أجرت الحكومة السورية الجديدة أول زيارة خارجية رسمية لها بعد سقوط النظام السوري، وكانت الوجهة إلى السعودية، ما يحمل دلالات كثيرة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياض في مستقبل سوريا.
في 1 من كانون الثاني الحالي، وصل وفد سوري ضم كلًا من وزير الخارجية ووزير الدفاع ومدير الاستخبارات السورية إلى السعودية، وعقد عدة لقاءات دبلوماسية مع مسؤولين سعوديين.
تأتي الزيارة بعدما تلقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قبلها بيومين، دعوة رسمية لزيارة المملكة من نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين.
السعودية.. الوجهة الأولى
بعد سقوط بشار الأسد، كان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أول مسؤول يزور دمشق ويلتقي بقائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع.
لكن حينما غادر أول وفد رسمي من حكومة دمشق المؤقتة، كانت وجهته عربية إلى السعودية، ما يبرز دور المملكة بالنسبة لسوريا الجديدة.
أهمية الدور السعودي بالنسبة لسوريا، تجلى كذلك بعدما خصّ أحمد الشرع قناة “العربية” السعودية لتكون أول وسيلة إعلامية عربية يجري لقاء تلفزيونيًا عبرها.
واعتبر الشرع خلال اللقاء، في 29 من كانون الأول 2024، أن “تحرير سوريا يضمن أمن المنطقة والخليج لـ50 سنة مقبلة”، مشيرًا إلى أن للسعودية دورًا كبيرًا في مستقبل سوريا، كما أثنى على التوجهات الاقتصادية للمملكة.
وقال المحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، لعنب بلدي، إن اختيار السعودية لتكون بوابة العلاقات الخارجية لدمشق يدل على اهتمام كبير من قبل الإدارة السورية الجديدة بالدور الإقليمي والعربي للمملكة، وهو يفتح الباب على مصراعيه نحو إعادة إنتاج دور سوري جديد ومتميز، كما أن ذلك يلجم بعض الأدوار الإقليمية التي تحاول أن تعكر صفو الواقع السوري، أو أنها تحن إلى دور سابق للاستبداد الأسدي.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي نادر الخليل، إن اختيار الرياض كأول وجهة لمسؤولي الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد، يدل على أهمية السعودية ودورها السياسي والاقتصادي في سوريا وزيادة الزخم والدعم لها، وامتلاكها تأثيرًا مهمًا على الصعيد الإقليمي والدولي في البعدين السياسي والاقتصادي.
وأضاف الخليل لعنب بلدي، أن انفتاح السعودية وتقبلها وترحيبها واستقبالها للمسؤولين بالإدارة السورية الجديدة ورفع العلم الجديد، دلالة واضحة على رغبة السعودية الجادة في دعم الإدارة الجديدة.
وكان اللافت بشكل كبير ما جاء في بيان وزارة الدفاع السعودية بعد زيارة الوفد السوري، حيث أكدت دعمها للعملية السياسية الانتقالية، وهي نقطة مهمة، وفق رأي الخليل، تشير إلى تركيز إقليمي على أن تكون هناك عملية سياسية، وأن الإدارة الجديدة لن تحتكر السلطة، وأنه سيكون هناك نوع من التشاركية في الحكم بالمرحلة المقبلة بين مكونات الشعب السوري.
وعقب زيارته إلى الرياض، قال أسعد الشيباني، إن الوفد السوري نقل خلال زيارته إلى السعودية رؤيته الوطنية المتمثلة بتأسيس حكومة تقوم على التشاركية والكفاءة وتضم جميع المكونات السورية.
بُعد اقتصادي إقليمي
الزيارة السورية إلى السعودية حملت بُعدًا اقتصاديًا، ففي موازاة الاستقرار السياسي الذي تسعى إليه الإدارة الجديدة في دمشق، تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي أيضًا، حيث تسلمت الإدارة الجديدة بلدًا منهارًا اقتصاديًا بعد سقوط الأسد.
وقال وزير الخارجية السوري، “نقلنا للرياض رؤيتنا للعمل على إطلاق خطة تنموية اقتصادية تفسح المجال للاستثمار وتعقد الشراكات الاستراتيجية وتنهض بالواقع المعيشي والخدمي”.
وأضاف الشيباني أن المملكة أكدت دعمها للشعب السوري والإدارة السورية الجديدة، واستعدادها للمشاركة بنهضة سوريا ودعم وحدتها وسلامة أراضيها.
وفي إطار تقديمها الدعم الاقتصادي لسوريا، أعلنت السعودية تسيير جسر جوي إلى دمشق، شمل كمرحلة أولى إرسال أربع طائرات إلى مطار “دمشق” تحمل مساعدات إنسانية، من إمدادات طبية وغذائية وإيوائية “للتخفيف من الأوضاع الصعبة” على السوريين.
تعاني سوريا اقتصاديًا وسط انهيار العملة المحلية، بالتزامن مع عقوبات غربية تحاول الإدارة الجديدة العمل على إنهائها بسقوط نظام الأسد.
وقالت قناة “الإخبارية” السعودية، إن الجسر الجوي للمساعدات إلى سوريا، مستمر وغير محدود بعدد من الطائرات، لافتة إلى أن صهاريج من البنزين ستصل إلى سوريا لسد الاحتياج في قطاع الطاقة.
تأتي هذه الخطوة بعدما أوقفت كل من إيران والعراق إرسال إمدادات النفط إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، في 8 من كانون الأول 2024.
ويرى نادر الخليل، أن ما تريده الإدارة السورية من هذه الزيارة يبدو واضحًا، وهو كسب الدعم الاقتصادي السعودي والمشاركة في إعادة الإعمار، وبنفس الوقت البحث عن نوع من الشرعنة العربية والإقليمية لما للسعودية من دور عربي وإقليمي كبير.
وأضاف الخليل أنه يمكن للسعودية أن تفتح الأبواب أمام الإدارة السورية الجديدة نحو العواصم العربية والغربية، حيث قد تكون من نتائج الزيارة السورية إلى الرياض، أن تقوم بعض الدول العربية بتهدئة أو تغيير مواقفها السلبية تجاه الإدارة السورية.
من جهته، قال أحمد مظهر سعدو، إن من الممكن أن يكون للسعودية الدور الكبير في إعادة سوريا لدورها الطبيعي داخل الجامعة العربية، وكذلك إعادة دورها الإقليمي المهم بعيدًا عن هيمنة المشروع الإيراني، بل والإسهام في مواجهته أيضًا، وكذلك فإن أي نهضة سورية تحتاج إلى دعم مالي كبير، وأعتقد أن المملكة يمكنها أن تدعم ذلك ضمن علاقات جيدة قائمة على الاحترام المتبادل بين البلدين.
كانت السعودية أتاحت، في أيار 2023، عودة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، ليشارك في قمتين عربيتين، إحداهما في جدة والأخرى في المنامة، وفي قمتين عربيتين إسلاميتين بالرياض، قبل إسقاط نظامه نهاية 2024.
دور سعودي- تركي
عقب سقوط النظام، تسارعت التصريحات التركية التي تتحدث عن دعم سياسي واقتصادي لسوريا، حيث كشف وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، عن خطط تركية لإعادة تأهيل البنية التحتية في سوريا، قائلًا، إن “سوريا تحتاج إلى كل شيء”.
وأكد أورال أوغلو أن تحسين الطريقين السريعين (M4 وM5) وبناء الجسور المدمرة ضمن الأولويات، مشيرًا إلى أن الاستثمارات ستنفذ عبر منظمات تركية مثل “تيكا” و”آفاد”، في إطار تحسين البنية التحتية ودعم الاستقرار في سوريا.
وأضاف أورال أوغلو، “سنبرم اتفاقية مع الإدارة السورية الجديدة لترسيم حدود المناطق البحرية. لدينا خطة عمل عاجلة تشمل استئناف خدمات النقل الجوي، والسكك الحديدية، والطرق البرية، بالإضافة إلى تحسين شبكات الاتصالات وإعادة تشغيل المطارات”.
من جهته، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا تعهدت بتقديم الدعم في إعادة إعمار سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
التصريحات التركية جاءت بالتوازي مع تصريحات سعودية لتقديم دعم اقتصادي وسياسي لسوريا، ما يفتح بابًا للتساؤل حول احتمال أن يكون هناك تنافس تركي- سعودي على المصالح في سوريا، أو أنه قد يكون دورًا تكامليًا.
وتعليقًا على ذلك قال الباحث نادر الخليل، رغم أن البعض يرى بوادر تنافس بين تركيا والسعودية، وأن دخول الرياض في المشهد السوري سيكون مضرًا بالنفوذ التركي، لا يبدو الأمر كذلك، وإنما الدور السعودي سيكون تكامليًا مع الدور التركي، ويبدو أن أنقرة منفتحة لهذا الدور، وكذلك فإن زيارة وزير الخارجية التركي للإمارات، تظهر ترحيبًا تركيًا بدور إماراتي في سوريا.
وأشار الخليل إلى أن لتركيا مصلحة في أن تستثمر دول الخليج وعلى رأسها السعودية في سوريا، وأن تسهم في إعادة الاعمار، لأن ذلك سينعكس إيجابًا على الشركات التركية التي ستعمل في سوريا، لذا ستكون العلاقة بين أنقرة والرياض وفق دور تكاملي، وربما تكون هناك بعض المنافسة بهامش سياسي ما، ولكن لن يكون مضرًا بالمشهد الإجمالي في سوريا.
ولفت الخليل إلى أن تركيا يمكن أن تكون داعمًا بالمعنى الأمني والعسكري أكثر، وسيكون لها دور في إعادة الإعمار، لكنها لا تستطيع لوحدها تحمل العبء الاقتصادي، لذلك سيكون دور السعودية في مجال التمويل أكبر وأهم في هذا المجال.
ما الذي تريده الرياض من دمشق؟
في الوقت الذي تركز فيه الإدارة السورية الجديدة على الدور السعودي في سوريا، فإن الرياض تنتظر في المقابل أدوارًا يمكن أن تلعبها حكومة دمشق بما يخدم المصالح السعودية.
وفي هذا الإطار قال مظهر سعدو، إن ما تريده السعودية من الإدارة الجديدة في سوريا، هو مزيد من تشبيك العلاقة مع العالم العربي بعيدًا عن الإيرانيين وأطماعهم، وأن تستمر دمشق في قطع طريق إيران تجاه المنطقة العربية والخطر الإيراني على المنطقة برمتها .
كما تريد السعودية أن تستقر سوريا وتمارس الدور المنوط بها عربيًا، الخالي من “القلاقل الكبتاجونية”، وأيضًا قطع الطريق على ميليشيات إيران في المنطقة التي كانت سابقًا الفاعل الأسوأ عبر تصدير ثورة الإيرانيين المزعومة للمنطقة العربية برمتها.
ومن ثم فإن ما تريده المملكة أيضًا هو إقامة علاقات جيدة بين دمشق والرياض لا مكان فيها للفساد والإفساد، الذي اشتغلت عليه أدوات النظام السابق وميليشيات إيران، بحسب مظهر سعدو.
تعد السعودية من أكثر الدول الخليجية تضررًا من تدفق “الكبتاجون” إليها وإلى دول الخليج من سوريا عبر الأردن، ولم تفلح كل مساعيها الدبلوماسية السابقة مع نظام الأسد المخلوع في وقف تدفق المخدرات الذي حاول النظام السابق في أكثر من مناسبة التملص منه، لتظهر معامل ومستودعات للمواد المخدرة في القطع العسكرية والفروع الأمنية بعد سقوط الأسد وهروبه إلى موسكو.
المصدر: عنب بلدي