سؤال عن الديمقراطية والشورى

د- حازم نهار

في مقابلة صحفية وُجِّه إليَّ السؤال الآتي:

تتجنب الإدارة الجديدة في سوريا ذكر مصطلح “الديمقراطية” في خطابها، وتستبدله أحيانًا بـ “الشورى” أو ” نظام انتخابات حرة” لماذا برأيك؟

رأيي:

هذا الازورار عن الديمقراطية لا يتعلق بالإدارة الجديدة وحسب بل هو مسألة شائعة في الثقافة السائدة في منطقتنا عمومًا. فثقافتنا تتعامل عمومًا مع الكلمات والمفهومات وكأنها شياطين أو ملائكة، تقدِّسها أو تدنِّسها، وفي الغالب يُنظر إلى ما يأتي من الغرب بقلق وتوجّس كبيرين، ويرى كثيرون أنه جاء ليخرِّب ديننا وثقافتنا وقيمنا، وهي للأسف رؤية سطحية متخمة بالخوف وعدم الثقة بالذات أولًا، وتخفي قناعة دفينة بهشاشة ثقافتنا أمام الثقافة الغربية ثانيًا.

منذ بدايات القرن العشرين، وبعد تعرفنا إلى الغرب، عشنا صدمة حضارية خلقت لدينا عقدة نقص تجاهه، ومواقفنا منه تكاد تنحصر في اتجاهين متطرفين، إما الموقف الدفاعي (وهو الأكثر شيوعًا) الذي ينغلق أصحابه على ذواتهم، ويحاولون بناء سور غليظ بيننا وبين الآخرين، وإما الموقف التغريبي الذي يلهث وراء الغرب بلا تفكير نقدي.

هذا الموقف الدفاعي يتجلى بخطاب هوية أحادي ومغلق، قائم على رؤية وسواسية إزاء العالم، ترفض التفاعل الخلاق مع الثقافات الأخرى، ويكون المآل الانكماش على الذات القومية أو الدينية، أو تغليظ الحدود بيننا وبين الآخرين، أو إثارة الكراهية والخوف من جميع الأنظمة الثقافية والمجتمعية الأخرى. أما الموقف التغريبي فإنه يستورد مشكلات الغرب ويجعلها مشكلاتنا، ومن ثمَّ ننشغل بما لا يخصّنا أو لا يشكِّل أهمية ملحة بالنسبة إلى مجتمعاتنا.

يريد هؤلاء، من خلال ازورارهم عن الديمقراطية وغيرها، إما أن يقولوا للغرب إنَّ لدينا تراثًا سياسيًا ولسنا في حاجة إليكم، وإما يريدون تقزيم الديمقراطية إلى مجرد مشاورات تجريها السلطة بحسب رؤيتها في حين تبقى سلطة اتخاذ القرار بيدها.

في الحقيقة، لا يمكننا أن نتوقع حدوث تقدم في تفكيرنا ورؤيتنا إلى أنفسنا والعالم من دون تجاوز الموقف الدفاعي ضد الثقافة الغربية، والذهاب نحو التعامل النقدي معها، بلا عقد النقص التي ما زالت تتحكم فينا.

ليس الحل بأن ننسخ نموذجًا غربيًّا محددًا كما هو، بل الذهاب نحو استيعاب مبادئ الديمقراطية وقيمها وأركانها وآلياتها، ومن ثمّ إعادة إنتاجها بحسب الظروف والأوضاع السورية. فكل شعب يشترك مع الشعوب الأخرى في أساسيات معينة، لأن هناك شيئًا اسمه الإنسان والإنسانية والعالمية والكونية التي تقتضي أننا نشترك مع الآخرين في أمور كثيرة، لكن في المقابل ينبغي لنا أن نشق طريقنا الخاص وفقًا لمستوى تطور بنى مجتمعاتنا الفكرية والثقافية والاقتصادية وشروطنا التاريخية.

المصدر: صفحة د- حازم نهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى