تهجير واعتداءات وتوسيع المستوطنات.. هكذا ضمت إسرائيل الضفة الغربية فعلياً

بيروت حمود

اكتسحت شوارع الضفة الغربية المحتلة، في الآونة الأخيرة، لافتات يخال للمرء على أثرها وكأن إسرائيل على مقربة من الانتخابات. بين هذه اللافتات صورٌ لوزير الماليّة، بتسلئيل سموتريتش، ذُيّلت بعبارة “سعيدون بنبأ تسوية وضع مستوطنة أفيتار”، وإلى جانبها شعار “الثورة الاستيطانية 2025″، وبطبيعة الحال تأتي اللافتات أيضاً على ذكر حزب الصهيونية الدينية الذي يقوده سموتريتش نفسه؛ فخلافاً لوعوده الفارغة في المجال الاقتصادي، تبدو حملة الوزير المتطرف لضم المستوطنات في الضفة الغربية واضحة من خلال تغيير الوقائع على الأرض.

مع تشكيل حكومة “المعسكر المؤمن” بقيادة بنيامين نتيناهو، نهاية العام 2022، أُنشئت “مديرية الاستيطان” في وزارة الأمن، بطلبٍ من سموتريتش الذي عُيّن أساساً وزيراً ثانياً في الوزارة. أمّا هدفه من إقامة هذه المديرية، فكان نقل إدارة الشؤون المدنيّة للمستوطنين من الجيش إلى جهة مدنية.

في هذا الإطار، تنقل صحيفة “هآرتس” في تقرير مطوّل عن مجموعة خبراء قانونيين إسرائيليين قولهم، إن مجرد إقامة “مديرية الاستيطان”، يشكل ضماً للضفة الغربية، مشيرةً إلى أنّ مسؤولين في “مديرية الاستيطان لا يخفون سعيهم إلى تنفيذ مخطط الضم على أرض الواقع”.

أمّا بالنسبة إلى الأهداف الكامنة وراء إقامة المديرية، فهي كما يشرحها رئيس طاقمها، يوني دانينو، في مقابلة مع الصحيفة ذاتها “أوّلاً جعل السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الضفة مثلما تتعامل مع النقب والجليل على مستوى التطوير ورصد الموارد”. أما الهدف الثاني، فيتمثل في “فرض السيادة على يهودا والسامرة”، في إشارة إلى الاسم التوراتي للضفة.

مسألة السيادة برمتها تحتاج بطبيعة الحال إلى تشريعات قانونية في الكنيست، بحسب دانينو، مشيراً إلى أنه “بينما ليست لدينا (المديرية) القوّة لفعل ذلك، لدينا قوّة لدفع الوضع من الناحية المهنية إلى أقرب نقطة تسمح بذلك”. ويوضح أنه “كلما نجحت المديرية بفرض حقائق ميدانية، من خلال خطوات تنظيمية حكومية منتظمة، كإقامة منطقة صناعية أخرى وبيت آخر وشق شارع آخر.. ستنضج الأمور وعندها وستكون هناك قدرة على فرض السيادة بشكل أفضل. وفرض السيادة ليس قراراً سأتخذه أنا، وإنما بمقدوري أن أنشئ واقعاً سيادياً فعلياً”.

ولتحقيق رؤيته، يوضح دانينو أنه بالإمكان خلق ظروف تؤدي إلى الضم إذا أنشأت الدولة شوارع في الضفة الغربية يستخدمها سكان المركز (منطقة تل أبيب)؛ حيث تمدها بالطاقة، وتقيم فيها أيضاً منشآت طاقة شمسية. وتفسيراً لما تقدم، يقول إنه “أن نخلق وضعاً يسافر فيه جميع سكان وسط البلاد إلى هضبة الجولان عن طريق يهودا والسامرة، لأن وايز (تطبيق خرائط الطرق) سيوجههم للسفر في شارع 90 (شارع يربط بين المطلة شمالاً، وإيلات جنوباً) وشارع 5 (عابر السامرة الذي يصل بين تل أبيب والضفة) مع جسور ومن دون ازدحامات مرورية، فإن هذا سيؤدي إلى سيادة في نهاية الأمر”.

أمّا الأمر الآخر الذي يُعبد الطريق أمام الضم وفرض السيادة فهو إذا “كانت 20% من الطاقة المنتجة في إسرائيل في يهودا والسامرة، فمنها سننتج طاقة شمسية وطاقات متجددة، وهذا ما سيخلق السيادة”، وفقاً لدانينو.

وحول التغييرات التي طاولت حياة المستوطنين للأفضل منذ إنشاء هذه المديرية يختصر دانينو الأمر بأنها “انقلبت 180 درجة”. ويضيف أن المستوطنين “يخضعون للحاكم، وهو الجنرال من الناحية القانونية (آفي بلوط، قائد القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي)، لكن المواطنين هم الذين يسيرون الوضع، وليس الأشخاص الذين يديرون الأمور بناءً لاعتبارات أمنية. فإذا تقرر بناء شرفة في (مستوطنة) بيت إيل، لا يتم التعامل مع تأثيرات ذلك على الوضع الأمني في رام الله. بإمكان الجيش أن يقدم ملاحظات لكنه لا يدير عملية بناء كهذه”.

رئيس المديرية يوضح أن “الدافعية لإقامة مستوطنات ارتفعت جداً في فترة الحكومة الحالية”، وبحسبه فإنه “منذ سنوات طويلة لم تُقم مستوطنات في يهودا والسامرة. وخلال ولاية هذه الحكومة أقيمت 28 مستوطنة جديدة بشكل رسمي، وهذه ليست بؤراً استيطانية عشوائية”، عاداً ما سبق “زيادة دراماتيكية في النسب المئوية”.

ويؤكد دانينو أن هذه التغييرات عبارة عن “إجراءات حكومية ممتازة. فإذا رُصدت ميزانية طرق، يعني أنه قد وافق عليها قسم الميزانية والمحاسب العام في وزارة النقل. وإذا كانت هناك موافقة على وحدة سكنية، فهي تمر عبر الوحدة القانونية في وزارتيّ الأمن والقضاء ومكتب التخطيط. لماذا يبدو هذا مفاجئاً؟ لأنه ببساطة لم يحدث في الماضي. ولكن إذا قارناه بأماكن أخرى في البلاد غير يهودا والسامرة، فلا يوجد شيء غير عادي هنا”، في إشارة إلى أنّ المستوطنات تُعامل اليوم معاملة بقية المدن داخل الخط الأخضر.

التصاعد المرتفع في نطاق البناء الاستيطاني، يظهر كذلك في بيانات التي استعرضتها حركة “سلام الآن” عبر الصحيفة، والتي تستند إلى معطيات المجلس الأعلى للتخطيط؛ وتُظهر أنه “في عام 2022 صُدّق على 4427 خطة بناء في جميع أنحاء الضفة الغربية، ليرتفع عددها في عام 2023 إلى 12349. وبعد انخفاضها إلى 9,971 في العام 2024، فإنه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2025 صُدق على 14,335 مخططاً للبناء الاستيطاني في الضفة”.

وتعليقاً على هذه الأرقام، تقول الناشطة في “السلام الآن”، حاغيت عوفران، إنه “بينما تنشغل دولة كاملة بالدفاع عن المخطوفين، وبالحرب، وبمعارضة الانقلاب القضائي، تستغل حكومة نتنياهو-سموتريتش نفوذها لتحقيق أوهام اليمين المسياني ودفع الوضع السياسي والأمني ​​في إسرائيل إلى حافة الهاوية”، معتبرةً أن “إجراءات الضم التي تعتمدها الحكومة لا تضر بالأمن على المدى القريب فحسب، بل تُوجه ضربة قاضية لإمكانية إعادة تأهيل إسرائيل وبناء مستقبل يسوده السلام والأمن، مع دولتين لشعبين. وحدها التسوية السياسية هي التي تضمن الأمن ومستقبلاً أفضل لإسرائيل”، على حد تعبيرها.

أمّا المديرة التنفيذية لمنظمة “يش دين” الحقوقية، زيف شتيهل، فاعتبرت أن “الضم لا يزحف ولا يُسرّع، وإنما بات تحصيلاً حاصلاً. وعدا أن هذا انتهاك للقاعدة الأساسية للقانون الدولي، التي تحظر الضم، فإن ثمة تأثيرا دراماتيكيا على أي جانب في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهم ثلاثة ملايين نسمة ليسوا مواطنين، ويجدون أنفسهم في مكانة رعايا بلا حقوق، ويخضعون لرحمة حكومة ليس لديهم أي إمكانية للتأثير عليها”.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني لدى فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، أعلن سموتريتش أن “ترامب يجلب معه فرصة مهمة؛ حيث سيكون عام 2025 هو عام السيادة على يهودا والسامرة“. وخلال الدورة الشتوية الأخيرة للكنيست برزت بشكل خاص محاولات أعضاء الإتلاف لدفع قوانين تغيّر وجه الضفة، وقد حظيت بقرارات حكومية داعمة تجاهلت السكان الفلسطينيين، والقانون الدولي، وفق الصحيفة.

هكذا على سبيل المثال، بدء من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، فرض وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، يتسحاق غولدكنوبف، مرسوم قوانين التجديد العمراني الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، التي تمنح مقاولي البناء منافع كبيرة جداً، وذلك بهدف بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات بإجراءات سريعة. وتشمل هذه المنافع إعفاءات في ضريبة التحسين وضريبة شراء أراضي وضريبة القيمة المضافة على البناء.

لم يمضِ وقت على ذلك، حتّى صدّق الكنيست في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون قدّمه عضو الكنيست، موشيه سولمون، من “الصهيونية الدينية”، يسهل على اليهود شراء أراض في الضفة، خلافاً للوضع القائم إلى الآن الذي يُمكن اليهود من شراء الأراضي من طريق الشركات فقط وليس بشكل شخصي. ويقترح مشروع القانون إلغاء القانون الأردني الذي يقضي بمنع تأجير وبيع عقار لمن هو ليس أردنياً أو فلسطينياً أو من أصول عربية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني صدّق الكنيست بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح للمحاكم العسكرية الإسرائيلية بفرض غرامات على مواطنين فلسطينيين لم يسددوا غرامات فرضتها محاكم عسكرية. وفي خطوة منفصلة، يروّج عضو الكنيست، عميت هليفي، لإنشاء إدارة تتولى التعامل مع الآثار في الضفة الغربية وتكون تابعة لوزارة التراث، بعدما قوبل مشروع قانون بادر به لتطبيق صلاحيات سلطة الآثار في الضفة الغربية بمعارضة من المستوى المهني والسلطة نفسها.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، صدّق الكنيست على اقتراح قانون آخر، بالقراءتين الثانية والثالثة، وينص على أن بإمكان السلطات المحلية في المستوطنات الحصول على قسم من الدخل من الضرائب في مناطق صناعية وتجارية استيطانية.

ويقضي مشروع قانون آخر باعتبار المستوطنات في جنوب جبل الخليل ومستوطنة “كريات أربع” في الخليل جزءاً من النقب، الأمر الذي سيمنح المستوطنين هناك ميزانيات من سلطة تطوير النقب. وصدّق الكنيست على مشروع القانون بالقراءة التمهيدية، في أيار/مايو الماضي، ونُقل إلى لجنة الاقتصاد في الكنيست من أجل إعداده للتصويت عليه بالقراءات التالية. وإثر ذلك أوعز رئيس اللجنة، دافيد بيطان، للمستشار القانوني للجنة بفحص كيفية دفع القانون بصيغة تلتف على القانون الدولي، لأنه أدرك أن سنه يستوجب “فرض السيادة الإسرائيلية” على الضفة.

وعلى الرغم من أن العمليات التشريعية لا تزال في بداياتها، فإن الميزانيات المخصصة للمستوطنات بدأت تتدفق بالفعل. فقد خصصت ميزانية الدولة لعامي 2024 و2025 مئات ملايين الشواكل للمستوطنات في الضفة الغربية، فضلاً عن الأموال الائتلافية. وبحسب معطيات “السلام الآن”، صدّقت لجنة المالية في الكنيست في يوليو/تموز من العام الماضي على إضافة 302 مليون شيكل إلى وزارة الاستيطان والمهمات القوميّة، وفي مارس/آذار عُدّلت مسوّدة ميزانية الوزارة حيث أضيفت 200 مليون شيكل أخرى.

وفي الإطار، تهزأ الصحيفة قائلةً إنه “إذا كان الحفل الذي قدمت فيه وزارة الاستيطان هذا الشهر مركبات “رينجر” للمستوطنين في تلال الخليل الجنوبية يبدو متواضعاً”، فإنه يتبين أنه “خُصصت 75 مليون شيكل إضافية لدعم الاحتياجات الأمنية لعام 2024 من ميزانية 2023”. وذلك من أجل “توفير الاستجابة للاحتياجات الإنسانية والأمنية في النقاط الاستيطانية في يهودا والسامرة”. وفي السياق، رفض مكتب وزيرة الاستيطان، أوريت ستروك، توضيح كيفية اختيار الفائزين بسيارات الدفع الرباعي (جرى توزيع سيارات دفع رباعي على المستوطنين في التلال)، بعدما طالبت الصحيفة بمعرفة ذلك.

المستوطنون ذراعاً يُمنى للدولة

خطوات الضم التي يروج لها الائتلاف تترافق مع خطوات واسعة النطاق لإفراغ المنطقة (ج) من الفلسطينيين واستيلاء المستوطنين عليها، وهو ما يخدم أهداف حكومة الاحتلال. والخطوة الأبرز في هذا الاستيلاء بحسب الصحيفة، هي طرد “المجتمعات الرعوية الصغيرة من المنطقة، والتي تعيش في كثير من الأحيان في خيام وتعتمد على رعي الأغنام أو الماشية”. وبحسب معطيات منظمة “كيرم نبوت”، قام المستوطنون منذ بداية الحرب بتهجير نحو 60 تجمعاً رعوياً فلسطينياً من المنطقة “ج”.

طبقاً للصحيفة، ثمة علاقة وثيقة بين تهجير التجمعات السكانية الفلسطينية والزيادة في عدد البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. وقد بدأت هذه المساعي تكتسب زخماً منذ نحو عقد، غير أنها وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ تشكيل الحكومة الحالية، وتعززت أكثر منذ بدء الحرب. وبحسب تقرير نشرته مؤخراً منظمتا “كيرم نافوت” و”السلام الآن”، فقد سيطرت البؤر الاستيطانية حتى اليوم على نحو 786 ألف دونم، أي ما يعادل نحو 14% من مساحة الضفة الغربية. وبحسب التقرير، فإن البؤر الاستيطانية سيطرت خلال العامين والنصف الماضيين على 70% من الأرض.

الفلسطينيون في هذه التجمعات لا يتركون أراضيهم من تلقاء أنفسهم، بل بسبب العنف والاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون بحقهم. وبحسب وكالة أوتشا، فإنه في السنتين الأخيرتين بات عنف المستوطنين العامل الرئيسي في تهجير الفلسطينيين من المنطقة (ج)، بعدما كان سبب التهجير في الماضي هو هدم المنازل بحجة عدم الترخيص. وبحسب معطيات نشرتها المنظمة في فبراير/شباط الماضي، فقد هُجّر عام 2023، 1600 فلسطيني من منازلهم بسبب عنف المستوطنين، مقارنة بـ300 فلسطيني هدمت الإدارة المدنية منازلهم. وفي عام 2024، هُجّر 620 فلسطينياً من منازلهم بسبب عنف المستوطنين، مقارنة بـ 370 فلسطينياً هُدمت منازلهم. وبحسب المنظمة، ارتفعت الاعتداءات العنفيّة ضد المجتمعات البدوية والرعوية الفلسطينية سبعة أضعاف بين عامي 2020 و2024.

كل ما تقدّم، يجري بينما تمتنع الأجهزة الأمنية وسلطات تطبيق القانون، من إنفاذ الأخير على المستوطنين المعتدين. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، اعتقل رئيس قسم الشاباك في الضفة الغربية أفيشاي معلم، المسؤول عن إنفاذ قانون على “الإرهاب القومي”، بعدما تجاهل عمداً معلومات استخباراتية سُلّمت للشرطة حول اليهود المشتبه بهم في ارتكاب أعمال إرهابية. وفي الوقت نفسه، أعلن يسرائيل كاتس، لدى تعيينه وزيراً للأمن، أنه ألغى الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين، وهي إحدى الأدوات الرئيسية التي عادة ما استخدمت لمنع الاعتداءات الإرهابية اليهودية على الفلسطينيين في الضفة.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى