امرأةٌ تولدُ خديجةً فتسبقُ ضوءَ النجوم

المثنى الشيخ عطية

امرأةٌ تولدُ خديجةً
فتسبقُ ضوءَ النجوم
المثنى الشيخ عطية
سابقتْ ضوء النجوم ونالتْ
صولجانَ الولادة مضيئاً بحجرٍ أسود
تفتّح وردةً فامتلك سرّ سطوة جاذبية الأرض
وقفتْ مرتفعةً كما غُرنوقٍ على سوْر بوّابتها
محروسةً بثيران مجنّحة
ووقف الزمن الخديجُ عاشقاً أمامَها
فاحتضنتْه ابناً لها
هكذا دلّها هديلُ حمامةٍ وقفتْ بين أكتافِها
وفتحتْ جناحيْها لتمنحَها لقبَ
سيّدة القمر…

بنور قمرِها تعلو
بنور قمرها تهفو لها القلوبُ خفّاقةً
بنور قمرها تكشفُ تلامعَ خوذ المجنّدين للقتل
في نسيج ثوب الكعبة
فتفتحُ صدرها أماً للإنسان
تحتضنُ خديجَها من دون إيمانٍ بغير «دين الحبّ»
تصيبُه بعدوى انتهاء الزمن وتطْلِقُه
في يباب مكّةَ صادقاً أميناً
تنمو في راحتيه جناتٌ تجري من تحتها الأنهار
أحْضَرَ بذارَها لها من الشام
تًكملُ نقصَه بشمسٍ في يمينه وقمرٍ في يساره
وتثبِّتهُ محوراً لدوران قبلاتِ الليل والنهار
تفتحُ صدره ملاذاً للمشرّدين
سماءً مفتوحةً للمستعبَدين
نوراً هادياً للحالمين
وأوديةً للشعراءِ أنّى شاءوا فيها يهيمون
تزمّله بعباءة الثقة حين تهاجمه وساوس الضَّعف
عن هزّ أركان الامبراطوريات
تسوّر «شِعْب» حصارِه بأحلامِ الحرية والكرامة
تزوّده بأجنحةِ التحليق كما النسور في المظاهرات
تدفعه لتهريب الحليب إلى الأطفال المحاصرين
في «شِعب» درعا
تبكيهِ دماً وشقائقَ نعمانَ حين يقطعُ المسوخ حبلَ ربيعه
على الأبواب
تَنزل سبعَ طبقاتٍ من الجحيم لإعادةِ إزهار جِنانه
تُديرُ أعتاب حناجر غنائه على قلبها
ناعورةً ترفع الماء إلى سماءِ حدائق بابل
حين يجتثّون حنجرتَهُ على شاطئ العاصي
تُنزلهُ «غيثاً» يسدّ وَرْدُ مائه فوهات البنادق في داريّا
و»تبسطُه» عريساً للأرض على دقّات ساعةِ حمص
حينَ يأتيها شهيداً تحتَ النار والرصاص…

في دوران أفلاك سرقةِ صولجانها
من لصوص مجالس الدين
يقيّدون خديجَها بسلاسل حقوقُ الوصاية
يتناتفون ريشَه مِزَقاً يصنعونَ منها سكاكين
يخبّئونها في لُحاهم
يشهرونَها عليها وهي تعمل ناشطةً لحقوق الإنسان
في مخيّمات اللجوء
يُذكِّرونها أنّها الخديجةُ ناقصةُ العقلِ والدين
ينسونَ أنها الخديجةُ سابقةُ ضوءِ النجوم
في تشابكات الكون
فتستعيد ذاكرةَ كونِها أمّ الكون
سيّدة قوافل المعرفة إلى المجرّات
من دون رقيبٍ ولا حسيبٍ يُثقل أكتافَها
بصخرة تساؤلات جدوى أدعية انتظار ما لا يأتي
تُقلّب أوراقَ التوكيلات والتنازلات التي راكمتْها
هيئاتُ الحَسَبة
موقَّعةً بدمها على صلبان الإذعان
تفتحُ شرايينها سوَاقٍ تُغرق قاتليها بعار غسل العار
تُلقي بصحف تزويرها في نارِ جسدها
تُطهّره مستعيدةً لقبَ «الطاهرة» من إيمانِهم برِجْسِهم
تُنزِل خديجها الذي تناتفوه
ووزّعوا دمَه بين القبائل القاتلة من أنيابهم
إلى أحضان الريح
تمشي ضوءً إلى غدِها
تُبرق بأسرعِ من الضوء
إلى مصبِّ الضوءِ
وتلقي بظلّها الطويل على الكائنات…
16 حزيران 2022

ــ خديجة وخديج: الكائن الذي يولد قبل أن يكتمل للولادة في أوانه، وتسمّى الفتاة عادةً خديجة، في حين أن الذكر الخديجَ لا يسّمى بذلك. لكن اسم خديجةَ أصبح اسماً مباركاً حتى للإناث المولودات مكتملاتٍ، تمثلّاً بالسيدة خديجة بنت خويلد الملقبة بـ»الطاهرة»، زوجة النبي محمد الأولى ووالدة أبنائه.
ــ ترد إشارات إلى ضحايا نظام بشار الأسد، من بين من اعتُبروا رموزاً للثورة السورية: حمزة الخطيب، إبراهيم القاشوش، غياث مطر، وعبد الباسط الساروت.
ــ ترد إشارة إلى تحريض الشيخ أسامة الرفاعي رئيس المجلس الإسلامي السوري في خطبة علنية بالمناطق المحرّرة، على ناشطات
حقوق الإنسان بوصفه لهن أنهن: «مجنّدات من الأمم المتحدة وغيرها، يأتون لينشروا بين فتياتنا خاصة بما يسمونه تحرير المرأة والجندر، ويقولون لنسائنا أنكن مستعبدات لهذا الزوج أو الأب أو الأخ الكبير، إياك أن تسمعي الكلام وتطيعي أمره.». وهو ما يصل إلى خطورة تعرضهن للقتل في منطقة يسيطر عليها المتطرفون الإسلاميون.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى