق النار الهش أساساً. ولفت المصدر حينها، إلى أن روسيا تستخدم الملف الليبي للضغط على تركيا في إدلب، في حين لجأت أنقرة لإظهار قوتها في إدلب من خلال الدفع بالمزيد من التعزيزات إلى نقاط التماس والاشتباك مع قوات النظام، بالإضافة للرد المدفعي على قصف قوات النظام لبلدات ومواقع لا تزال تحت سيطرة المعارضة السورية في إدلب.
ويعد التصعيد الأخطر من قبل قوات النظام خلال الأيام الماضية، محاولة من تلك القوات إلى جانب المليشيات المتحالفة معها، ولا سيما المحسوبة على إيران، إحداث اختراق على جبهة ريف اللاذقية الشرقي، التابع لـ”منطقة خفض التصعيد” (إدلب ومحيطها)، وتحديداً عند محاور في جبل الأكراد. ويشير ذلك إلى محاولة النظام الالتفاف على إدلب انطلاقاً من ريف اللاذقية، إلا أن تركيا ردت على تلك المحاولات التي صدها مقاتلو المعارضة، بإنشاء نقطة انتشار إضافية عند محور الحدادة وتلّة الراقم بجبل الأكراد، الذي حاول النظام التقدم من خلاله.
ومنذ توقيع اتفاق وقف النار بين تركيا وروسيا في مارس/آذار الماضي، يتوقع محللون ومتابعون انهياره في أي وقت، نظراً لغموضه وهشاشته، وعدم رغبة النظام وحتى روسيا والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه، بالمضي قدماً في تعزيز صموده، وإظهار النية في قضم مساحات جديدة في إدلب. ورأى مراقبون أن القرار الروسي الخميس، قد يكون مقدمة لجولة تصعيد محتملة جديدة في المنطقة، لاسيما مع تحشيد النظام والمليشيات الحليفة.
المصدر: العربي الجديد