اقتحم إرهابيان قبل أيام مدخل مبنى شركة “توساش” التركية للصناعات العسكرية في ضاحية أنقرة، وأخذا في إطلاق النار على كل ما يتحرك من حولهما فتسببا بمقتل 5 أشخاص وإصابة 22 بجراح، قبل أن يتم تحييدهم من قبل الأجهزة الأمنية. خلال ساعات فقط كان وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا يكشف عن هوية المهاجمين ويعلن أنهما ينتميان إلى حزب العمال الكردستاني “التنظيم الإرهابي” الذي ينشط في أكثر من بقعة جغرافية.
لدى الداخل التركي قناعة هي أن عواصم وأجهزة استخبارات غربية تقف وراء هذا “العمل الإرهابي” الهادف لتوجيه أكثر من رسالة لتركيا بالتوافق مع أكثر من حدث وتطور سياسي وأمني واقتصادي في المنطقة. فما هي الدوافع التي تقود نحو بروز قناعة تركية بهذا الاتجاه؟
تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع تشرين الأول المنصرم أمام البرلمان عن ضرورة تعزيز الجبهة الداخلية في تركيا لمواجهة الأخطار والتهديدات المحدقة. لكنه لم يغفل أهمية “الميثاق المللي” المعلن منذ أكثر من عقد باتجاه حماية مصالح تركيا في المناطق الحدودية المجاورة لها. في التاريخ نفسه شرع رئيس “حزب الحركة القومية” دولت بهتشلي بتحرك انفتاحي على حزب “الديمقراطية والمساواة” الامتدادي لحزب “الشعوب الديمقراطية” المحسوب على الصوت الكردي، ليصافحهم ويذكرهم بأنهم حزب سياسي مشروع تحت سقف البرلمان التركي.
بعد أيام فقط فجر بهتشلي قنبلة سياسية من العيار الثقيل وحيث لم يكن أحد في تركيا يتوقع أن يعقب خطوة المصافحة، خطوة استكمالية بمثل هذه السرعة، وهو يدعو عبد الله أوجلان مؤسس حزب “العمال الكردستاني” في أواخر السبعينيات والمعتقل والمسجون في تركيا منذ العام 1999 بتهم الإرهاب والتسبب في سقوط آلاف القتلى والجرحى طيلة عقدين كاملين، لتنفيذ ما تعهد به حيال الدولة التركية إذا ما طالبته بتقديم أي خدمة، وأنه حان وقت وقوفه أمام كتلة نواب “ديم” للإعلان عن حل حزب العمال وإنهاء عملياته الإرهابية وترك أسلوب اللجوء إلى السلاح.
القناعة السائدة في تركيا هي أنه لم يكن دولت بهتشلي ليتحرك باتجاه تفعيل مبادرة سياسية جديدة في الداخل التركي حول الملف الكردي، عرقلها هو لسنوات بعدما كان أبرز المتمسكين بالحسم العسكري للقضاء على هذه المجموعات الموجودة داخل تركيا وخارجها، من دون التفاهم على ذلك مع الرئيس أردوغان. كان من المفترض أن نسمع أولا قيادات الحزب الحاكم وهي تبادر ثم يعقبها الشركاء والحلفاء تحت سقف تكتل الجمهور، لكن العكس هو الذي يجري هذه المرة. هل سنقول إن أردوغان هو الذي دعاه لأخذ زمام المبادرة التي فشلت قبل عقد لضمانة أنها لن تطيح بتحالف الجمهور الذي يحتاجه حزب العدالة والتنمية في هذه الظروف الداخلية والخارجية الصعبة؟ وهل سنردد أن بهتشلي لم يكن ليتحرك من دون استطلاع رأي الكثير من القوى السياسية والعسكرية والحزبية في تركيا التي دعمته وشجعته على ذلك؟ ألا يعرف أنه لا يمكن لأوجلان أن يتوجه إلى البرلمان وهو في السجن لتنفيذ حكومة الحبس المؤبد، من دون خطوات قضائية وقانونية مسبقة تمكنه من ذلك؟ وهل ستقبل أنقرة بما رفضته أكثر من مرة وتنفذ قرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية وتوصيات المجلس الأوروبي أو تمنح أوجلان فرصة الاستفادة من مادة “الحق في الأمل” التي تنهي فترة سجنه وإعلان أن مدة العقوبة كافية لردعه عن مواصلة ما فعله حتى العام 1999؟
نقل نجل شقيق أوجلان النائب في حزب “ديم” عمر أوجلان والذي زاره قبل أيام في سجنه عن أوجلان رسائل إيجابية منفتحة على ما قاله بهتشلي. كذلك جاءت تصريحات ومواقف العديد من القيادات السياسية الكردية. قيادات قنديل تعلن أنها ستتبنى ما يقبله ويقوله أوجلان بهذا الخصوص أيضا. هل يكفي ذلك للقول إن عجلة المرحلة الجديدة في التعامل مع المسألة الكردية في تركيا قد انطلقت بعد عقد من فشل المحاولة السابقة؟ وهل سنقرأ المشهد والسيناريوهات المحتملة بنظارات ما قبل سنوات أم سيكون هناك قراءة تركية كردية مغايرة تأخذ بعين الاعتبار تحولات المشهد الداخلي في تركيا والوضع الإقليمي المرتبط بالملف الكردي ككل في المنطقة؟ كيف ستحسم مسألة قسد والسليمانية وتمسك واشنطن وطهران بما لهما من تأثير ونفوذ على الجانبين مثلا؟
ولماذا تنفذ “مجموعة إرهابية” تابعة لحزب العمال هجوم أنقرة الأخير طالما أن الحديث يدور عن أجواء إيجابية؟ أم هو البعد الإقليمي المتعلق بمصالح أطراف مؤثرة في الملف الكردي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار؟
وجهت أصابع الاتهام إلى “حزب العمال” وهو تبنى هذا العمل الإرهابي ضد شركة “توساش” للصناعات العسكرية في أنقرة، لكن الحديث يدور أيضا حول أصابع أجهزة استخبارات زودت المنفذين بالكثير من المعلومات التفصيلية حول المكان والتوقيت؟ وأن أجهزة الاستخبارات الأميركية والإيرانية على مسافة واحدة بالنسبة للكثيرين في الداخل التركي لناحية المشاركة في التخطيط والتنفيذ وإعطاء الأوامر. وإلا فلماذا يعلن وزير الدفاع التركي، يشار غولر أن هجوم يوم الخميس “ليس مصادفة، نعرف جيدا نوايا التنظيمات الإرهابية التي هي مجرد أدوات”؟ ولماذا يردد الكاتب الصحفي، المقرب من حزب العدالة أوكان مدرس أوغلو، “أن المعطيات التي لدينا تظهر أن هناك من حرك حزب العمال الكردستاني من أجل هذا الفعل، من أجل تغيير قواعد اللعبة، من خلال استهداف الصناعات الدفاعية، فمن جهة هناك خطط إسرائيل، ومن جهة أخرى هناك التعاون مع منظمة بريكس، وجهود حل مشكلة الإرهاب في البلاد“؟ ويتوقف الإعلامي إرسين شليك عند الأبعاد الإقليمية لهجوم أنقرة، “القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، تلعب دورا كبيرا في توجيه الأحداث في المنطقة. وهي تسعى إلى استخدام حزب العمال الكردستاني لتحقيق مصالحها”؟
عادي جدا أن يكون هناك البعد الداخلي المحلي في التعامل مع خلفيات اعتداء “توساش” الأخير. لكن هناك احتمالات أخرى بطابع إقليمي لناحية التوقيت واختيار المكان وتوجيه الرسائل مثل:
استباق نشر الصورة التذكارية التي سيأخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مكانه فيها بين قيادات روسيا والصين وإيران والهند ومصر وفنزويلا وجنوب إفريقيا خلال انعقاد قمة مجموعة دول البريكس في قازان الروسية، وحيث بدأت أنقرة توجه رسائلها الانفتاحية على التكتل باتجاه العضوية الكاملة هناك.
تعكير أجواء تدشين معرض “ساها إكسبو” الرابع للصناعات الدفاعية والطيران، المنظم بين 22 و26 تشرين الأول الجاري بدعم من 6 وزارات ورئاسة الصناعات الدفاعية، وحيث تلعب “توساش” دورا محوريا في حدث عالمي من هذا النوع، بمشاركة 1478 شركة من 120 دولة و178 وفد مشتريات أجنبيا و312 وفدا رسميا، حيث تنتظر أنقرة توقيع صفقات تجارية تتجاوز قيمتها 2 مليار دولار وإطلاق أكثر من 300 منتج جديد ضمن نطاق المعرض.
التعبير عن رفضه لجهود تبذل في التعامل مع الملف الكردي بشقه الإقليمي على طريق التهدئة والانفتاح بدعم عربي وجهود تبذلها أربيل التي أوفدت رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني في زيارة لتركيا، تزامنت مع مؤشرات على مرحلة جديدة في التعامل مع الملف الكردي، انطلاقا من رصيد مسعود بارزاني، الذي لعب دورا كبيرا من أجل إنجاح وساطته في تشرين الثاني 2013، قبل أن تفشل الخطة وتصل إلى طريق مسدود.
محاولة إقناع أنقرة بأهمية انعقاد المؤتمر الرباعي الغربي في برلين بمشاركة أميركية وبريطانية وفرنسية وتمسكه بقرارات الاجتماع التي نقلها المستشار الألماني شولتز لإسطنبول في الشق الإقليمي المتعلق بخطط خرائط الشرق الأوسط الجديد الذي يمنح إسرائيل دورا محوريا يقلق دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا.
توجيه رسالة رد على التصعيد التركي ضد بنيامين نتنياهو ومحاولته التهديد بتحريك الورقة السورية خصوصا بشقها الكردي ضد أنقرة من خلال عملية برية تصل إلى دمشق وتهدف لإسقاط النظام وتغيير البنية السياسية والجغرافية والديموغرافية لسوريا.
لن يكون سهلا على مارد الفانوس أن يحل مشكلة عمرها أكثر من 4 عقود، بملامسة زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الفانوس وإخراج المارد ليعلن “شبيك لبيك الحل بين يديك”.
للتذكير فقط مشكلة الكثيرين اليوم هي التفريط بفرصة العام 2013 والدروس الواجب الاستفادة منها للخروج من وضعية الفتاة الصغيرة التي أجلست دميتها في حضنها بعدما حولتها لأعجوبة حيث اختلط عليها اختيار الملابس وتسريحة الشعر والمكياج والاسم المناسب للعبتها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا