قراءة في كتاب: هل نحن أهل للديمقراطية.؟

أحمد العربي

المنصف المرزوقي الناشط الحقوقي والسياسي التونسي الذي عارض نظام زين العابدين بن علي واعتقل في سجونه أشهر، ثم غادر تونس إلى فرنسا واستمر في نشاطه في جمعيات حقوق الانسان. وحصل على درجة الدكتوراه في الطب. وبعد الثورة التونسية إبان الربيع العربي. كان اول رئيس تونسي وعربي يصل بطريقة ديمقراطية إلى الحكم. حيث حكم تونس كرئيس جمهورية من عام ٢٠١١م إلى عام ٢٠١٤م.

هل نحن أهل للديمقراطية. ؟. كتاب مكثّف كتبه المنصف المرزوقي في عام ٢٠٠١م. وأعتقد أنه كان جزء من سلسلة كتب قد كتبها المرزوقي ضمن دور تنويري حول حقوق الانسان فرديا واجتماعيا وسياسيا، في محاولة لإضاءة موضوع مهم للشباب التونسي و العربي حول ما يتوجب عليهم في مواجهة الاستبداد من الانظمة العربية والعمل لبناء الديمقراطية لتحقيق الحياة الأفضل . وهذا ما سوف يحصل عندما يتحرك الشباب العربي في الربيع العربي بدءا من عام ٢٠١١م. في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية…

هل نحن أهل للديمقراطية ؟.

يبدأ المنصف كتابه من السؤال الاستنكاري المطروح بصيغة استفهامية حول اهليتنا كعرب للديمقراطية. حيث يتم وضع عقبات أمام إمكانية أن ندخل في عصر الديمقراطية في بلادنا العربية التي وقعت كلها ضحية انظمة استبدادية منذ أكثر من قرن وذلك اثر خروج دولنا من عصر الاستعمار المباشر والغير مباشر إلى وقتنا الحاضر. فمن المتنطعين للجواب على عدم اهليتنا للدخول في العصر الديمقراطي أننا لم ندخل في ذات طريق التطور الذي انتقل به الغرب الأوروبي من العصور الوسطى وعبر التقدم العلمي والتكنولوجي ومن خلال أفكار الديمقراطية والعلمانية والتطور الاقتصادي والوصول للرأسمالية التي ابدعت الديمقراطية طريقا للحكم يراعي مصلحتها كطبقة مهيمنة ويعطيها المدى للتوسع عالميا، عبر الاستعمار. واننا مازلنا كدول وشعوب نحن العرب دون ذلك ولسنا لذلك أهلا للديمقراطية.

ويرى آخرون أن الانظمة الاستبدادية العربية المتربعة على صدر الشعوب لن تعطي فرصة لأي محاولة للحصول على الديمقراطية وتحقيقها.

ويرى آخرون أن الديمقراطية طور فكري يكاد يكون حكرا على الغرب الأوروبي وبالتالي هناك استحالة أن تطبق عندنا نحن العرب.

نعم بهذه الإجابات نرى أن هناك من لا يريد أن ننتقل للديمقراطية ونتقدم لحياتنا الأفضل على كل المستويات ويتذرع لأجل مصلحته الغرب والأنظمة الحاكمة التابعة للغرب والناهبة للدولة والمجتمع في كل بلاد العرب. والحل عندها تأبيد الاستبداد واستمرار واقعنا على ما هو عليه…

نعم هناك إجابات قدمها المعترضين على تحقيق الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية:

البعض قال بعدم جاهزيتنا كدول ومجتمعات وأفراد لأن ندخل في عصر الديمقراطية وكأن أخذنا الديمقراطية يحتاج لمقدمات.

 نعم الديمقراطية النمط الحياتي الأفضل الذي يحتاجه الإنسان فردا وجماعة ودولة. وهي تعني ممارسة آلية محددة في الحكم والتعايش المجتمعي. لذلك لا تحتاج الديمقراطية الا ان نمارسها ونعيش في نعيمها وايجابياتها.

البعض يتذرع بضرورة التدرج في الأخذ بالديمقراطية. بينما الحق أن الديمقراطية كل متكامل تؤخذ وتمارس وتبنى بها المجتمعات وتحقق الحياة الأفضل. فهي ستواجه الاستبداد وأدواته وآلياته المانعة للحرية و المتلاعبة بالعدالة و المستلبة للحقوق والمستخدمة للقانون وفق مصالحها. الديمقراطية تعيد وضع الحياة وفق نصابها الصحيح.

هناك من يرفض العلمانية بسبب ارتباطها كما يدعون بالعلمانية من خلفية إسلامية تحت دعوى الحفاظ على اسلامية مجتمعاتنا وأن الشورى تكفينا ولا حاجة لنا بالديمقراطية.

إن هذا الموقف خاطئ فليس هناك ارتباط حتمي بين الديمقراطية والعلمانية. نعم فرنسا تربط بينهما بينما تجارب اخرى لا تربط هناك أحزاب اوروبية تربط بين ديمقراطيتها والمسيحية حكمت وتحكم في بلادها.

أما الشورى فإنها مبدأ لم يأخذ به المسلمون بتجربتهم التاريخية بعد الخلفاء الراشدون. واذا نظرنا إلى المقاصد الشرعية للإسلام ومصلحة الناس ورأي كثير من المفكرين الرواد المسلمين مثل حسن الترابي وراشد الغنوشي وغيرهم كثير سنجدهم يرون الديمقراطية لا تناقض الإسلام وهي الأقرب لتحقيق مصالح العباد.

القيم الديمقراطية:

يوضح المنصف المرزوقي لنا ما هي القيم التي تسعى لتحقيقها الديمقراطية.

١ . المساواة بين كل أبناء المجتمع .

٢ . العدالة كمطلب وممارسة في المجتمع وبين الناس.

٣. الحرية لكل الناس من حيث المبدأ وفي الممارسة ايضا.

٤. الكرامة الانسانية وهي قيمة وجودية قرينة بذات الإنسان. هي مصانة ويتم حمايتها كل الوقت.

٥. السلم. ان الهدف الاسمى للديمقراطية في تناولها لمشاكل المجتمع والبحث عن الحلول وتطبيق المتوافق عليه في المجتمع هو تحقيق السلم الأهلي والمحافظة عليه ضمنا في سياق بناء الحياة الأفضل.

الآليات الديمقراطية:

يوضح المنصف المرزوقي أن آليات تحقيق الديمقراطية تتحقق من خلال:

١. الانتخابات حيث تكون الوسيلة المتبعة لتحديد رغبات الناس في حياتهم وكيفية إدارتها. عبر انتخابهم لممثليهم سواء في المجلس التشريعي أو التنفيذي وجميع أدوات الدولة ليقوموا بتحقيق مصالح الشعب الذي انتخبهم.

٢. حرية الرأي. وهو الضامن لقول كل الناس علنا وعبر كل الوسائل المتاحة لما يريدون وما لا يريدون وحصول التدافع الاجتماعي السلمي. وليتم الوصول الى الاراء الأصح لتحقيق الحياة الأفضل للمجتمع كله.

٣. حرية التنظيم. والتي تعني الحق المبدئي في تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات… الخ كمنابر اجتماعية تساعد في بلورة منصات تبادر للمطالبة بالحقوق المجتمعية لها أحزاب وجمعيات وأفرادها وللمجتمع عموما وفق آليات الممارسة الديمقراطية الاخرى.

٤. استقلال القضاء. الذي يعتبره المنصف المرزوقي حامي الدولة والمجتمع والافراد والتجربة الديمقراطية ذاتها. وكونه المرجع لحسم اي اشكال او اختلاف في المجتمع وعلى كل المستويات. قضاء مستقل وعادل له مرجعية ذاتية عبر انتخابات داخلية فيه حرّة ونزيهة.

٥. صناعة المجتمع الديمقراطي. هو تتويج لممارسة الديمقراطية في المجتمع وفي كل مناشط الحياة. حيث يكون المرجع في مواجهة أي خطأ أو انحراف أو تجاوز في ممارسة الديمقراطية.

وأهم ما في الديمقراطية انها تعيد إصلاح ذاتها. وهي عبر التداول السلمي للسلطة ولكل الهيئات تعيد إنتاج ذاتها وتتجاوز أخطاء ممارستها وتتعلم من دروسها وتتجاوز من يحاول استثمارها فرديا او جماعيا خاصة طبقة الرأسمال ولكن المجتمع عبر الديمقراطية يعيد تجاوز الأخطاء والسير في طريق تحقيق الحياة الأفضل بأحسن حال.

نعم الديمقراطية ليست طريق الملائكة في ادارة الحياة بل هي الاقرب لادارة حياة الناس بأفضل وسيلة ومحققة أفضل مردود.

خصائص مجتمع الاستبداد: قوانين الاستبداد

يتوسع المنصف المرزوقي في وصف الدولة الاستبدادية ويحدد خواصها.

١. قانون الدولة المستبدة موضوع من قبل الحاكم المستبد. وهذا ليس حقه من حيث المبدأ فهو حق الشعب و منتخبيه الذين يصوغونه وفق مصالح مجموع الشعب. لذلك سيكون القانون محققا مصالح الحاكم والطبقة المحيطة به وليس الشعب.

