بعد سقوط نظام الأسد المجرم وانتصار الثورة السورية، تقف سوريا اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية تحمل تحديات كبيرة داخلية وخارجية، وتفتح آفاقًا واسعة لتحقيق آمال الشعب السوري. إنها لحظة مفصلية تستدعي من الجميع التكاتف والعمل الجاد لبناء دولة جديدة قائمة على سيادة القانون، دولة المؤسسات التي تضمن العدالة والحرية والمساواة، وتصون حقوق جميع مواطنيها من دون استثناء أو تمييز.
ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا عبر نظام سياسي جديد يعبر عن تطلعات الشعب السوري، ويستند إلى دستور يعكس التنوع السكاني السوري، ويضمن الفصل بين السلطات، واحترام سيادة القانون كمرتكز رئيسي.
إن المرحلة القادمة تتطلب إيلاء أهمية خاصة للسلم الأهلي، الذي يُعد أساس استقرار المجتمع السوري. إن انتشار السلاح بين أيدي المدنيين في عدد من المدن والقرى، ولا سيما في حلب وشمال شرقي سوريا وبعض قرى الساحل، يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار، وقد يؤدي إلى زعزعة السلم الأهلي إذا لم يتم التعامل معه بحكمة وحزم. ضبط الأمن وإنهاء حالة الفوضى الناتجة عن انتشار السلاح يجب أن يكون ضمن أولويات الدولة العتيدة، مع التركيز على معالجة هذا الملف تدريجيًا لضمان عدم حدوث أي تصعيد أو صدامات داخلية.
في هذا السياق، تأتي أهمية الاتفاق مع قوات شمال شرقي سوريا، حيث لا تزال المعارك مستمرة في بعض المناطق، مع تهديدات متصاعدة قد تؤثر على الأمن الداخلي السوري وعلى الأمن الإقليمي والدولي. ضرورة سحب السلاح من هذه المناطق يجب أن تكون ضمن أولويات المرحلة القادمة، بما يضمن استعادة الاستقرار وتهيئة الظروف لتحقيق سلام شامل ومستدام.
بناء جيش سوري جديد يعتمد على الضباط الأحرار الذين أظهروا إخلاصهم خلال السنوات الـ 14 الماضية، هو خطوة أساسية للحفاظ على وحدة سوريا وحمايتها من أي تهديدات داخلية أو خارجية. إنهاء الحالة الفصائلية ودمج مختلف القوى العسكرية في إطار جيش وطني موحد يُعد ضرورة حتمية. تحقيق ذلك يتطلب رؤية متوازنة وشجاعة لبناء الثقة بين جميع الأطراف، مع ضمان التدرج في تنفيذ هذه الخطوة الحساسة.
على الجانب الآخر، لا يمكن لأي تحول سياسي وأمني أن ينجح من دون اقتصاد وطني قوي. إعادة بناء الاقتصاد السوري ليست مجرد حاجة ملحّة لتأمين حياة كريمة للسوريين، بل هي ركيزة أساسية لاستدامة السلم الأهلي. يجب أن تتم عملية إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد على أسس صحيحة، بمشاركة جميع الأطراف السورية في الداخل والخارج، بعيدًا عن عقلية الحزب الواحد التي هيمنت على الدولة خلال حكم النظام المخلوع.
ولتحقيق ذلك بسرعة وكفاءة، يجب أن تسيطر الحكومة السورية الجديدة على كامل مقدرات وثروات سوريا، وخصوصًا النفط والغاز والفوسفات، لضمان توفير الموارد اللازمة لبرنامج إعادة الإعمار ودفع معاشات محترمة لموظفي الدولة السورية الجديدة.
المرحلة القادمة تتطلب نهجًا جديدًا يقوم على التشاركية والشفافية، وتجاوز عقلية الإقصاء والاستبداد التي أضرت بسوريا لعقود
إن المرحلة القادمة تتطلب نهجًا جديدًا يقوم على التشاركية والشفافية، وتجاوز عقلية الإقصاء والاستبداد التي أضرت بسوريا لعقود. علينا العمل على إشراك كافة الهيئات الوطنية السورية التي أسهمت في نضال الشعب السوري طوال السنوات الماضية، وضمان أن تكون هذه المؤسسات جزءًا من عملية بناء الدولة. تحقيق هذا الهدف يتطلب الالتزام بحوار وطني شامل يشمل جميع المكونات السورية من دون استثناء، بما يضمن تأسيس دولة تحتضن الجميع وتحترم اختلافاتهم.
في ظل هذه التحديات، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية دعم الشعب السوري في تحقيق انتقال سياسي شامل. هذا الدعم يجب أن يرتكز على احترام سيادة سوريا، مع توفير الموارد والخبرات اللازمة لإعادة الإعمار وتعزيز مؤسسات الدولة على أسس سليمة.
الثورة السورية لم تكن مجرد انتصار على نظام استبدادي
إن الثورة السورية لم تكن مجرد انتصار على نظام استبدادي، بل هي بداية لعهد جديد يجب أن يقوم على قيم الحرية والعدالة والمساواة. النصر الذي تحقق على نظام الأسد هو ملك للشعب السوري بأسره. ومع ذلك، الحفاظ على هذا النصر ومنع سرقته أو انحراف مساره يتطلب منا جميعًا العمل بحذر ويقظة. هناك مخاطر عديدة تهدد هذا الإنجاز، بما في ذلك الفوضى الأمنية، والخلافات الداخلية، أو محاولة احتكار السلطة من قِبل طرف من دون آخر.
سوريا الجديدة تحتاج إلى تضافر جهود جميع أبنائها، في الداخل والخارج، لبناء وطن حر ومستقر يتسع للجميع. بناء الدولة على أسس قوية تضمن سيادة القانون والسلم الأهلي، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، هو مسؤولية تاريخية يجب أن نؤديها بأمانة وإخلاص. ومعًا، سنرسم مستقبلًا يليق بسوريا وشعبها العظيم.
المصدر: تلفزيون سوريا