
في ظل الهدوء الذي ساد الجبهة السورية الإسرائيلية طيلة عهد آل الأسد، لم يكن من المستغرب أن تناصب إسرائيل العداء السلطة الجديدة في دمشق. وفي حين يحاول الغرب تجاوز ماضي القيادة السورية لتطبيع العلاقات معها، تصر إسرائيل على استحضار هذا الماضي، ويبقى أحمد الشرع في إعلامها أبو محمد الجولاني. واعتبرت تل أبيب منذ البداية أن السلطة السورية الجديدة هي صنيعة تركيا كلياً، وأخذ إعلامها يتحدث عن بلوغ تركيا الحدود الإسرائيلية، وحتمية المجابهة المباشرة بين الدولتين. وفي إطار هذه المقاربة تبرر إسرائيل فرض سيطرتها على المنطقة المحايدة بين البلدين وصولاً إلى قمم جبل الشيخ واعتداءتها اليومية على قرى وبلدات الجنوب السوري، وكذلك الغارات الجوية على المواقع العسكرية السورية، بما فيها الغارات الأخيرة.
لكن عضو حلف الأطلسي، تركيا، ليست إيران، ومن الصعب على تل أبيب أن تبرر عدوانيتها حيال سلطة دمشق بالطموحات الإمبراطورية التركية، حتى إن تأكدت.
موقع وكالة الأنباء الإسرائيلية الناطقة بالروسية أيضاً Cursorinfo نشر في 3 الجاري نصاً تساءل فيه ما إن كان بوسع إسرائيل مجابهة تركيا.
استهل الموقع نصه بالقول إن إسرائيل، وعلى خلفية سلسلة الغارات على الأراضي السورية، تصطدم بتحد إستراتيجي جديد: احتمال المجابهة مع تركيا. ونقل عن جيروزاليم بوست قولها إن الغارت لم تكن موجهة فقط ضد ما تبقى من بنية تحتية عسكرية سورية، بل انطوت أيضاً على إشارة مضمرة إلى تركيا. وحسب المصادر، فإن إسرائيل قد تكون تسعى إلى تحذير تركيا من محاولة الحصول على موطئ قدم في المجال الجوي السوري، وخصوصاً في قاعدة Т-4 ، وهي المنشأة الاستراتيجية المهمة التي استخدمتها في السابق القوات الإيرانية والجماعات المتحالفة معها.
يتساءل الموقع ما إن كانت إسرائيل قادرة على فتح جبهة أخرى في سوريا، وهي المنخرطة في حرب مع حماس في غزة، وتوجيه ضربات إلى حزب الله في لبنان، وخوض مواجهة مع إيران. وعلى مدى السنوات الأخيرة، كان التهديد الرئيسي لإسرائيل في سوريا هو إيران، التي استخدمت أراضي البلاد لإنشاء ممر إمداد لأسلحة حزب الله. لكن بعد انهيار نظام الأسد وانسحاب الوحدات الإيرانية، تغير الوضع، وأصبحت تركيا في المقدمة الآن.
ويقول الموقع إن المحللين يرون أن تركيا قد تسعى إلى تحديث القواعد العسكرية السورية وتوسيع نفوذها في المنطقة. وهذا يثير القلق في تل أبيب. إذ أن تعزيز تركيا لوجودها بالقرب من الحدود الإسرائيلية من شأنه أن يؤدي إلى خلق منطقة جديدة من عدم الاستقرار. وتواجه إسرائيل خطر التورط في مواجهة طويلة الأمد من شأنها أن تتسبب ليس فقط في توترات دبلوماسية مع أنقرة، بل قد تؤدي أيضاً إلى اشتباكات مباشرة مع القوات السورية. ويرى الموقع أنه في الظروف الحالية، ومع تموضع جزء كبير من الجيش الإسرائيلي في غزة، وتولي الباقي أمن الحدود في الشمال وضرب حزب الله، فإن فتح جبهة أخرى يشكل خطوة عالية المخاطر.
يشير الموقع إلى أنه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر غيرت إسرائيل تكتيكها من استراتيجية “إدارة الصراع” و”الردع” إلى العمليات الاستباقية. وتكشف الضربات الجوية في سوريا في الأسابيع الأخيرة رغبة في تعطيل التهديدات المحتملة قبل أن يكتمل تشكيلها. لكن السؤال هو، إلى أي مدى سيكون هذا النهج مستداماً في ظل الوضع الذي تخوض فيه البلاد بالفعل حرباً على عدة جبهات؟
موقع الخدمة الروسية في وكالة agenzianova الإيطالية نشر في 3 الجاري نصاً رأى فيه أن سوريا تخاطر بأنها قد تصبح ميدان المعركة بين تركيا وإسرائيل. ويشير الموقع إلى أن تركيا، وبعد سقوط نظام الأسد، اتخذت موقفاً مميزاً في دعم السلطة الجديدة. أما إسرائيل فقد استغلت الفراغ المؤقت في السلطة الذي نشأ بعد انهيار النظام السابق، ونشرت قواتها خلف حدود المنطقة العازلة في الجولان، وأخذت توجه الضربات للمواقع العسكرية السورية التي تعتبرها تهديداً لأمنها. ورأى أن كلاً من تركيا وإسرائيل تعتبران من أكبر الدول العسكرية في العالم.
نقل الموقع عن الجيروزاليم بوست إشارتها إلى تصريح مسؤول إسرائيلي بأن الهجمات الأخيرة كانت تهدف إلى “إرسال إشارة إلى تركيا” بعدم إنشاء قواعد عسكرية في سوريا أو التدخل في العمليات العسكرية للدولة اليهودية. وبحسب الشائعات التي نشرتها وسائل إعلام تركية ودولية، فإن الطرفين ناقشا خلال اللقاء بين أردوغان والشرع في أنقرة في شباط/ فبراير الماضي عقد اتفاقية دفاعية تتعلق بإمكانية إنشاء قواعد تركية في الصحراء السورية الوسطى، وتدريب جيش سوري جديد من قبل أنقرة.
وكما جميع مواقع الإعلام، نقل الموقع الإيطالي عن وزير الدفاع الإسرائيلي تصريحه بأن الغارات الإسرائيلية على الأهداف العسكرية في سوريا هي بمثابة تحذير للشرع: “إذا سمحتم لقوات معادية لإسرائيل بدخول سوريا، فستدفعون ثمناً باهظاً جداً”. وأضاف بالقول “لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل”.
صحيفة NG الروسية الاتحادية نشرت في 2 الجاري نصاً بعنوان “تركيا تُعد فخًا لسلاح الجو الإسرائيلي في سوريا”، وألحقته بآخر ثانوي “أنقرة تدرس نقل منظومة S-400 إلى قاعدة قرب حمص”.
قال كاتب النص Igor Subbotin بأن المسؤولين الأتراك يتحدثون عن نقل أنظمة الصواريخ المضادة للطيران S-400 كجزء من اتفاقية بين أنقرة ودمشق. ويفترضون أن مثل هذا السيناريو قد يلبي شروط الولايات المتحدة التي تطالب بصيغة الإنذار حليفتها في حلف الناتو بالتخلي عن أنظمة الدفاع الجوي روسية الصنع. وإضافة إلى ذلك، من شأن هذه الخطوة من جانب تركيا أن تحد من إمكانيات الطيران الحربي الإسرائيلي في سوريا.
ينقل الكاتب عن الصحيفة التركية Daily Sabah المقربة من الحكومة قولها إن نقل الصواريخ المذكورة قد يشكل بنداً في اتفاقية الدفاع المشترك التي يجري إعدادها في الأشهر الأخيرة من قبل أنقرة ودمشق. وتضيف الصحيفة بالقول إن استمرار إسرائيل بقصف الأراضي السورية يعزز احتمال عقد مثل هذه الاتفاقية. كما ترى الصحيفة أن نشر الصواريخ هذه خارج تركيا من شأنه الحفاظ على استقرار العلاقات مع روسيا في “هذه الفترة الحرجة”. كما أنها تستجيب لمطالب إدراة الرئيس الأميركي التي حاولت في فترة المساومة مع أنقرة حول مصير هذه الصواريخ.
وبشأن رد فعل إسرائيل على احتمال نشر صواريخ S-400 التركية في سوريا، قال الكاتب إن سلطات الحكومة اليهودية تدق في هذه الأيام ناقوس الخطر بشأن مصلحة أنقرة في نقل وسائل الدفاع الجوي إلى سوريا. وينقل عن مصدر رفيع المستوى في جهاز الأمن الإسرائيلي تصريحه للإعلام العبري بأن “أي قاعدة جوية تركية في سوريا قد تقوض حرية إسرائيل العملياتية”. وأضاف المصدر الأمني الإسرائيلي بالقول أن الخطوة التركية هي “تهديد محتمل ونحن مصممون على التصدي له”.
ويشير الكاتب إلى أن أجهزة الأمن في إسرائيل تناقش احتمال اندلاع صراع مباشر بين إسرائيل وتركيا في وقت ما بشأن سوريا. وفي تركيا، يرتفع مستوى عدم الاستقرار السياسي في أعقاب اعتقال المعارض التركي أكرم إمام أوغلو، وترغب أنقرة في تحويل انتباه الجمهور المحلي إلى الأزمات الخارجية.
المصدر: المدن