تطرح الكثير من وسائل الإعلام الغربية هذا السؤال بشكل كبير، في الحقيقة يجب أن ندقق في السؤال، فالثورة السورية لم تنته في 11 يوما هي المدة الزمنية لمعركة ردع العدوان التي أطلقتها المعارضة السورية، وإنما استمرت لأكثر من 13 عاما هو عمر الثورة السورية.
مرت خلالها الثورة بمراحل كثيرة من الضعف والقوة، ومراحل طويلة من الصراع العسكري والمفاوضات السياسية، لكن كل ذلك فشل في تحقيق أهداف الثورة السورية في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن بنفس الوقت كان مفاجئا انهيار النظام بسرعة خيالية مع بدء عملية ردع العدوان التي أعلنتها المعارضة السورية في 27 نوفمبر من الشهر الجاري، فكيف تطورت الأمور.
ما هي المعارضة المسلحة التي بدأت عملية ردع العدوان؟
تشاركت عدة فصائل سورية معارضة في معركة “ردع العدوان”، التي تُعدّ أوسع هجوم للمعارضة منذ عام 2020 أو ما يسمى الاتفاق على اتفاقيات خفض التصعيد التي اتفق عليها ضمن مسار أستانا الذي تقوده روسيا وإيران وتركيا، شكلت هذه الفصائل ما يسمى غرفة إدارة العمليات العسكرية أي غرفة مركزية للعمليات بقيادة موحدة من أجل تنسيق الجهود، وللمعارضة المسلحة خبرة طويلة في مثل هذا النوع من الغرف المركزية لكنها كانت جميعها مؤقتة وتفشل كليا مع انتهاء المعركة أو حين بدايتها.
تقود هذه الفصائل هيئة تحرير الشام وهي جماعة إسلامية مسلحة تشكلت في يناير/ كانون الثاني 2017 وكانت تتبع لتنظيم القاعدة قبل أن تعلن عن فك الارتباط بها في يوليو/ تموز 2016، وتضعها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية، فقد كانت الفصيل الأكبر والأكثر تنظيما من بين الفصائل وربما تكون هي صاحبة الفضل في إدارة العملية العسكرية “ردع العدوان” برمتها، إذ كشف أبو محمد الجولاني (كشف عن اسمه لاحقا بوصفه أحمد الشرع) أنه بدأ بالتحضير لهذه المعركة قبل عام تقريبا. وبحكم سيطرتها على مساحات واسعة في إدلب منذ عام 2017 فقد وضعت كل جهودها العسكرية للتحضير لهذه المعركة وربما كان الاستثمار العسكري وخاصة المسيرات الذي قامت به الحركة لعب دورا رئيسيا في إسقاط نظام الأسد. وهو ما سنتحدث عنه لاحقا.
الفصيل الآخر الذي شارك في عملية ردع العدوان كان الجيش الوطني السوري والذي يحصل على تدريبه وتمويله من تركيا، وهو عبارة عن مقاتلي الجيش السوري الحر الذين ذهبوا إلى تركيا وقامت تركيا عبر الحكومة السورية المؤقتة بدمجهم في تشكيلات مقاتلة مدربة بشكل جيد أطلق عليها الجيش الوطني.
كما شاركت حركة أحرار الشام وهي حركة نشأت إثر اندماج أربع فصائل إسلامية سورية وهي “كتائب أحرار الشام” و”حركة الفجر الإسلامية” و”جماعة الطليعة الإسلامية” و”كتائب الإيمان المقاتلة”. وكانت سابقا من أقوى الفصائل المسلحة بمناطق مختلفة في سوريا مثل إدلب وريفي حلب وحماة قبل أن تتعرض قياداتها العسكرية لسلسلة اغتيالات أثرت كثيرا على بنيتها القتالية، لكنها شاركت بفعالية في عملية ردع العدوان وخاصة السيطرة على حلب.
ثم هناك فصائل عسكرية أقل عددا من مثل الجبهة الوطنية للتحرير و”جيش العزة” وكتائب “نور الدين الزنكي” وجيش الإسلام ومعظمهم كان لهم دور مختلف في قتال نظام الأسد من عام 2013 وحتى عام 2020 لكنهم جميعا انخرطوا في إطارة قيادة عسكرية موحدة أطلق عليها إدارة العمليات العسكرية.
التطور العسكري لعملية ردع العدوان:
تمكنت الفصائل العسكرية المشاركة في عملية ردع العدوان من إسقاط نظام الأسد في دمشق في أقل من 11 يوماً، عندما بدأت بعملية مباغتة وسريعة في حلب بدأت في 27 الشهر الماضي حيث سيطرت إدارة العمليات العسكرية وبشكل مفاجئ على مساحات واسعة من ريف إدلب الشرقي وريف إدلب الغربي. وفي يوم الجمعة 29 نوفمبر تشرين الثاني، سيطرت قوات المعارضة على أحياء عدة في مدينة حلب ووصلت إلى حي الحمدانية لأول مرة في تاريخ الثورة السورية، وبدأت الفيديوهات تظهر سيطرة المعارضة على كامل المدينة وانسحاب النظام كليا من الفروع الأمنية والعسكرية في مناطق حلب المختلف.
هذا كان له وقع الصدمة كليا على مؤيدي الأسد ومقاتليه، فالكل شعر أنه لا وجود للميليشات الإيرانية التي كان لها الدور الأبرز في الدفاع عن حلب لحساب الأسد في أعوام 2014 وحتى عام 2018 عندما سيطر النظام عليها كليا من المعارضة بعد دعم جوي روسي كامل.
في اليوم التالي وسعت المعارضة سيطرتها على ريف حلب بحيث بسطت سيطرتها على كامل المحافظة بما فيها المطارات العسكرية الرئيسية في المحافظة والتي كان الأسد يستخدمها لقصف المدنيين بالبراميل المتفجرة.
وفي يوم السبت 30 نوفمبر تشرين الثاني، أعلن الجيش السوري التابع للنظام أنه أمر قواته بـ”الانسحاب الآمن” و”إعادة الانتشار” في بيان أصبح مكررا في كل مدينة تدخلها المعارضة السورية من حماة إلى حمص.
وفي اليوم التالي 1 ديسمبر كانون الأول، بدأ زحف قوات المعارضة نحو حماة التي يمكن القول إنها المدينة الوحيدة التي خاضت فيها المعارضة المسلحة صراعا مسلحا حيث سيطرت على حلب من قبل ودمشق فيما بعد دون أي قتال يذكر.
كثّف الطيران الحربي السوري الروسي المشترك ضرباته ضد المعارضة التي أحاطت حماة من ثلاثة محاور وادعى جيش النظام أنه جلب تعزيزات عسكرية بهدف صد المعارضة، لكن القوة النارية للمعارضة هنا كانت تتفوق على القدرة النارية للنظام بشكل كبير إضافة إلى القدرة النوعية لاستخدام المسيرات والتي لعبت دورا رئيسيا في خلخلة صفوف قوات النظام حيث تمكنت من قتل رئيس فرع الأمن السياسي في حماة بفضل هذه المسيرات التي تبدو فعالة في هذه المعركة وأجبرت الفرقة الخامسة والعشرين وهي الفرقة التي يقودها الجنرال سهيل الحسن الذي اعتمدت قوات ألأسد عليه كثيرا في السابق كما أنه أصبح مفضلا لدى روسيا التي أنشأت له الفرقة بشكل خاص، لكن الحسن نفسه أصيب بإحدى مسيرات شاهين هذه مما أضعف معنويات مقاتلي جيش النظام بشكل كبير.
استمرت معركة حماة أربعة خمسة أيام تقريبا وحتى 4 ديسمبر كانون الأول، حيث سيطرت المعارضة المسلحة على بلدة قلعة المضيق في منطقة سهل الغاب غربي حماة بالتزامن مع سيطرتها على مدن صوران وطيبة الإمام شمالي حماة.
ثم سيطرت على رحبة خطاب الاستراتيجية المجاورة لمطار حماة والتي يقع فيها مركز قيادة الفرقة 25 وبدأت قاب قوسين أو أدنى دخول المدينة، وفعلا في اليوم التالي تمكنت المعارضة من السيطرة على كامل المدينة يوم الخميس 5 ديسمبر كانون الأول. وأقر الجيش السوري بخسارته مدينة حماة الاستراتيجية معلنا في بيان “قامت الوحدات العسكرية المرابطة فيها بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة”.
فورا وبعد السيطرة على حماة بدأ توجه قوات المعارضة نحو مدينة حمص المهمة استراتيجيا فهي تقع في الوسط وتشكل مركز عقدة المواصلات في سوريا كلها. حاولت روسيا مع طيران الأسد قصف جسر الرستن من أجل إبطاء تقدم المعارضة نحو حمص، لكن المعارضة تمكنت من حصار المدينة يوم الجمعة 6 ديسمبر كانون الأول.
في اليوم التالي تسارعت الأحداث بشكل كبير جداً، حيث سيطر الثوار في مدينة السويداء على الفروع الأمنية بالكامل وباتوا يسيطرون على المدينة بشكل كامل وهذا ما شجع المقاتلين السوريين في درعا والذي أقاموا مصالحات مع نظام الأسد بعد عام 2018 على الانشقاق على الأسد مجدداً، وتشكيل ما يسمى غرفة عمليات فرع الجنوب التي تمكنت من السيطرة خلال يومين على كل الفروع الأمنية في المحافظة بما فيها المقرات العسكرية المحصنة في مدينة درعا.
وبينما كانت قوات إدارة العمليات العسكرية لا تزال تخوض معارك محدودة في حمص وتقضم منطقة تلو الأخرى بدأت الأخبار تتسلل من انسحاب الجيش والآمن من مقراتهما الرئيسية في دمشق وعمليا كانت دمشق في طريقها للتحرر كليا من قبضة الأسد في أقل من 24 ساعة وبدون أية معارك عسكرية.
إلى الآن لم يتضح بعد من ومتى تم إعطاء الأوامر بانسحاب الجيش والأمن من مقراته في العاصمة دمشق ومتى قرر الرئيس السابق بشار الأسد الهرب ـ لكن رئيس الوزراء الأخير في عهد الأسد تحدث في مقابلة معه على قناة العربية أنه تحدث مع بشار الأسد في حدود العاشرة مساء يوم السبت وأخبره بالفوضى وحركة النزوح الكبيرة باتجاه الساحل.
فأجابه “إلى أين يذهبون، وهل هناك بيوت تؤويهم؟”
بعدها حاول الاتصال معه مجددا فجر يوم الأحد 8 ديسمبر كانون الأول لكن دون جدوى فتأكد أن الرئيس السوري بشار الأسد قد قرر الهروب سيما أن وزيري الدفاع والداخلية أيضا لم يردا على أية اتصالات وفعلا سيطر فصيل أتى من مدينة دوما على التلفزيون الرسمي في ساحة الأمويين في دمشق ليبث أول بيان للمعارضة السورية بعد دخولها العاصمة السورية، وهروب الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق.
لماذا انتصرت المعارضة بهده السرعة؟
أربعة عوامل رئيسية لعبت دورا رئيسيا في انهيار جيش الأسد وانتصار المعارضة بهذه السرعة:
أولا: التفوق النوعي لسلاح المعارضة
أشار أحمد الشرع (المعروف بأبو محمد الجولاني) أنهم بدؤوا بالإعداد لهذه المعركة منذ أكثر من عام حيث جرى تطوير القدرات العسكرية لهيئة تحرير الشام بما فيها الصواريخ محلية الصنع مع تطوير المسيرات (شاهين) التي لعبت دورا حاسما في معركة ردع العدوان فيما يتعلق باستهداف القادة العسكريين والأمنيين لنظام الأسد وبنفس الوقت استهداف السيارات والمدرعات على بعد 30 كيلومترا تقريبا وقد تم استخدامها بكثرة في مدينة حماة التي كان لانتصار المعارضة العسكرية فيها دور حاسم في انهيار قوات الأسد كليا.
العامل الثاني: كان في ارتفاع المعنويات القتالية للمعارضة السورية مقابل انهيار المعنويات القتالية تماما لمقاتلي الأسد، وقد نقل وزير الخارجية الإيراني الذي كان آخر مسؤول يجتمع مع الأسد عن الأسد اشتكاءه من الجيش الذي لا يرغب في أن يقاتل وهذا ما أكدته شهادات الكثيرين من مقاتلي جيش الأسد الذين رفضوا القتال في حلب وهو ما انعكس تباعا على معنويات كل مقاتلي الجيش في المدن المختلفة في حماة وحمص ودمشق.
أما العامل الثالث فهو التغيرات الإقليمية والدولية وعلى رأسها هزيمة حزب الله أمام إسرائيل والضربات الإسرائيلية والأميركية المستمرة ضد قادة الميليشيات الإيرانية في سوريا لعبت دورا خاصة بعد توقف القتال على الجبهات عام 2020 في سحب هذه الميليشات لقادتها من سوريا وهم من كانوا يقودون كل العمليات القتالية ضد المعارضة في الشمال السوري.
ومع انسحاب هؤلاء القادة من سوريا فقد جيش الأسد قدرته القيادية تماما على مستوى إعطاء الأوامر والتحركات الاستراتيجية، وقد كشفت بعض الوثائق بعد انهيار الأسد كيف أن المخابرات الجوية السورية حذرت من خطورة ذلك، لكن هذا الانهيار كان تراكميا على مدى 13 عاما ولم يتم بين ليلة وضحاها.
أما العامل الرابع والأخير فقد كان غياب التأثير الحاسم للقوة الجوية الروسية بسبب انشغال روسيا في أوكرانيا، فبعد أن تدخلت روسيا في سوريا في سبتمبر 2015 وظفت كل قدراتها الجوية لصالح نظام الأسد عبر القصف الدائم لمواقع المعارضة السورية في الشمال السوري، لكن مع بدء التدخل الروسي في أوكرانيا سحبت روسيا الكثير من قواتها العسكرية من سوريا لذلك مع بدء عملية ردع العدوان كان لدى روسيا أربع طائرات مقاتلة فقط، ورغم قصفها لمواقع المعارضة في حماة تحديدا ومن ثم حمص لكن كان واضحا أنها لن تتمكن من صنع أي تغيير يذكر على الأرض في ظل التقدم السريع لقوات المعارضة وانسحاب الجيش النظامي وعدم رغبته بالقتال.
بالنهاية كان العامل المحفز لهذه العملية العسكرية داخليا بكل تأكيد لكن المعارضة استفادت بشكل ذكي من التبدلات الإقليمية والدولية بما حقق لها في النهاية النجاح في حلم راود السوريين على مدى 13 عاما وهو إسقاط نظام عائلة الأسد التي حكمت سوريا بالحديد والنار على مدى 54 عاما.
المصدر: تلفزيون سوريا