٢. قانون الاستبداد سيكون متناقضا مع القانون الدولي مناقضة لروح العصر ومحققا مصلحة الحاكم وهيمنته وحصانته وتقنين نهب المجتمع والدولة وهروبه من المحاسبة.

٣. اهم صفات قانون الدولة المستبدة. هو تقنين السلطة المطلقة للحاكم وتوسيع صلاحياته على حساب كل الهيئات المجتمعية والسياسية. وتبقي يد الحاكم مطلقة في شؤون البلاد والعباد. حسب قاعدة: “انا ربكم الاعلى”.

٤. يكون قانون المستبدين قامع للحريات ومانعا لأي مناشط تؤدي لمواجهة المستبدين. وتعطيه الصلاحية في معاقبة الناشطين وسجنهم ونفيهم وحتى القضاء على حياتهم.

٥. يعتمد قانون المستبدين على الزجر والعقوبة والترهيب والتنكيل بالمعرض والمختلف.

٦. يعمل قانون المستبدين بمكيالين فهو عندما يتناول الحاكم فهو يطلق يده في أمور الناس و حياتهم ومصالحهم وفي كل شؤون الدولة. وعندما يتحدث عن الناس وحقوقها فيجعلها رهينة بيد الحاكم وبتحكم من خلالها بالبلاد والعباد ومصائر الدولة كلها.

٧. السلطة التنفيذية الاستبدادية مطلقة الصلاحية وفق مصلحة الحاكم وبذلك تفسر القوانين لصالح الحاكم ووفق إرادته.

خصائص القانون الديمقراطي.

يوضح المنصف المرزوقي خصائص القانون الديمقراطي.

١. يسن القانون هيئة منتخبة ومؤهلة من الشعب وفق القواعد والضوابط الديمقراطية. بحيث يكون موافقا لمصلحة الشعب وصيانة حقوقه ومصالحه الخاصة والعامة.

٢. يكون القانون في الدولة الديمقراطية متوافقا مع القانون الدولي منسجما مع شرائع حقوق الإنسان المتوافق عليها دوليا.

٣. يضمن القانون الديمقراطي عدم عودة الاستبداد بكل صوره ويحمي المجتمع من ذلك.

٤. يحقق القانون الديمقراطي الحقوق للشعب كاملة ويحمي الحريات ويصونها كل الوقت.

٥. يكون القانون الديمقراطي قانون معمم لكل الشعب ولا مجال الانتقائية والمحسوبية في فهمه وتطبيقه.

٦. يكون القانون الديمقراطي منتميا للعصر ومتوافق مع مصالح الناس ومتغيرات الحياة كل الوقت.

٧. ينفذ القانون الديمقراطي على يد القضاء النزيه العادل المستقل.

هنا ينتهي الكتاب.

في التعقيب عليه اقول:

قد يظهر أن هذه الدراسة هي من البديهيات التي يجب أن تكون مدركة في ذهن كل ناشط من اجل اسقاط الاستبداد وبناء دولة الديمقراطية والعدالة والحياة الأفضل. ولكن نرى ونحن بعد أكثر من عقدين من كتابة هذا الكتاب المكثف وبعد حصول الربيع العربي واغتياله في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية. فما زال الكثير من الناشطين والسياسيين غير مستعدين للالتزام بمطالب الديمقراطية فكرا وسلوكا. فهناك تمترس بالانتماءات الفكرية يتجاوز الانتماء لمشروع التغيير سواء لاسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية. الولاء للعصبة الحزبية يتجاوز الولاء للقضية العامة التي يجب ان نتحد عليها.

 وكذلك اختلاق صراعات ذات طابع فكري سجالي مثل الصراع بين العلمانيين والاسلاميين كنموذج يصل الى درجة تجاوز مشكلتنا الاساسية في مواجهة الاستبداد لصالح صراعاتنا الفكرية العقيمة.

وكذلك عدم تقبلنا للعودة الى الناس الشعب بصفتهم الاصل وان قبولهم والتوحد معهم والعمل في صفوفهم هو مناط صناعة المستقبل. وليس أن نبقى في بروجنا العاجيّة نلوك احلامنا وننام على اوهامنا ونصحو على مزيد من الخيبات والفشل…

لن ازيد…

الشعب يحتاج منّا أن نكون طلائع مثقفة وتحمل قضية الشعب الذي يريد اسقاط النظام المستبد وبناء الدولة الديمقراطية العادلة وان تصان كرامة الناس وحقوقهم وتتحقق حياتهم الافضل…

الشعب يريد مثقفيه نماذجا يقفون بجانبه ويعملون معه يدا بيد…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى