الانتخابات الأميركية قد تؤثر على السياسة تجاه سوريا، إذ يميل الجمهوريون بقيادة ترامب إلى تصعيد الضغوط على إيران، مما قد يضعف النفوذ الإيراني في سوريا، في حين يسعى الديمقراطيون إلى الحفاظ على التوازن من دون تصعيد، مما قد يعزز التطبيع مع النظام السوري.
تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري مرهون بنتائج الانتخابات، إذ يُحتمل أن يدعم ترامب مسار التطبيع العربي، بخاصة مع ضغط دول الخليج، في حين يُتوقع أن يكون تأثير الديمقراطيين محدوداً، مع التركيز على القضايا الإنسانية والإبقاء على التواجد العسكري لمراقبة الأنشطة الإيرانية.
النقاش حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا لا يزال قائماً؛ ترامب قد يميل للانسحاب بناءً على توجه المحافظين، في حين يُرجح أن تحتفظ إدارة ديمقراطية بقيادة هاريس بوجود عسكري محدود حفاظاً على استقرار استراتيجي في المنطقة.
مع اقتراب الانتخابات الأميركية، يثار العديد من التساؤلات حول تأثير نتائجها المحتمل على السياسة الأميركية تجاه سوريا والشرق الأوسط بشكل عام.
ورغم أن الملف السوري لم يكن يوما في طليعة أولويات الإدارات الأميركية، إلا أن التطورات الإقليمية فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني بالمنطقة والتطبيع العربي مع النظام السوري، ربما تفرض على واشنطن إعادة النظر في استراتيجيتها.
وتجرى الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 في 5 تشرين الثاني الجاري، إذ يتنافس مرشحون من أحزاب مختلفة على منصب الرئيس على رأسهم الحزب الجمهوري الذي يمثله الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يسعى إلى العودة إلى البيت الأبيض بعد ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021.
أما الحزب الديمقراطي، فقد رشح نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، التي تسعى لتكون أول امرأة من أصول آسيوية وأفريقية تتولى هذا المنصب.
كيف ينظر الجمهوريون والديمقراطيون إلى سوريا؟
قال المختص بالشأن الأميركي محمد علاء غانم إن بعض ثوابت السياسة الأميركية لن تتغير في معظم الملفات بغض النظر عن من سيفوز بالانتخابات الأميركية فكلا الحزبين يتفقان على عدد من النقاط الرئيسية في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط ككل، فمثلا السياسة الأميركية تجاه دعم إسرائيل تبقى كما هي بغض النظر عن الحزب الفائز في الانتخابات، مضيفا أن كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يتفقان على أهمية هذا الدعم.
لكن في المقابل أشار غانم في تصريحات لتلفزيون سوريا إلى أن “هناك فروقا واضحة بين كلا المرشحين في التعامل مع إيران على سبيل المثال”، موضحا أن فوز ترامب ربما يؤدي إلى تصاعد الضغوط الاقتصادية والعقوبات عليها وهو ما يؤثر في النتيجة على تواجد طهران وميليشياتها في سوريا، في حين أن الديمقراطيين يميلون إلى الحفاظ على التوازن في المنطقة من دون تصعيد كبير ضد إيران، وذلك من باب الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة باستثناء السماح لها بامتلاك سلاح نووي.
ويتفق الباحث السياسي عمرو السراج مع غانم في أن تأثير الانتخابات الأميركية على الوضع في سوريا والمنطقة يعتمد بشكل كبير على سياسات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكنه يرى أنّ كلا الحزبين يؤديان في النهاية إلى نتائج متشابهة.
كما أوضح الكاتب والصحفي عصام خوري أن الجمهوريين ينظرون للأزمة السورية كقضية سياسية مع التركيز على مواجهة النفوذ الإيراني، في حين يركز الديمقراطيون على الأزمة السورية بوصفها أزمة إنسانية.
الانتخابات الأميركية والتطبيع مع النظام السوري
وفيما يتعلق بالتطبيع العربي مع النظام السوري والذي تقدم في فترة الرئيس الأميركي جو بايدن، والحديث الجاري حاليا عن محاولات لبعض الدول الأوروبية، التي تقودها إيطاليا، للتطبيع مع النظام السوري. يرى السراج في تصريحات لتلفزيون سوريا أن فوز ترامب ربما يدعم الأجندة الحالية لبعض الدول العربية، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، والتطبيع مع النظام السوري وإعادته إلى جامعة الدول العربية، مع تكثيف الجهود لإضعاف النفوذ الإيراني.
وأشار السراج إلى أن هناك ضغطا من دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، لتشجيع النظام السوري على العودة إلى “الحضن العربي” مقابل تقليص علاقته مع إيران.
وتابع أن العلاقات الجيدة بين ترامب وبين دول الخليج، خاصة السعودية، يمكن أن تجعله أكثر تساهلا تجاه عملية التطبيع مع النظام السوري، بحيث يصبح النظام أقل ارتباطا بإيران وأقل انخراطا في محورها الإقليمي.
وفي ذات السياق، صرح غانم بأن تأثير الانتخابات الأميركية على الشأن السوري سيكون محدودا إذا فازت هاريس، مشيرا إلى أن سياسة الحزب الديمقراطي، خاصة في ما يتعلق بالشرق الأوسط وسوريا، لن تتغير كثيرا، إذ إنها ترتكز على توجه “أميركا أولاً”، الذي يركز على الشؤون الداخلية الأميركية وتقليل الانخراط الخارجي.
لكن هذا التوجه، وفقا لغانم، ربما يسهم أيضا في تسريع مسار التطبيع مع النظام السوري، إذ إن بعض الدول الأوروبية، بقيادة إيطاليا، تضغط باتجاه تغيير موقف الاتحاد الأوروبي تجاه الأسد للتعامل مع أزمة اللاجئين، ومن المرجح أن تجد هذه المساعي قبولا أكبر في ظل إدارة ديمقراطية.
هل يمكن للرئيس الأميركي أن يسحب قواته من سوريا؟
وبخصوص صلاحية الرئيس بسحب القوات الأميركية من سوريا، قال خوري في تصريحات لتلفزيون سوريا إن ترامب سبق وصرح برغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا، إلا أنه تراجع عن ذلك القرار، مشيرا إلى تأثير “الدولة العميقة” في مثل هذه القرارات، إذ يرى أن البنتاغون ومجلس الأمن القومي الأميركيين يلعبان دورا أساسيا في الحفاظ على القوات في سوريا لمراقبة الأنشطة الإيرانية.
إلا أن خيار الانسحاب من سوريا يظل مطروحا، فقد أشار غانم إلى ما يسمى “مشروع 2025″، وهو برنامج أعدّه عدد من المحافظين. وعلى الرغم من أن ترامب وفريقه يحاولون النأي بأنفسهم عن هذا المشروع، إلا أنه يعكس توجها بين الجمهوريين يعيد التفكير في السياسة الأميركية تجاه شرقي سوريا، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تُعتبر ذات خلفية ماركسية، وهو موقف لا يتبناه الحزب الديمقراطي إطلاقا.
في المقابل، يعتقد غانم أن الوجود العسكري الأميركي في شرقي سوريا سيظل مستقرا إذا فازت هاريس، إذ لا يظهر الحزب الديمقراطي أو وزارة الدفاع رغبة في الانسحاب من سوريا في الوقت الحالي، رغم أن هذا الانسحاب قد يصبح ضروريا مستقبلا.
وأكد أن الإدارة الديمقراطية تسعى إلى الحفاظ على تواجدها في شرقي سوريا لأسباب استراتيجية، من دون نية للانسحاب الفوري.
رؤية ترامب للحرب في سوريا
من جانب آخر، يختلف السراج مع الرأي السائد في أن بداية تراجع الدور الأميركي في سوريا كان مع إدارة بايدن، إذ يرى أن ذلك التراجع بدأ فعليا مع وصول ترامب إلى السلطة في 2016 وإيقاف برامج دعم المعارضة السورية المسلحة.
وأشار السراج إلى أن ترامب كان يعتبر أن روسيا انتصرت في سوريا، وأن إدارة أوباما كانت مسؤولة عن هذا الانتصار الروسي بسبب عدم التدخل الأميركي المباشر، وهو ما جعل ترامب غير مهتم بعملية التسوية في سوريا.
وأضاف أن السياسة الحالية للولايات المتحدة في سوريا، والتي تقتصر على وجود محدود في الشمال الشرقي لحماية “قسد” ومراقبة نشاط الميليشيات الإيرانية، استمرت في عهد بايدن، وهي تهدف أساسا لضبط الميليشيات الإيرانية ومنع التوتر مع تركيا.
ويرى السراج أن ضعف النفوذ الإيراني المستمر في سوريا، خاصة مع تصاعد التوترات في غزة ولبنان، قد يدفع الولايات المتحدة لإعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة، خاصة إذا ما اعتبِر أن الوجود الإيراني لم يعد بالقدر ذاته من الأهمية مما يدلل على نية للانسحاب.
ختاما، يجمع المختصون أنّ الانتخابات الأميركية تحمل تأثيرات متباينة على الوضع في سوريا، تتأرجح بين دعم الاستقرار النسبي والتطبيع العربي، أو الانسحاب المتزايد وترك فراغ أمني قد يؤثر على التوازنات في المنطقة، لكن يبقى أن أي تغيير محتمل في السياسة الأميركية تجاه سوريا يعتمد بشكل كبير على التطورات الإقليمية والدور المتصاعد لدول عربية في التأثير على مستقبل البلاد.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا