لماذا لا تعود الكتل السياسية السورية من أنقرة إلى دمشق؟

معاذ الحمد

في السنوات الأخيرة، أصبحت تركيا الملاذ الرئيسي للعديد من الكتل السياسية السورية المعارضة، التي لعبت دوراً في تطورات الأحداث السورية. من أبرز هذه الكتل: “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الحكومة السورية المؤقتة، هيئة التفاوض السورية، والمجلس الوطني الكردي”. ورغم تطورات الأوضاع في سوريا، لا تزال هذه الكتل بعيدة عن العودة إلى دمشق، العاصمة التي تعتبرها بمثابة مقر طبيعي لها. فما هي الأسباب التي تمنع عودتها؟

وأشار أحمد بكوره، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، لموقع “963+” إلى أن “أعضاء الائتلاف كانوا من أوائل الذين زاروا المناطق المحررة في سوريا منذ اندلاع الثورة، حيث عملوا ميدانيًا مع أبناء الشعب السوري لتقديم الدعم اللازم”.

وأضاف: “لكن مع استمرار سيطرة النظام السوري على العاصمة دمشق، اضطر الائتلاف إلى ممارسة نشاطه السياسي من خارج سوريا، تحديداً من أنقرة التي تعد مركزاً لتنسيق العمل السياسي مع المجتمع الدولي والدول الإقليمية”.

والآن وبعد سقوط النظام السوري المخلوع، واستلام الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع للسلطة في سوريا، لإدارة المرحلة الانتقالية، أكد بكوره أن “وجود الائتلاف في تركيا ليس إلا ضرورة مرحلية، حيث يتطلب التنسيق المستمر مع الأطراف الدولية والإقليمية لدعم المرحلة الانتقالية وحشد الدعم لسوريا”.

هذا الوجود، وفقاً لبكوره، “يساعد في تعزيز علاقات الائتلاف مع القوى الكبرى التي تساهم في تحديد مستقبل البلاد”. وأشار إلى أن “الائتلاف بصدد نقل مقره إلى دمشق قريباً، ما يفتح الأفق لعودة جميع أعضائه إلى سوريا”.

الانتقادات والمأزق السياسي.. غياب التنسيق الداخلي

على الرغم من هذه التصريحات، فإن العديد من الأصوات المعارضة داخل سوريا وخارجها تشير إلى أن الائتلاف يعاني من مأزق سياسي كبير، حيث أشار محمد سعيد سلام، رئيس المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية السابق، إلى أن الائتلاف قد “غلّب طبيعة العلاقات الإقليمية والدولية على مصالح الشعب السوري”، ما جعله عاجزاً عن مواكبة تطلعات السوريين.

وأضاف سلام، لـ”963+” أن “الائتلاف ما زال متمسكاً بالقرار الأممي 2254، الذي يعتبره كثيرون قد تجاوزه الزمن، مما جعل الائتلاف في حالة من العزلة عن الواقع السوري”.

في هذا السياق، يرى سلام أن بقاء الائتلاف في تركيا “يرتبط بمصالح الدول الإقليمية والدولية أكثر من اهتمامه بمصالح الشعب السوري، وهو ما أدى إلى تآكل الثقة الشعبية في هذا الكيان”، ليصبح “مجرد واجهة سياسية لا تمثل تطلعات السوريين”.

ومن هذا المنطلق، يظل الائتلاف في تركيا، رغم سقوط النظام أو انهيار مؤسساته، دون أن ينجح في تكوين أي تقارب حقيقي مع الداخل السوري، بحسب السياسي السوري.

المرحلة القادمة: المعارضة داخل سوريا

في محاولة لتسليط الضوء على مستقبل المعارضة السورية، أكد الكاتب الصحفي السوري أحمد مظهر سعدو، يقيم في غازي عينتاب بتركيا، أن المعارضة السورية أصبحت جزءاً من الشعب السوري، وأن المرحلة المقبلة ستشهد تحولاً في طبيعة العمل المعارض.

وأشار سعدو، في حديث لـ”963+” إلى أن “المعارضة التي كانت تُمارس من الخارج كانت نتيجة الخوف من النظام السوري المخلوع، لكن اليوم لم يعد هناك مبرر للاستمرار في هذا النهج، خاصة بعد تعهدات الرئيس التركي بأن السوريين لديهم الخيار في العودة إلى وطنهم دون إكراه”.

وأوضح سعدو أن الائتلاف الوطني السوري ومعه العديد من القوى السياسية السورية، سيجد نفسه في المستقبل أمام تحدٍ رئيسي: “إما أن يواصل العمل السياسي من داخل سوريا، وبالتالي العودة إلى دمشق، أو أن يختار مواصلة معارضته من خارج البلاد، لكن تحت ظروف متغيرة”.

وتواصل موقع “963+” مع عدد من أعضاء المجلس الإسلامي السوري المعارض في تركيا، إلا أنهم اعتذروا عن التعليق على الموضوع.

التحديات الإقليمية والدولية

من جهة أخرى، يتوقع البعض أن العلاقة بين تركيا والمعارضة السورية ستظل كما هي، دون تغييرات جذرية. ورغم علاقة الصداقة بين الشعبين التركي والسوري، إلا أن السياسة التركية تجاه المعارضة السورية قد تظل محدودة في إطار مصالحها الإقليمية، بما في ذلك دعم الفصائل العسكرية والسياسية التي تتوافق مع أهدافها.

من الناحية الأخرى، يرى مراقبون أن الدول، بما في ذلك تركيا، قد تتعامل مع القضية السورية وفق منطق الحصص والنفوذ، حيث تعمل على دعم الأطراف التي تخدم مصالحها الاستراتيجية، الأمر الذي ينعكس سلباً على جهود المعارضة السورية في الوصول إلى حل سياسي حقيقي.

وبالتالي فإن عودة الكتل السياسية من أنقرة إلى دمشق لا تزال مرتبطة بعوامل عدة، تتراوح بين الصراع الإقليمي والمصالح الدولية، وبين التحديات السياسية الداخلية. ومع تقدم العملية السياسية، قد يصبح من الممكن رؤية تحولات جذرية في مواقف هذه الكتل، لكن هذا يعتمد بشكل كبير على تطورات الميدان والمفاوضات الدولية التي قد تشهد تغييرات في استراتيجيات اللاعبين الرئيسيين.

المصدر: سوريا واحوالها 963

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى