صحيفة روسية: “سنعود إلى سوريا بعد أوكرانيا”

بسام مقداد

لم تتوقف الاتصالات بين روسيا والسلطة السورية الجديدة بعد الإطاحة بالأسد، لكنها لم تتوصل إلى توافق محدد بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، ومصير القواعد الروسية في سوريا، والتي تمثل القضية االمركزية في محاولات روسيا استعادة علاقات ما مع سوريا الجديدة. وبديهي ألا تنتظر روسيا سهولة في التواصل مع سلطة فصائل المعارضة، وهي التي بقيت لأكثر من عشر سنوات تقصف دور الحضانة والمدارس والمستشفيات والجوامع في المناطق التي كانت تسيطر عليها. وموسكو تعرف أن السوريين يتذكرون أن معظم جنرالات الجيش الروسي وضباطه والكثير من أفراده، كانت سوريا بالنسبة لهم حقل تدريب على حرب الأرض المحروقة التي يطبقونها الآن في أوكرانيا.

روسيا تعرف كل ذلك بالطبع، لكنها تعرف أيضاً أنها ليست إيران -شريكتها في تدمير سوريا- وأي سلطة في دمشق لن تتمكن من تجاهل مكانة روسيا كدولة كبرى، لها تاريخ طويل من دعم سوريا ونظامها ومد جيشها بالسلاح. ومع استحالة نسيانهم ما ارتكبته روسيا بحق سوريا والسوريين، إلا أن قادة سوريا الجديدة أثبتوا وعيهم لحقيقة موقع روسيا، وأكدوا أكثرمن مرة حرصهم على توفير “مخرج لائق” لخروج  روسيا من سوريا.

لم يبدر من روسيا بعد سقوط الأسد ما يوحي بأنها عازمة على المحافظة على شبكات النفوذ التي أقامتها في سوريا واستخدامها لعرقلة مسار خروج سوريا من مرحلة الأسد. فلم يخرج أي مسؤول روسي، على مختلف المستويات، لقول ما قاله الجنرال الإيراني الكبير بهروز اصبعي في 9 الشهر المنصرم، من أن إيران ستواصل نشاطها في سوريا، وعازمة على تشكيل بؤر للمقاومة هناك.

التأكيد على الاختلاف بين المقاربتين الروسية والإيرانية في التعامل مع الوضع السوري الجديد بعد سقوط الأسد، كان أحد الأهداف غير المرئية لزيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، والممثل الشخصي للرئيس الروسي في سوريا الكسندر لافرنتيف إلى دمشق في 28 الشهر المنصرم. وتدني مستوى التمثيل الدبلوماسي للوفد الروسي، بالمقارنة مع الوفود الأوروبية والعربية التي زارت دمشق، يشير إلى أن الوفد كان عليه استطلاع الأفق الفعلي لما يمكن أن تؤدي إليه الاتصالات المستمرة مع السلطة السورية الجديدة منذ سقوط الأسد. وأكثر ما يهم روسيا الآن في العلاقات مع دمشق، هو حسم مصير القاعدتين الحربيتين على الأراضي السورية. وحمل معه الوفد عروضاً اقتصادية مختلفة، ثمناً لموافقة دمشق على بقاء هاتين القاعدتين. لكن دعوة القيادة السورية لكل القوات الأجنبية لمغادرة الأراضي السورية، ومطالبتها روسيا بتصحيح أخطاء الماضي ودفع تعويضات عما ألحقته بسوريا، ومطالبتها بتسليم الأسد، جعل الوفد الروسي يعود صفر اليدين. وكل ما توصل إليه بوغدانوف في دمشق، هو الاتفاق على مواصلة الحوار، أي استمرار الوضع على ما كان عليه قبل الزيارة.

في تعليقه على نتائج زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، قال الناطق باسم الكرملين إن من الضروري بناء حوار دائم ومستمر مع السلطات السورية، “وهذا ما نقوم به وسنستمر في القيام به”. وبالمقارنة مع عمومية كلام الكرملين وإيجازه، قالت صحيفة Kommersant الروسية بأن سلطات سوريا الجديدة علقت على المفاوضات بصورة موسعة ومحددة أكثر. فنقلت عن دمشق تصريحها أن المفاوضات تناولت دور روسيا في استعادة الثقة مع الشعب السوري، من خلال إجراءات ملموسة مثل التعويضات والمساعدة في إعادة الإعمار. وأضافت القيادة السورية بالقول إن إعادة العلاقات يجب أن تأخذ بالاعتبار الأخطاء الماضية، وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه.

أشارت الصحيفة إلى أنه لم يكن من قبيل الصدف أن يثير الجانب السوري قضية “العدالة الانتقالية”. وذكّر بضحايا الحرب الوحشية التي شنها نظام الأسد، والذين يستحقون العدالة. والتذكير بالضحايا والعدالة كان مقدمة  لطلب الشرع من روسيا تسليم الأسد الذي فر إلى موسكو حتى قبل سقوط دمشق، حسب مصادر وكالة رويترز. لكن الكرملين فضل عدم التعليق على هذه “الشائعات”.

استوحت الصحيفة من المستشرق الروسي Kirill Semenov عنوان نصها “لكن الفلوس مقدماً”، والذي رأى أن قيادة سوريا الجديدة ترغب في بناء العلاقات من خلال الاستثمارات ومختلف آليات التعاون التجاري الاقتصادي والمالي وسواها من الحقول. ولم يستبعد أن تكون إدارة الشرع مهتمة بـ”تعويضات عن استخدام القواعد العسكرية”.

كبرى صحف الأعمال الروسية Vedomosti رأت أن مستقبل القواعد الروسية في سوريا، هو قضية روسيا الرئيسية في سوريا بعد سقوط الأسد. ونقلت عن المكتب الصحافي لوزارة الدفاع قوله إن قاعدة الأسطول الحربي الروسي في طرطوس لديها حظ بالبقاء أكثر مما لقاعدة حميميم الجوية.

نقلت الصحيفة عن الباحث في مركز الأبحاث الشرق أوسطية Nikolay Sukhov قوله إن الدبلوماسيين الروس في دمشق ملأوا الفراغ في فترة غياب الحوار مع دمشق، ومهدوا للزيارة الحالية. واستبعد الباحث أن يعود التعاون بين روسيا وسوريا إلى المستوى الذي كان عليه في ظل الأسد. ورأى أن قاعدة حميميم الجوية تعتبر مصدر إزعاج للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي وأداة رئيسية للمنافسة الروسية مع أنقرة في إفريقيا. واعتبر أن هناك فرصة أكبر للحفاظ على القاعدة البحرية في طرطوس، لأن السلطات السورية الجديدة تتخذ موقفاً أكثر حيادية منها.

يشير Sukhov إلى أن دور روسيا الاقتصادي في سوريا، كان أدنى بكثير من دور إيران في ظل الأسد. ومن المستبعد أن تتمكن موسكو الآن من منافسة تركيا ودول الخليج والولايات المتحدة في سوريا.
كما نقلت الصحيفة عن المستشرق Kirill Semenov المذكور قوله إن على روسيا أن تحدد أي من الاتفاقيات مع سوريا يمكن تمديدها. وذلك لأن معظم الاتفاقيات الروسية السورية لا تثير اهتمام السلطات الجديدة، إذ تنظر إليها على أنها اتفاقيات مع الأسد. لكن على الرغم من الموقف السلبي من موسكو كحليف للأسد، السلطات الجديدة معنية بالحفاظ على التواصل مع روسيا.

صحيفة novayagazeta.eu الروسية المعارضة التي تصدر في البلطيق عنونت نصها بشأن مفاوضات الوفد الروسي  في دمشق بالقول “القواعد مقابل الأسد”. ورأت أن المفاوضات بين الطرفين انتهت إلى طريق مسدود.

صحيفة Pravda.ru الروسية (غير البرافدا الناطقة بإسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي)، نقل عنها موقع Eadaily الروسي الإخباري في 30 المنصرم قولها: “موسكو لن تسلم الأسد ولن تزيل القواعد: سنعود إلى سوريا بعد أوكرانيا”! هكذا، ووفق أفضل تقاليد إعلام المعسكر الذي يناصب الغرب “المتهتك” العداء، ويوالي بوتين وكل أنظمة الحكم التسلطية، تهدد الصحيفة بعودة روسيا بوتين إلى سوريا بعد “النزهة” في ميادين الحرب في أوكرانيا، والتي تتواصل “متعتها” منذ مطالع العام 2022.

نقل الموقع عن الكاتبة في الصحيفة لوبوف ستابوشوفا (Lioubov Stepouchova) قولها، من جملة ما قالت، يبدو أن المفاوضات تجري أيضاً مع تركيا التي تقف وراء السلطات الجديدة في سوريا. وقالت إن روسيا بحاجة إلى القواعد، لكنها لن تسلم الأسد، و”لن تعترف بالأخطاء”. فالمعركة من أجل سوريا كانت ضرورية في العام 2015، وفازت بها روسيا ضد تركيا والولايات المتحدة. لكن المركز الجيوسياسي للصراع انتقل الآن إلى أوكرانيا، “لذا يمكن لسوريا الانتظار”.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى