ما إن انتهى النظام السوري من الاستيلاء على الأراضي في منطقة المزة وبساتين الرازي من أصحابها بذريعة التنظيم، حتى أطلق مكانها مشروع “ماروتا سيتي” بتكليف من محافظة دمشق وإشراف وتنفيذ شركة “دمشق الشام القابضة” المحسوبة على رامي مخلوف وسامر الفوز المدرجين على لوائح العقوبات الأميركية.
استغل النظام عبر الشركة المنفذة لمشروع “ماروتا سيتي” مواد بناء وصلت من الجهات المانحة عبر “صندوق التعافي المبكر” لتنفيذ المشروع، في حين كانت المواد مخصصة لبناء مدراس بالدرجة الأولى في المناطق التي تضررت في زلزال 6 شباط 2023.
عقب الزلزال المدمر، علن الاتحاد الأوروبي عن تخفيف مؤقت للعقوبات المفروضة على النظام السوري من أجل تسهيل إيصال المساعدات للمناطق المتضررة، وقال المجلس الأوروبي في بيان إن المنظمات الإنسانية لن تحتاج مدى ستة أشهر للحصول على إذن مسبق من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإرسال مواد أو تقديم خدمات للكيانات الخاضعة لعقوبات التكتل.
جاء هذا الإجراء “نظرا إلى خطورة الأزمة الإنسانية في سوريا والتي تفاقمت بفعل الزلزال”، وفق ما جاء في البيان، وقتل الزلزال الذي بلغت قوته نحو 7.7 درجات على مقياس ريختر أكثر من 53 ألف شخص في تركيا وأكثر من 3600 في سوريا.
ولفت الاتحاد الأوروبي إلى أنه والدول الأعضاء فيه هم المانحون الرئيسيون لسوريا، وقد بلغ إجمالي التبرعات 27,4 مليار يورو للبلد والدول المجاورة التي تستضيف لاجئين، مثل تركيا، منذ عام 2011.
و”كمساعدات زلزال”، قدم الاتحاد الأوروبي لاحقا 3,5 ملايين يورو للمساهمة في تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة في سوريا.
“شام القابضة” تبني مشروعها من مساعدات السوريين
عقوبات الاتحاد الأوروبي التي فُرضت ضد النظام عام 2011 تستهدف 291 فردا و70 كيانا وتشمل تجميد الأصول وحظر السفر، وعلى رأسها الشركة المنفذة لمشروع “ماروتا سيتي”.
مصدر من “محافظة دمشق” أكد لموقع تلفزيون سوريا أن شركة شام القابضة استغلت حصول النظام على مواد بناء كانت مخصصة لبناء مدراس وتجهيز بنى تحتية في المناطق المتضررة من الزلزال، واستخدمتها في بناء كتل سكنية في مشروع “ماروتا سيتي”.
ولفت المصدر إلى أنه تمت المباشرة بتنفيذ البنية التحتية للمشروع بمواد بناء دخلت سوريا على أساس أنها مواد لبناء المدارس وبدعم من الجهات الأوروبية المانحة، ومطلع العام الحالي تم البدء بتخصيص مساحة المنطقة التنظيمية الأولى جنوب شرقي المزة خلف الرازي تبلغ 214.9 هكتاراً ومساحة المنطقة التنظيمية الثانية 890 هكتاراً وتشمل جنوبي المتحلق الجنوبي (اللوان – بيادر نادر – نهر عيشة – الدحاديل – قدم شرقي غربي) إضافة إلى عسالي حتى شارع 30، وبيّن المصدر أن مدة تنفيذ المشروع هي خمس سنوات وستتم إزالة جميع الأبنية والمنازل وفق مراحل تنفيذ المشروع، دون تأمين السكن البديل لأصحاب المساكن والعقارات التجارية.
وأشار المصدر إلى أنه من خلال المرسوم (66) لعام 2012 تم التخطيط لاستحداث المنطقتين التنظيميتين: المنطقة الأولى، تنظيم منطقة جنوب شرقي المزة من المنطقتين العقاريتين مزة – كفرسوسة، والمنطقة الثانية: تنظيم جنوبي المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية مزة – كفرسوسة – قنوات بساتين – داريا – قدم.
وبيّن المصدر أن عملية تنظيم المنطقتين في جنوب شرقي المزة – بساتين الرازي وجنوبي المتحلق الجنوبي تجاهلت الجوانب القانونية المتعلقة بحقوق المواطنين، ما أدى لضياع حقوق المواطنين، وتم تثبيت ملكية لملّاك جدد خلال فترة قصيرة جداً.
وأضاف المصدر أن وعودا قطعت لتأمين السكن البديل كان من المفترض منحه قبل عامين لفترة مؤقتة لحين إنجاز المشروع إلا أنه لم يتم تنفيذ أي من الوعود التي قطعتها الجهة المنفذة لمشروع ماروتا، وهو ما دفع أصحاب العقارات لتكبد عبء الإيجارات.
مشاريع هندسية بإشراف “الأمن العسكري”
عمل المهندس عبد الرحمن السيد -اسم وهمي- لسنوات طويلة في مؤسسة شام القابضة وكان على اطلاع تام بخفايا استفادة الشركات من المساعدات الدولية، وكيف تم توظيفها في مشروع تنظيم المزة والمصنف تحت بند (قطاع خاص) ولكن تحت إشراف كامل من محافظة دمشق نظراً لضخامة المشروع من كل النواحي الاقتصادية، العمرانية والاجتماعية، وبجزء كبير من أموال المساعدات الإغاثية.
وشدد المهندس على أن مواد البناء التي وصلت إلى ميناء اللاذقية قبل نحو عام ونصف العام تم نقلها إلى مشروع “ماروتا سيتي” مباشرة، حيث بقي المشروع متوقفا لسنوات، موضحا أن جزءا من من المساعدات الإغاثية كان عبارة عن قطع تبديل لصيانة مضخات بيتونية ضخمة تتبع لشركة putzmeister الألمانية ذات الضغط العالي، والتي تعتبر أساسية لإنشاء المشاريع الخرسانية الضخمة، وكانت ممنوعة من التصدير إلى سوريا بحكم العقوبات الأوروبية، لكنها وصلت تحت بند الإعفاء “الإغاثي”.
وأوضح أن الشركة نقلت ملكية العقارات بعمليات غير قانونية ومخالفة حتى للمرسوم (66) الذي يمنع كل عمليات البيع والشراء في هذه المنطقة حتى صدور الأسهم، إلا أن الشركة نقلت الملكيات بتاريخ قديم سبق تاريخ إصدار المرسوم، وتزداد المشكلة تعقيدا عندما يلجأ بعض الملاك الجدد لعمليات بيع متعددة في ظل انعدام تسجيل أي عملية بيع في القيود العقارية “الطابو”.
واستند المهندس إلى بعض الصور التي بحوزته والتي تظهر قيام عدد من ضباط من شعبة الاستخبارات العسكرية ومنهم نائب رئيس الشؤون الداخلية للفرع 293 مضر دوبا، الذي دأب على إجراء زيارات مكوكية للمشروع برفقة ضباط آخرين وأحيانا برفقة ضباط وعناصر إيرانيين ومن حزب الله، حيث إن جزءا كبيرا من المشروع تم تخصيصه لضباط من الأمن العسكري وأمن الدولة.
عقوبات دولية ومخالفة لقوانين الدستور
في عام 2019، فرض الاتحاد الأوروبي والخزانة الأميركية كلّ على حدة، عقوبات على كيانات تجارية ورجال أعمال، معظمهم يشاركون النظام السوري في الاستثمار بمشروع ماروتا سيتي، وأبرزهم سامر فوز. وفي حزيران من عام 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على محافظ دمشق السابق عادل العلبي لدوره في الإشراف على شركة “الشام القابضة”، ومشروع تطوير العقارات في ماروتا وباسيليا سيتي، واصفة المشروع بأنه “أكبر استثمار عقاري في سوريا بملايين الدولارات، يهدف إلى تغيير ديمغرافية المكان إلى ديمغرافية غنية وموالية للنظام”.
يذكر أن كلمة “ماروتا سيتي” (تعني بالسريانية السيادة والوطن)، وسبق أن علق محللون وناشطون على التسمية و”عموم جدوى المشروع” فقد اعتبروه، بناءً عصرياً فوق الأنقاض، فضلاً عن لفتهم اﻷنظار إلى المسميات، السيادة والوطن، وهي مصطلحات مفقودة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا