
في وسائل التواصل الاجتماعي، ينشط بكثافة ذبابٌ الكترونيٌ ذخيرته مثل هذه الهنّات ولن يتردد في القفز عليها. وفي ألف باء أكاذيبهم، يصمون مجمل الوقائع التي تُظهر مدى همجية ودموية القمع الأسدي على أنها، إما من نتاج الذكاء الاصطناعي أو أنها نتيجة تلاعب بالمشاهد المصوّرة عبر الحاسوب. فما بالنا عندما تُهيء لهم هذه المراسلة الفاشلة قصة منسوجة من الأكاذيب من بابها إلى محرابها؟ إنها باللجوء إلى هذا الأسلوب الفجّ، تزودهم بذخيرة لم يكونوا ليحلموا بها قطّ. ولذا، فهم سيبنون عليها قصورًا من رمال متحركة مليئة بجراثيم نفسياتهم المشوّهة التي تتحسّر على مصدر رزق فات. وبالرغم من كونهم في طور البحث الحثيث عن مصدر جديد لم يظهر لهم بعد، أو أنهم يتحضرون لممارسة ما اتقنوه في حيواتهم السابقة من انعطافات جذرية، من دون أي توبيخٍ من ضمير أو تعبيرٍ عن ندم. فهم لن يهملوا مثل هذه القصة ويدعونها من دون استغلال وصياغة المعلّقات اللفظية الفارغة من المحتوى حولها.
في حمأة التشكيك المستمر، من دون خجل ولا وجل، بالحقائق وانتشار السيناريوهات الركيكة والمتخيّلة، والتي تهدف فيما تهدف إلى تشويه لحظات الفرح السوري غير الساذج بامتياز، والمتنبّه لكل المخاطر التي تحيط بكل عمليات التغيير، خصوصًا تلكم التي تأتي بعد عقود من الاستبداد الموصوف والقتل الممنهج، والذي لم يُقابله مثيل إلا في حالات الخمير الحمر ربما، يخرج ما يُطلقون على أنفسهم بالحقوقيين في تونس يمثلون أقدم رابطة عربية للدفاع عن حقوق الناس، والتي كان لها ماضٍ عريقٍ في مقارعة العسف السياسي والأمني، ببيان مُخجل يُفصح عن مكنونات تفكيرهم المتعفّن، ليس نتيجة سجن طال، بل بسبب تخمّر مفاهيم أيديولوجية بائدة تضعهم في موقع التشكيك والبحث عن “مؤامرة” خارجية، من المفضّل أن تكون غربية الهوى وصهيونية المآل، في كل مشاهد التغيير، وخصوصًا تلك التي تُظهر عقم أساليبهم وفشل مقارعتهم لطواحين الهواء الفاسد بسيوف من خشب طاله السوس.
بعض المتهافتين على موائد النظام البائد لبنانيًا، اختفوا من الساحة الإعلامية وهم قلّة. أما أكثرهم وأشدّهم وقاحةً، فقد عادوا بصيغ كلامية مختلفةٍ يكادون فيها يدينون النظام السوري الساقط، وكأنهم ولدوا فجر اليوم ولا تحتوي وسائل التواصل على عشرات المشاهد التي تُظهرهم أبواقًا مثقوبة تُحاكي أساليب غوبلز في نسج الأخبار الكاذبة، حتى يصدقها السذّج من أمثال الرابطة التونسية لحقوق الانسان، وسواها من بقايا العصر القمعي. وقاحتهم تكاد تخرج رذاذاً أحمر بلون الدماء من أفواههم، مبعثرة التعبير بين الإشارة إلى تعرضهم للضغط أو تفاجئهم بفرار القيادة “الحكيمة” التي كانوا يقبلون حذاءها العسكري. والأشد وقاحة وجلافة، أولئك الذين أو اللواتي سيقومون بالإشارة إلى سابق حديثهم عن ضعف المؤسسة العسكرية السورية، والتي نالت ما نالته من سمعة حزب لبناني مسكين، وذلك بإقحامه في المقتلة السورية، التي لا ناقة له فيها ولا جمل. أما من أحلّ نعلاً مثقوبًا مكان وجهه، فسيقوم حتمًا، أو أنه بدأ بالفعل، بالخوض في خلفيات “المؤامرة” المحاكة ضد العمق الاستراتيجي للمقاومة المُتخيّلة، ما دامت تستمر في ضخ الفلوس في جيبه المثقوب.
هذه النماذج تمتد طولاً وعرضًا، ليس عربيًا فحسب، بل دوليًا أيضًأ. ففي فرنسا يتحسّر اليمين المتطرف على زوال صديقه الوفي في دمشق. كما يتلعثم أنصار جان لوي ميلانشون، في شرح مواقف ستالينهم السابقة المدافعة أيديولوجيا ـومن دون أية منفعة تُذكرـ عن رموز النظام الأسدي المستبد. وعلى الرغم من أن مجمل أعضاء الحزب اليساري الذي يتزعمه ميلانشون ليسوا من طينته التشكيكية، إلا أن إدارته الاستبدادية لمفاصل الحزب تجعلهم مسؤولين حتمًا عن ترّهاته، وخصوصاً عندما اعتبر أن روسيا قامت بالعمل الضروري بعد سقوط مدينة حلب سنة 2016.
من المؤكّد أن الوقاحة أعيت من يداويها، وأن نصح هؤلاء بالغياب قليلاً عن الساحة الإعلامية لحفظ ماء الوجه، هو نفخٌ في قربة مقطوعة، لأن لا ماء في وجه اعتاد مدح المستبد والتملق له. وما يخشى منه، أن يتمكن هؤلاء قريبًا من تغيير سحنتهم والانتقال إلى الخندق المقابل، والبدء في تسخير مواهبهم باتجاه معاكس معتمدين على ذاكرة ضعيفة وقلوب طيبة. فاحذروهم.
المصدر:المدن