
ترتفع أعداد السوريين المسافرين إلى سوريا بشكل ملحوظ، جواً وبراً. وهناك مؤشر مهم على ذلك هو قرار كل من شركتي الخطوط الجوية القطرية والتركية زيادة رحلاتهما إلى العاصمة السورية، من رحلة إلى رحلتين في اليوم، وذلك بسبب الإقبال الشديد، الذي يبدو واضحاً على الخطوط التركية، حيث يتعذر وجود مقاعد شاغرة على مدى شهر كامل، بسبب العدد الكبير للسوريين الذين يقيمون بتركيا، وهو يتجاوز ثلاثة ملايين.
هناك ملاحظة مهمة جدا وهي، ليست غالبية المسافرين جوا إلى سوريا من العائدين للإقامة في البلد، ويمكن الجزم بأن القسم الأكبر يذهب من أجل فحص الوضع العام، قبل أن يتخذ قرار العودة النهائية، التي تتم الآن من عدة اتجاهات، عبر المعابر البرية مع تركيا، ومن لبنان والأردن، وقد بلغ العدد حتى الآن قرابة 375 ألفا، قرروا أن يتركوا أماكن لجوئهم، ويعودوا ليستقروا بصورة نهائية في مدنهم وقراهم السورية، والكتلة الأكبر من هؤلاء تتوزع بين ريف دمشق، وحلب، وحمص وحماة.
رغم الزحام الشديد على المعابر البرية، ورحلات الخطوط التركية والقطرية، فإن عدد العائدين لا يتطابق مع التقديرات، التي كانت متوقعة في يوم سقوط النظام في الثامن كانون الأول الماضي. تبدو الأعداد أقل بكثير مما كان مترقباً، من عودة كثيفة، وخصوصاً من تركيا ومخيمات اللجوء في محافظة إدلب، التي تستقبل مع تركيا العدد الأكبر من المهجرين منذ بداية الثورة السورية، ولجوء النظام إلى العنف لمواجهة الحراك المدني.
لا تشكل حركة العائدين عبر المطارات مؤشرا، بل تبدو خادعة، لأنها تقتصر على شرائح وفئات من المجتمع السوري ذات دخل اقتصادي مختلف، عن أولئك الذين يعيشون في مخيمات اللجوء داخل سوريا وخارجها، كما هو الحال في لبنان. ومن الملاحظ أن المسافرين لدمشق عبر وسائل النقل الجوي، يعيش أغلبهم في المدن التركية وأوروبا والولايات المتحدة. ولذلك فإن العودة عن طريق المعابر البرية تبدو أكثر تعبيرا عن مسألة العودة النهائية، التي تعد خجولة جدا، وقد نشطت في المدّة الأولى لسقوط النظام، ولكنها بدأت تتراجع لأسباب مختلفة، أغلبها يستند إلى حسابات تتعلق بالخدمات والعمل والسكن والتسهيلات المالية.
من المرجح أن تحصل حركة سفر كبيرة إلى سوريا في المدّة القريبة القادمة، وذلك لأسباب عدّة، على رأسها تحسن حالة الطقس، لأن البرد يعتبر عاملا طاردا لفئات كثيرة في ظل عدم توافر الوقود الكافي للتدفئة. والسبب الثاني هو نهاية السنة الدراسية التي تشكل عاملا أساسيا في المعادلة، وحسب معلومات أوساط رسمية، فإن نسبة كبيرة من زوار سوريا كان هدفها التأكد من وضعية العملية التعليمية، التي تضررت على نحو كبير مثلها مثل بقية المرافق الحيوية، وباستثناء مراكز المدن، تعرضت المدارس للتدمير، وهي تحتاج إلى تأهيل كامل، يشمل بناها التحتية وكادرها البشري، الذي تهجر القسم الأكبر منه.
المشكلتان الكبيرتان بالنسبة لكل من يفكر بالعودة هما السكن والكهرباء. من لا يملك منزلا أو تعرض بيته للتدمير يخطط للاستئجار، ومن نجا منزله من التدمير، يعمل على إعادة تأهيله. وفي الأحوال كافة، يشكل تأمين الكهرباء معضلة كبيرة، وهناك مؤشرات على تحسن الوضع خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعد توافر الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، وذلك بعد وصول امدادات من الغاز من دولة قطر، والاتفاق بين الدولة و”قوات سوريا الديموقراطية”، التي تسيطر على آبار النفط والغاز في منطقة الجزيرة السورية، بالإضافة إلى شحنات نفط مستوردة من الخارج، ولكن ذلك لا يكفي وحده، ولا يشكل حلا دائما، طالما أنه لم يتم رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، لأن البنية التحتية ومولدات الكهرباء شبه مدمرة ومتهالكة.
رفع العقوبات يقترن بعدة خطوات من أجل إعادة تأهيل سوريا، ولا سيما إعادة الإعمار، وتحريك عجلة الاستثمار الأجنبي وتشجيع رؤوس الأموال السورية على العودة، وفتح الباب أمام تحويلات المغتربين السوريين المالية، التي يمكن أن ترفد الخزانة السورية وتحسن مستوى المعيشة، وتسهم في التعافي المبكر من آثار الحرب. وقد زادت الآمال بعد تشكيل الحكومة السورية، وردود الفعل الدولية والعربية التي رحبت بها، بالإضافة إلى صدور مؤشرات مهمة من واشنطن على هذا الطريق من خلال تعيين جويل ريبورن مساعدا لوزير الخارجية، ومكلفا بالملف السوري، الذي يعرفه عن كثب، وتعاطف مع السوريين طيلة الأعوام التي سبقت سقوط النظام.
المصدر: المدن