مروان حمزة ناشط سياسي وحقوقي معروف، من محافظة السويداء، ومعتقل لأكثر من مرة، في ظل الثورة، يرأس حاليًا المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية. فصله النظام من عمله في 2006، بالإضافة إلى ستة عشر آخرين بقرار رئاسي كيدي، بسبب نشاطهم السياسي المعارض، إثنا عشر منهم من محافظة السويداء.
نشط في صفوف المعارضة الوطنية الديمقراطية منذ زمن الأسد الأب، وشارك في معظم نشاطات وحراك المعارضة والنخبة المثقفة في “ربيع دمشق”.
في ذروة انتفاضة السويداء الأخيرة توجهنا إليه بمجموعة أسئلة، ولكن لأسباب خارجة عن إرادتنا تأخرت الاجابات ومن ثم نشر الحوار، ولكنه مازال حوار “حيا” ومفيدا، ويعطي صورة واضحة عن حراك المدينة، وعموم القضية السورية فيما طرحناه عليه من أسئلة.
1_ ما زال الحراك السلمي في مدينة السويداء مستمراً، فماهي آفاقه برأيك، وفي أي سياق تضعونه، سياسي، اجتماعي، اقتصادي.؟
ج١- أولا توقف الحراك بعد الاعتقالات التي طالت عددا من شباب الحراك، نتيجة التهديدات التي أطلقها، أمين فرع حزب البعث، اللواء فوزات شقير، بتقديم كل من يمس الرئيس بأي كلام مسيء الى محكمة الارهاب.
آفاق هذه المظاهرات بالمحافظة محدودة، وهي بالتأكيد لن تسقط النظام، ولن تغير حتى من سلوكه الأمني الذي اعتاد عليه منذ بدء ثورة ٢٠١١، وسياقها متشابك فان قلنا اقتصادي، أو معيشي، أو حتى اجتماعي، أو انفلات أمني، فان ذلك لا يخفي بأن وراءه أسبابا سياسية كثيرة أدت إليه، فأخفق النظام في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا شك أن هذا الإخفاق الكامل في كل سياساته، جعل الساحة مفتوحة لكل الاحتجاجات السلمية، والمظاهرات، وهذا ما عشناه ورأيناه من خلال الشعارات التي نادت بإسقاط النظام من أساسه، ومحاكمة كل الطبقة الفاسدة التي نهبت مقدرات البلد.
٢_ البعض قزم حراك السويداء واعتبره مطلبيا معاشيا، وذا أبعاد محلية فقط، ما قولكم في ذلك.؟
ج٢- قد أكون أجبت عن نصف السؤال بجوابي السابق على سؤالكم، لكنني أضيف هنا على ما سبق: أن محافظة السويداء خلال سنوات الثورة الماضية قدمت الشهداء والضحايا والمعتقلين، والكثير من الشباب الذين قضوا تحت التعذيب، ومازال العديد منهم مغيبا، ولم يتسرب عنهم أي خبر للآن، وهناك أكثر من ثلاثين ألف من شبابها رفضوا الخدمة في جيش النظام رفضا لمنطق القتل الذي يسلكه ويطبقه، وكما تعلمون فقد قامت أجهزة النظام الاستخبارية بتسليط ” العصابات ” على المحافظة فأنهكتها وعبثت بالسلم الأهلي، وعاثت فيها فسادا خطيرا، تمثل بالخطف والسرقات المنظمة، وتجارة السلاح والمحروقات والمخدرات،
وعلى سبيل المثال شن تنظيم (داعش) في 2018 هجوما دمويا واسعا على قرى الريف الشرقي للمحافظة، المحاذي للبادية السورية تحت سمع وبصر أجهزة النظام، فأسفر عن سقوط حوالي ٣٠٠ شهيد من أهالي تلك القرى، من قريتي وحدها (دوما)سقط ٢٣ شهيدا وأحدهم شقيقي.
السويداء جزء من سورية وحراكها جزء أصيل من ثورة الشعب السوري ومطالبها المحقة.
٣_ حتى الآن يتعامل النظام مع انتفاضة السويداء الجديدة بعكس طبيعته القمعية المعهودة، ما هو تفسيركم لذلك؟
ج٣- للأسف لم يدم (حسن سلوك النظام) إذ انقض على المتظاهرين السلميين، وجهز لهم كتائب البعث وعصاباته المختلفة، بالإضافة لقوى حفظ النظام وفرع الامن الجنائي، لاعتقال حوالي ١٥ شابا بعد ان انهال عليهم ضربا بالهراوات. لقد عاد النظام إلى نهجه النمطي وسلوكه البوليسي المعتاد، حيث القمع الدموي لديه هو سيد الموقف.
٤_ عرفت السويداء نشاطا مبكرا في عام 2011، وكنت أحد رموزه، ثم خمد ، أو تراجع .. فما تفسيرك؟
ج٤- بدأ الحراك في المحافظة مع بداية الثورة السورية ٢٠١١، متزامنا مع حراك المحافظات السورية كافة، وكنا نلبي نداء التظاهر، ولو بشكل نسبي، وأتذكر يوم 20_ 05_ 2011 حيث خرجنا بمظاهرة سلمية حاشدة، فواجهتنا الشبيحة، وانهالت علينا ضربا وحشيا ودمويا، واعتقلت العديد منا، وكنت انا من بينهم بعد إصابة دامية برأسي، لكن المفصل الهام الذي ميز المحافظة، وجعل الحراك يتراجع هو لجوء النظام للقمع والارهاب، وهناك سبب آخر يكمن في طبيعة أهل المحافظة النابذة للتطرف الديني، ولنشاط الجماعات والميلشيات الاسلامية، مثل (النصرة) وغيرها الكثير، والأهم هو عدم انجرار شبابها للتعامل المسلح، والذي ظهر فشله أمام قوة النظام العسكرية الغاشمة. فالنظام لم يتورع عن استعمال كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا، بما فيها السلاح الكيماوي، والطائرات الحديثة لقمع أي شكل من أشكال التظاهر في كل أرجاء سوريا.
٥_ بصفتك رئيس (المنظمة العربية لحقوق الإنسان) هناك قضايا مرفوعة أمام القضاء الأوروبي على بعض المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.. فما رأيكم بهذا التطور، وهل أعددتم في المنظمة ملفات عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في السنوات العشر الأخيرة؟
ج٥- هناك قضايا كثيرة مرفوعة ضد مجرمي الحرب بسوريا، لكن المنظمة لم تشارك بها بشكل منفرد، بل اشتركت مع منظمات عديدة بالادعاء، ورأيي بأن هذه القضايا لن تستطيع إعادة الحقوق لأهلها، ونحن نسمع عن ضباط وعسكريين من أجهزة النظام الأمنية هربوا الى أوروبا ومعروفين بالاسم، وسجلاتهم حافلة بالجرائم، ولم يتم توقيف أحد منهم حتى الآن لأسباب كثيرة. المنظمة لم تستطع أن تنظم تلك الملفات لأسباب كثيرة ذاتية، وموضوعية، في آن معا.
٦_ ماهي انعكاسات (قانون قيصر) الذي بدأ تطبيقه منذ 17 حزيران الماضي على مسار المسألة السورية؟
ج٦- إن الجميع يعاني من ويلات الحرب التي تدور في البلاد منذ 10 سنوات، وأصبحت الأوضاع الاقتصادية صعبة، وتحط بثقلها على الجميع، وربما يسرّع (قانون قيصر) وآثاره السلبية على سعر صرف العملة السورية، والحياة المعاشية برمتها، بعدما وصل جميع من في الداخل إلى حالة مادية صعبة جدا.
ربما أعادت الولايات المتحدة النظر في هذا القانون وفعلته، إلا أن معاقبة النظام بهذه الطريقة لن تؤثر عليه فقط، بل ستؤثر على عامة المواطنين.
على كل حال ربما يوفر القانون للولايات المتحدة وسائل تساعد في وضع حد للصراع الرهيب، والمستمر في سورية، من خلال تشديد سياسة الضغوط القصوى على النظام، ومحاسبة المسؤولين عن قتل المدنيين على نطاق واسع، وعن الفظائع الكثيرة المقترفة في سورية.
إن الإحصائيات الحالية تتفق على أنّ أكثر من 85 بالمائة من سكان سورية يعانون الفقر وتهديد أمنهم الغذائي، وبالرغم من أنّ عقوبات قيصر تستثني المواد الغذائية والدوائية والتجهيزات الطبية، لكن قد تمنع العقوبات الكثير من الأطراف من تبادل هذه المواد مع سورية، برغم أنها مستثناة نظرياً من العقوبات، وذلك خشية خرق العقوبات من دون قصد.
لقد وصل السوريون إلى درجةٍ من الإنهاك يصعب معها القبول بهذه العقوبات دون وجود هدف وخطة واضحة تؤدي إلى تغييرات حقيقية، تفضي بالنهاية إلى إزاحة النظام وتحول البلاد إلى مرحلة انتقال سياسي، وهذا لن يتم إلا بقرار سياسي دولي.
٧_ شهدت منطقة حوران (السهل والجبل)في الآونة الأخيرة أحداثا مؤسفة، من كان وراء هذه الفتنة والعبث بالسلم الأهلي.؟
ج٧- الأحداث المؤسفة التي حصلت كانت نتيجة حوادث الخطف والخطف المضاد، تلك السياسة التي ابتليت بها المحافظة وذلك بتدبير أمني من أطراف عديدة بالمحافظة، هدفه تقويض الأمن والسلم الاهلي بين السهل والجبل، فالحادثة التي وقعت على أطراف بلدة القريا وبصرى بدرعا أوقعت أكثر من ١٥ قتيلا، كان الفيلق الخامس وأحمد العودة هما المسؤولان عنها بشكل مباشر، مع القوات الروسية التي تدعم العودة بكل المجالات.
جهات عديدة تعمل على هز الاستقرار والوئام في حوران، وهي تستفيد وتتغذى من هذه الصراعات التي لا يخلو منها حتى البعد الطائفي.
٨_ انت ناشط سياسي وعرفت الاعتقال مرات عديدة، والان تعمل في مجال حقوق الانسان، كيف تزاوج بين هذه وتلك.؟
ج٨- في الفترة الاخيرة تفرغت للعمل بشكل كامل بمجال حقوق الانسان، وتركت العمل السياسي الحزبي المباشر، وكوني رئيس المنظمة العربية أصبح نشاطي الاخير وخاصة أيام التظاهر السلمي بالمحافظة بمتابعة أي انتهاكات تقع، سواء كان المتسبب بها من المتظاهرين السلميين ضد المارة بالشوارع، أو الأملاك العامة أو الخاصة، والتعدي عليها إن حصل، أو من رجال الأمن وقوات حفظ النظام، ومليشيات البعث ومناصريه، والتي تدخلت بشكل سافر وإنتقامي ضد شباب المظاهرات.
٩_ هناك عودة للنشاط السلمي في عموم سورية، كيف ترى هذا الطور من عمر الثورة، بعد الانتهاء من مرحلة العسكرة، بشكل شبه تام.؟
ج٩- في ظل الوضع الحالي هذا النظام مصر على مجابهة أي تحرك سلمي بالعنف بكل أشكاله، وهذا شهدناه في جرمانا والسلمية وأكثر من منطقة، إن أي عودة للحراك لن تكون ناجحة إذا لم تتوفر لها حماية دولية تضمن عدم تعدي رجال استخباراته وأمنه وميليشياته.
١٠_ ما رؤيتكم للمرحلة القادمة ؟، إلى أين تتجه سورية وسط هذه الأزمات الخطيرة؟
ج١٠- رؤيتي للحل في سورية لن يكون إلا بتوافقات دولية واقليمية بين كل الاطراف الفاعلة أميركا وروسيا وتركيا وايران، وأن تكون اسرائيل راضية بالنهاية عن شكل السلطة المستقبلية في سوريا، رغم قناعاتي بان الحل لن يكون منصفا الا بآلية تضمن الانتقال السلمي للسلطة، وفق وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، لعلها تخرج الاحتلالات الأجنبية المتعددة للأراضي السورية، فالمنطقة بالكامل على برميل بارود، لبنان المأزوم اقتصاديًا وسياسيًا، والعراق المتخبط طائفيًا منذ سنوات في ظل تدخلات ايرانية، والمستقبل قاتم إذا لم تتوفر الارادة الدولية، مجتمعة لإنهاء ما نحن فيه.