اغتيال الرئيس شائعة أم تمرد؟

سميرة المسالمة

اغتيال الرئيس: شائعة أم تمرد؟ سؤال يحمل في طياته تعقيداً كبيراً يشبه إلى حد ما الواقع السوري الحالي بكل تجلياته، حيث لا حدود بين الممكن والمتخيل وما يحدث على أرض الواقع في كثير من الأحيان. فهذه الشائعات عادة ما توظف في بيئات مضطربة كأداة نفسية تثير الرعب أو الضغط على السلطة، سواء من داخلها أو من خصومها. لكن في السياق السوري، حيث تتعدد الجهات المسلحة وتتصارع على النفوذ، قد تكون هذه الشائعات قريبة من الحقيقة، خصوصاً في ظل الخلل الأمني، والأحداث التي تشهدها البلاد. أيضاً، قد تكون مؤشراً على وجود تمرد فعلي داخلي، أو مخطط له ضد السلطة.

لذلك، لا يمكن اختزال الأمر في مجرد “شائعة” أو فقاعة إعلامية فقط، بل ربما هو مزيج من كليهما: شائعات تُستخدم للتأثير الإعلامي والسياسي، وتهديدات حقيقية تعبر عن هشاشة الجدار الأمني، وتحدٍ لقدرة الدولة على حماية قيادتها وشعبها في آن واحد.

والسؤال الأهم هو كيف ستتعامل السلطة مع هذه المعطيات في إطار مرحلة انتقالية تتطلب بناء الثقة والاستقرار؟ حيث يمثّل الأمن الركيزة الأساسية لاستعادة الدورة الحياتية في الاقتصاد السوري، خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية التي تسعى لإعادة هيكلة البنية الاقتصادية المتضررة بفعل سنوات الحرب والتوترات. فالاستقرار هو العامل الأهم لخلق البيئة الجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، بعيداً عن مخاوف من استمرار وتدحرج كرة العنف أو الانقطاع المفاجئ للأنشطة، وتعطيل سلاسل الإمداد، وتدمير الثقة “الناشئة” حديثاً في مؤسسات الدولة.

ارتبط مفهوم سقوط نظام الأسد، بانتصار الثورة، بوصفه كان النظام الأمني الذي حكم سوريا لعقود، ما يعني أن المرحلة ليست مجرد انتقال سياسي، بل تمثّل السقوط الكامل لمفهوم السيطرة الأمنية الذي ارتكز طويلاً على الحضور المسلح العسكري القمعي كأداة للاستبداد والتسلط، وليس كمفهوم لبث الأمان والثقة. أي أن الأمن في وعي السوريين، بعد هذا التحول، لا يُبنى على الخوف، بل على القانون، حيث لم يعد مقبولاً أن يُختزل الأمن في ممارسات الأجهزة “العنفية”، أو في تمركز القوة، بل بات يُنظر إليه كمنظومة تؤمن العدالة، وتحمي الحقوق، وتضمن الكرامة.

في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى إعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة، على قاعدة قوانين ناظمة، واضحة وملزمة، تطبّق على الجميع من دون تمييز. فالتحدي اليوم ليس فقط في منع الفوضى، بل في تأسيس أمن يشعر فيه الناس بأنهم مواطنون متساوون في الحقوق لا رعايا، وأن الدولة لم تعد خصماً، بل شريكاً في حفظ السلم الأهلي وحماية كرامة الانسان.

ضمن هذا المفهوم، لا يمكن تجاهل ما تعكسه التهديدات المتكررة التي تطلقها جهات مجهولة الهوية ضد مكونات سورية دينية واجتماعية، لأنها تعبر في جوهرها عن تجرؤ غير مسبوق على الدولة عموماً، وليس فقط على المختلفين معهم من المجتمع، وهي بذلك تكشف الستر عن قدرة الحكومة على حماية مواطنيها وتنظيم شؤونهم.
لذلك، يطرح رواج الشائعات والأخبار حول محاولات اغتيال الرئيس للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، (على رغم من نفي رئاسة الجمهورية لهذا الخبر)، تساؤلات ملحّة، مثل: من يملك الأمن؟ ومن يضمنه؟ وهل يمكن الحديث عن استقرار حقيقي طالما أن “السلطة” نفسها تُعامل كطرف يعتدى عليه، لا كمرجعية حاسمة؟ وهل هي في جزء منها رسائل تفاوض بين أطراف تسعى لترسيم خريطة النفوذ الجديدة؟ وهل هذه التهديدات الصادرة عن جهات داخلية أو خارجية تعبر عن رفض التغيير أم عن صراعات خفية على النفوذ داخل السلطة؟ لأن الإشكالية تتفاقم عندما يتوزع النفوذ بين جهات متعددة تحمل السلاح وتمارس سلطتها خارج الإطار الرسمي، مما يهدد وحدة الدولة ويقوض قدرتها على فرض القانون وتنظيم الحياة العامة.

بالتأكيد، لا يغيب عن الأذهان أن إصرار السلطة على نفي مثل هذه الشائعات، يعكس أيضاً حاجة ملحة للحكومة إلى تأكيد السيطرة، وطمأنة الشارع الداخلي والخارجي للحالة الأمنية المستقرة، لكنه قد لا يؤدي إلى هذه النتيجة بالضرورة، عندما لا يترافق مع ضبط كامل لحصر السلاح والسلطة بيد الحكومة دون غيرها.

ما يحدث من خروقات أمنية وحوادث، بعض الفاعلين فيها، من أجهزة الأمن أنفسهم يؤكد: إن بناء منظومة أمنية صحية في سوريا لا يبدأ من الأجهزة، بل من القانون. القانون الواضح، المعلن، الذي يُطبّق فعلياً، ويُحاسب من يخرقه، أياً كان موقعه. فلا يكفي أن تعلن الدولة نيتها في الإصلاح، أو أن يُعاد تشكيل المؤسسات الأمنية هيكلياً، بل يجب أن يكون هناك تغيير جذري في فلسفة العلاقة بين الدولة والمجتمع، ليصبح الإنسان محور هذه العلاقة.

حكماً، الطريق إلى هذا الهدف لن يكون سهلاً، ولن يتحقق بين ليلة وضحاها، لكنه الطريق الوحيد لإرساء أمن مستقر يشعر فيه كل مواطن بأن الدولة موجودة لتحميه، لا كي تراقبه، أمن يرتكز على العدالة والثقة، لا على الخوف والهيمنة، فيأمن عندها المواطن، وسيادة الرئيس، على حد سواء.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى