قراءة في كتاب: النظريات الأمنية وتطبيقاتها في العالم العربي

أحمد العربي

د. بشير زين العابدين من المفكرين السوريين المعاصرين المتميزين. كتابه النظريات الأمنية وتطبيقاتها في العالم العربي، هو الكتاب الأول الذي أقرأه له.

موضوع الأمن من أهم الموضوعات في تاريخ البشرية سواء فيما يتعلق بالأفراد والجماعات والمجتمعات والدول بكونه بتعلق في سلامة حياة الناس وخلق ظروف حياتية تجعلهم يصنعون حياتهم ويحمونها ويصونها و يطورونها.

النظريات الأمنية:

في هذا الفصل يتناول الكتاب موضوع النظريات الأمنية بعمق أهميتها وبداية نشأة هذه النظريات منذ القديم ويتوسع بشكل أساسي عندما يتحدث عن العالم المعاصر والتطور العلمي والصناعي والفكري عندما ظهرت الليبرالية في الغرب الأوربي واقترن بها التصنيع الهائل وبداية البحث عن أسواق وموارد أولية واصبح الاستعمار سمة عصر التوسع الأوربي منذ قرون. خارج أوروبا بعدما عاشت في القرون الوسطى حروب بينية بين دولها امتد بعضها إلى عقود.

لقد كانت النظريات الكلاسيكية من المادية و الهيجلية وغيرها من المناهج هي مادة البحث في موضوع الأمن. واستمرت المناهج البحثية حول ذات الموضوع تتطور مع تطور حالة الواقع الامني العالمي تارة يقرأ الواقع الأمني القائم وتارة يفكر بالمتغيرات القادمة ويطرح ما يناسبه من مناهج لدراسة ظاهرة الأمن. هكذا ظهرت النظرية الواقعية والليبرالية  و البنائية ونظرية المباريات والنظريات النقدية بعد ذلك.

اعترف هنا أن كل نظرية تحتاج للتحدث عنها. لكن قراءة مكثفة ومركزة لا تتحمل التوسع. مع الإقرار أن كل كتابة عن الكتاب لا تغني عن قراءته. انه كتاب شمولي علمي موضوعي موثق.

الأمن العربي المعاصر:

ينتقل الكاتب في هذا الفصل إلى دراسة الأمن العربي المعاصر كواقع عملي حيث يرى أن لدينا كبلاد عربية مشكلة اننا بجوار أوروبا وضحايا طموحاتها التوسعية وممارساتها الاستعمارية بحق دولنا منذ قرنين تقريبا. هذا غير الصراع التاريخي الذي عشناه في ماضينا المشترك. وبذلك ندرك ان كل الدول العربية وقعت ضحية المستعمر الأوروبي بعضها لعقود والبعض لأكثر من قرن. لانها اصلا كانت تابعة للعثمانيين مقاطعات أو ولايات الذين هيمنوا على المنطقة العربية لقرون. واننا كنا كبلاد عربية غنائم حرب للاوربيين فرنسا وبريطانيا وايطاليا. وان هذا الاستعمار كان يزيد من أزماتنا الحياتية والوجودية. ويعمل لخلق الفرقة والتقسيم المجتمعي والديني والطائفي داخل كل دولة اقتطعها واستعمرها. وزاد في السوء تأسيس الإنجليز للكيان الصهيوني في فلسطين بحيث أُعلنت دولة الصهاينة مجرد غادرت انكلترا فلسطين.

ويضاف لأفعال المستعمر تقسيم العالم العربي الى دول اقليمية تابعة للمستعمر بحيث دخلنا في أزمة قومية عربية. وكانت دولنا العربية عاجزة عن تمثيل كياننا الوجودي العربي كأمة عربية يجب أن تكون دولة قومية واحدة. ولم يكتفوا بتقسيم الامة بل اعتمدوا على خلق أسباب التفرقة والصراع بين مكونات كل دولة على أسس دينية وطائفية وعرقية بحيث أصبحت هذه المرجعيات أساس تكوين الدول بعد الاستقلال لهذه الدول والكيانات الإقليمية العربية.

لقد زاد من سوء واقع الدول المستقلة أنها لم تكن مستقلة فعلا بل بقي لها وشائج مصالح مع الدول الاوربية وتحقق مصالحها بأشكال مختلفة. وزاد الوضع سوءا الحضور الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية. والدعم الغربي الأوروبي الأمريكي للكيان الصهيوني ضد الدول العربية وعلى حساب شعوبها و أراضيها ومصالحها.

زاد الامر سوء ان هذه الانظمة العربية الناشئة بعد عصر الاستعمار إضافة تبعيتها للغرب وتقاسم المصالح معه. لم تكن دول ديمقراطية. ولا يعنيها مصالح شعوبها ولا كرامة مواطنيها. ولا حقهم بالحرية والعدالة والحياة الأفضل. فكانت دول استبدادية بنوعيها الجمهوري والملكي. وزاد الامر سوء أنها اعتمدت في كل دولة نمطا سلطويا يستند على التسلط والقهر وسيطرة الجيش والأمن وسيطرة أحد المكونات المجتمعية طائفة أو عشيرة او اسرة او حزب بحيث يكون اغلب الشعب ضحية هذا النظام وارتباطاته الخارجية وهيمنته وتسلطه واستغلاله الداخلي. القمع والظلم دون حدود ولا رادع له.

وزاد الأمر سوء هو خلق صراعات بينية بين هذه الدول بعضها أدى لحروب بينية والبعض كان سببا لخلق صراعات باردة تؤدي لمزيد من السوء في حياة الشعوب في هذه الدول. الصراع بين دول المغرب العربي انعكس سوء على الشعوب هناك والصراع بين نظام العراق والنظام السوري وضرره على الشعبين. دور النظام السوري في لبنان لعقود. الخ. وفوق ذلك وقبله وبعده واقع العلاقة الصراعية بكل تحولاتها مع الصهاينة.

وكان خلق الصراع المجتمعي داخل الدول العربية ذروة الحال السيء بحق الشعوب العربية. بحيث تم خلق الفتنة بين مكونات المجتمعات العربية الممتدة لاكثر من الف سنة من التعايش. وأصبح الاختلاف الديني او الطائفي او الاثني مبررا للصراع الكامن أو العلني. والذي تعيد استثماره الانظمة او الغرب حسب مصلحته.

وكان الربيع العربي في عام ٢٠١١م الذي حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وكاد يتمدد الى الدول العربية الاخرى. بما يعبر عن رفض معادلة المظلومية المجتمعية العربية. رفض الاستبداد والظلم والفساد والمحسوبية والمطالبة بدول ديمقراطية وتحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والحياة الأفضل للشعوب العربية. كان بمثابة ناقوس الخطر للأنظمة التي سقط رؤسائها في تونس ومصر وليبيا واليمن وتم دعم النظام السوري لمنع اسقاطه. لقد أدرك الغرب أن معادلات جديدة في البلاد العربية تؤثر جذريا على مصالحها. لذلك بادرت الى اسقاط الثورات العربية في الدول التي ثارت وباشكال مختلفة. في مصر وتونس تم اعادة دولة الاستبداد العميقة التابعة للغرب ومصالحه عبر هيمنة العسكر والأمن . وتم وضع ليبيا واليمن في حالة حرب داخلية تؤدي لتآكل الدولتين ذاتيا. وتم تحويل سورية الى دولة مستعمرة من دول عدة وسمح للنظام وحلفائه أن يتوحش بحق الشعب السوري ويسقط مليون ضحية ومثلهم مصاب وأكثر من نصف الشعب السوري لاجئ داخليا وخارجيا حيث فقد أغلب السوريين أسباب العيش. وبقي النظام يتربع على سلطة في جزء من سورية تحت رعاية روسيا وإيران والميليشيات الطائفية حزب الله وغيره. هذا غير الامريكان الذين يدعمون  امتداد حزب العمال الكردستاني في سورية شرق الفرات. قوات سورية الديمقراطية ومسميات أخرى. وبعض سورية محرر من سيطرة النظام في الشمال الغربي السوري.

لقد توسع الكتاب حول واقع الدول العربية بانها اصبحت نموذجا للدول المتشظية داخليا وأصبحت هوية مكوناتها المتنوعة أكثر قوة من الهوية الوطنية الجامعة للدولة. وان التخطيط الغربي لبلادنا الآن ينصب على تقوية هذه المكونات ودعمها لتصنع وجودها ومشاريع كياناتها. الطائفية والإثنية. فهي تدعم النظام “العلوي” الأقلياتي في سورية وتدعم الب ك ك حزب العمال الكردستاني وامتداده في سورية كونه تعبيرا عن الاكراد. وترى الكيان الكردي شمال العراق نموذجا يحتذى. وتحاول اللعب على موضوع الدروز في سورية لتخلق مبرر التقسيم المجتمعي في سورية كمقدمة للتقسيم الواقعي. مع طموح لترابط بين دروز سورية ولبنان والجولان وفلسطين. وان يكونوا على نموذج الكيان الصهيوني اليهودي. نحن ندرك وعي اهلنا الدروز في سورية لهذه اللعبة ورفضهم لأي مشروع غير وطني وان اجندتهم وطنية سورية ويعملون لاسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية لكل السوريين.

لذلك ختم الكاتب هذا الفصل المهم بولادة عصر ما بعد الفرد. التي أسست لها الليبرالية سابقا. واصبح كل انسان معروف حسب أرومته المجتمعية دينية او اثنية وطائفية ومذهبية. وهكذا تم إسقاط الهوية الذاتية للإنسان كفرد متميز له كيانه وخياراته الحياتية ووجوده وطموحاته واعماله. ليصبح واحد من القطيع المجتمعي في لعبة صراع مستمر غير منتهي. فلا غالب ولا مغلوب في صراعات المجتمعات العربية. لكنهم الضحايا دوما وكل الوقت…

تطبيقات الأمن الإقليمي:

 يتوسع بدراسة الأبعاد التطبيقية لهذه النظريات الامنية المستجدة. وعبر محاولة المواءمة بين النظريات الامنية. والبحث في الاجراءات التأسيسية لذلك ومن ثم صناعة الاستراتيجيات الامنية. وكلها عناوين لمتابعات تفصيلية مهمة يجب معرفتها سواء بالعودة إلى الأصول ، او مفهوم اللعبة الكبرى التي تحوي داخلها الفاعل الدولي والإقليمي والمحلي ودور البنى المجتمعية في أي مسألة أمنية في اي دولة. وطرح نظرية المباراة لتسمية الصراعات وتفاعلاتها وتطوراتها ومآلاتها. والوصول اخيرا الى معرفة اللعبة الكبرى في العالم العربي. حيث حصل تغيير في مفهوم الحرب وضرورتها وفعاليتها. وتغير في مفهوم الفراغ الاستراتيجي. إدارة الصراع وليس بالضرورة حلّه أو انهاؤه. والانتقال الى الصراعات ما دون الدولة أو داخلها.

كما تطرق الكاتب إلى النظريات الحديثة وتطبيقاتها في ادارة الصراع.

صراعات بينية وطائفية داخل الدولة.

صراعات الدولة مقابل المجتمع.

الصراع على الموارد الحياتية

وحول المركزية واللامركزية

صراع الهوية.

الصراع مع التطرف والغلو

الصراع على الحدود والمعابر

صراع الدول على الحدود

انتهاء الصراع الصفري

الذي يعني أن الصراع هو الأصل وهو المستمر كأحد أهم تطور الدراسات الامنية.

ينتهي الكتاب ونعجز عن التوسع أكثر في محتوياته شرحا وعرضا لضرورة الاختصار وعدم الاطالة.

نختم : أننا أمام كتاب شمولي موثق مراجعه كثيرة يتابع موضوعه بالتفصيل وبكثير من الدقة.

نحتاج الى هكذا كتب علمية لنواكب العصر الذي نعيش به. ولنتعلم ولنحاول أن ننتقل من التبعية للغرب وأن نسقط دولنا المستبدة وننتقل الى صناعة المستقبل الذاتي الصحيح لدولنا ونتحول من أداة وموضوع  اللعبة الدولية والاقليمية تحت سيطرة الأنظمة التابعة وأن نستلم زمام أمورنا كشعوب عربية هي الضحية وهي الامل ومنها ينطلق التغيير وعليها المعول. ونعمل لصناعة مستقبلنا بإرادتنا ومصلحتنا كشعوب.

شكرا د. بشير زين العابدين على هذا الكتاب القيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى