
ما الذي ستفعله الإدارة المصرية في ملفّ المعتقلين؟ هل يمكنك أن تقدّم إجابة متوقّعة بأي درجة؟ لا طبعا، كل شيء وارد، الأقرب أن الاعتقالات مستمرّة إلى أن تكون الدولة المصرية مضطرّة داخليا، أو مضغوطة خارجياً. لكن هذا لا يعني أن حلحلة الملف مستحيلة، ربما، من يدري؟ ما الذي ستفعله مصر مع ليلى سويف؟ هل تلبّي مطلبها العادل والقانوني بالإفراج عن ابنها أم تتجاهلها؟ هل تتحرّك إنسانيا لإنقاذ حياتها بعد إضراب عن الطعام تجاوز 140 يوما، أم تستمر في إطلاق الكتائب الإلكترونية عليها؟ ربما تستجيب الدولة، وربما لا، الأقرب لا، لكن نعم قائمة، لم لا، ولم نعم؟ هل تتجاوز الدولة المصرية 12 عاما من عسكرة المجتمع ومحاصرته أمنياً وسياسياً وإعلامياً، أم تستمر في ذلك كله باسم الحفاظ على الدولة، ومحاربة الإخوان المسلمين، والوطنية (!!)؟ ربما تعيد الدولة المصرية النظر في استمرار هذه الجرائم، لكن الأقرب أنها متصالحة معها، ربما تعيد النظر في ضوء المستجدّات، وربما تعتقل المستجدّات نفسها، وتحبس التاريخ كما فعلت بالجغرافيا، وسوف تجد في ذلك كله من يبرّرون ويمرّرون ويزَوّرون، وبأرخص الأثمان. إعادة النظر واردة، وإعادة الجرائم واردة.
ما سبق هو استراتيجية الدولة المصرية مع مواطنيها منذ انقلاب 3 يوليو (2013)، كل ما يتعلق بالداخل المصري رهن الاحتمال، وغير مفهوم، وغير متوقع، فهل تتبع مصر الرسمية الاستراتيجية نفسها مع العدو؟ هل مصر “الدولة” غير متوقّعة بأي درجة مع إسرائيل؟ ما موقف مصر من تهديدها في ملفات تهجير الفلسطينيين وتوسعة مساحة إسرائيل وشراء غزّة أو إعادة ضربها بعد استرداد الأسرى (وهي تصريحات إسرائيلية رسمية واضحة)؟ هل من الممكن أن تتحرّك مصر عسكرياً بأي درجة؟ لو سألت أي إسرائيلي، أي أميركي، أي عربي، أي مصري، أي أحد، فالإجابة القاطعة لا، وبيقين، لن تحارب مصر. ولن تتحرّك عسكرياً بأي درجة، ولن تلوح، ولن تفكر، مجرّد الاحتمال مستحيل، لا لا لا، ما يعني بداهة فقدان الدولة المصرية قدراتها في الردع، وحظوظها في التفاوض، وما يعني بالضرورة تأجيج شهوة العدو في التوسّع، وفي التبجّح، وفي العربدة، فالدولة المصرية سهلة، ومتوقّعة، ومقدور عليها، فإذا تجاوزنا الفزع من مجرد التلويح باحتمال الحرب إلى ما هو أدنى وسألنا: هل من الممكن أن تهدّد مصر بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد؟ هل من الممكن أن تفتح المعبر فورا، ومن دون شروط، ومن دون تنسيق مع العدو، وأن تتصرف، فيه وبه، كدولة ذات سيادة، تخدم مصالحها ومصالح الفلسطينيين؟، هل من الممكن أن تتوقّف مصر عن التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ هل من الممكن أن تُحرّك مصر خطابا سياسيا يتجاوز العبارات الدبلوماسية الهادئة والرقيقة مثل “تهجير الفلسطينيين ظلم لن نرضى به” إلى ما هو أكثر جدية وعدائية ضد إسرائيل؟ هل من الممكن أن تحرّك مصر دعاوى تتهم فيها إسرائيل رسمياً بارتكاب جرائم حرب؟ هل من الممكن أن تتحرّك مصر نحو تحالفات إقليمية مناوئه لإسرائيل؟، هل من الممكن أن تسحب مصر سفيرها في إسرائيل؟، أن تطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة أراضيها؟، أن تجمد أو تقلل من العلاقات الاقتصادية مع العدو؟، أن تراجع أو تعيد النظر في اتفاقيات الغاز المجحفة مع العدو؟، أن تعود إلى استخدام توصيف “العدو” في خطابها الرسمي؟ الإجابة المتوقعة لذلك كله هي لا. لا قاطعة، ولا واضحة، ولا مضمونة، ومن ثم فإن أي كلام عن رفض مصري “جادّ” للمطامع الإسرائيلية الأميركية في غزة وفي الأردن وفي مصر، وطرح السلطة المصرية “الحالية” حلولا بديلة “تمثلنا”، هو كلام يحتاج إلى الكثير جدا من التدقيق، ومن إعادة النظر، ومن الأدلة الغائبة، ومن القرائن المعدومة، والتي لن يعوضها “شخط” أحمد موسى في ترامب، وعمرو أديب في الإخوان، وإبراهيم عيسى في المشاهدين جميعا؛ مصر كبيرة.. مصر عظيمة.. مصر شريفة.. شريفة.. شريفة. أهلا وسهلا.
المصدر: العربي الجديد