سَلامٌ بلا خُيولٍ ، أيُّ ذُلِّ؟!

أدهم شرقاوي

من الحواراتِ التي تخطفُ قلبي، ذاكَ المقطعُ من مسلسلِ الزِّيرِ سالم، حين قالَ الزِّيرُ لابنِ أخيه الجرو: لا يسمحون لكم بركوبِ الخيل؟

‏بل يسمحون، ونستطيعُ شراءَ الخُيول إذا أردنا!

‏والسُّيوف، هل اشتروا سيوفكم أيضاً؟ هل يسمحون لكم بحمل السُّيوف ؟

‏  لا تُبالغْ يا عمَّاه، إنها مسألةُ خيولٍ فقط، وقد كانتْ صفقةً من أجلِ الماء، ولم نجد المسألةَ خطيرةً طالما السَّلامُ قائمٌ بيننا!

‏- سلامٌ بلا خُيول ، أيُّ ذلٍّ؟!

‏- ولكن لم تعُدْ هناك حاجةٌ للسيوف يا عمَّاه؟

‏  فما للبَكريِّين وخيولكم إذاً؟

‏بما أنَّ الحرب انتهتْ فنحن في غنىً عنها!

‏- الحرب انتهتْ، وهل انتهتْ مطامحُ الرِّجال؟ هل وصلتم لحياةٍ آمنةٍ مطمئنَّة؟

‏نعم!

‏وكريمة، فيها أنفةٌ وكبرياءٌ وقدرةٌ على اتخاذ قرارٍ، فيها عظمةٌ وأحلامٌ وطموحات؟

‏ما لنا ولهذا كلِّه؟

‏- ما لكم وللحياة إذاً!

 

‏إنَّ كلَّ الذي يحدثُ في غزَّة الآن لا علاقة له بالأسرى والجُثث، لا بالمعابر ولا بالمخافر، الأمرُ كلُّه يتعلَّقُ بسلاحِ المقاومة!

‏يريدون منَّا سلاماً بلا خيول!

‏معادلة الرَّغيف مقابل البندقيَّة!

‏ونحن نعرفُ، وهم يعرفون، أنَّ ما يأتي بهم إلى طاولات المفاوضات هي هذه البندقيَّة، في اللحظة التي يأخذونها من أيدينا ويعطوننا الخُبز، فقد شرعوا في تسميننا ليذبحوننا!

 

‏لقد تعلَّمنا الدَّرس جيِّداً من كل ما حدث في هذا العالم!

‏في بيروت، أقنعُوا منظمة التحرير أن تأخذ بنادقها وترحل، لا حاجة للبنادق، مخيماتكم محميَّة بالقانون الدولي!

‏ولم تكد البواخر ترسو في تونس، حتى كان جيش الاحتلال وعملاؤه، يذبحون الرّجال، ويبقرون بطون النساء في صبرا وشاتيلا!

 

‏ في أوكرانيا، القوة النَّووية الثالثة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي!

‏أقنعهم الأوروبيون والأمريكان أنَّ الذي يحمي الدول ليس الأسلحة وإنما الاتفاقيات!

‏أخذوا منهم الأسلحة وأعطوهم اتفاقاً!

‏وحين جاءت الحرب اكتشف الأوكرانيون أنَّ الاتفاق الذي لا تحميه البندقية لا يساوي قيمة الورق الذي كُتب عليه!

 

‏في أمريكا، أقنعوا الهُنود الحمر أن يتخلوا عن أقواسهم وسهامهم ورماحهم!

‏قالوا لهم: الدستور يكفل حقوق الجميع!

‏لم يطل الوقت حتى اكتشفَ الهنود الحمر أنَّ هذا الدستور سيُكتب بدمائهم!

 

‏في الأندلس، أقنعوا ملوك الطوائف أن لا علاقة لأحدهم بالآخر، قالوا لهم: القوا السِّلاح ولا تثريب عليكم اليوم!

‏صدَّق السفهاء هذه الوعود!

‏وبعد وقت قصير وجدوا أنفسهم يُقتادون كالخراف إلى محاكم التفتيش!

 

‏لا يوجد نموذج واحد في التاريخ لشعبٍ ألقى سلاحه ونجا!

‏العكس من هذا تماماً، أثناء المفاوضات في الدوحة بين طالبان وأمريكا لتأمين انسحابها من أفغانستان، قال لهم الأمريكان في أول جلسة: عليكم أن تتخلوا عن سلاحكم كشرطِ لاستمرار المفاوضات!

‏قالتْ لهم طالبان: ما أجلسكم معنا إلا السِّلاح!

 

‏أثناء الاحتلال الأمريكي لفيتنام، كان الأمريكان يشترطون أن يتوقف الفيتناميون عن إطلاق النَّار أثناء المفاوضات!

‏كان الفيتناميون يرفضون هذا ويقولون لهم: نحن لا نُفاوض إلا تحت أزيز الرَّصاص!

 

‏وعليه، بندقية المقاومة في غزَّة ليس للمفاوضات، والرصاص مقابل الرغيف يُساوم فيها المواشي لا الأحرار!

‏أما نحن، الأحرار كثيراً، الأحرار جداً، لن نترك السَّاح ولن نُلقي السلاح!

 

المصدر: صفحة د- مخلص الصيادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى