القومية ليست فكرة سخيفة

د. مخلص الصيادي

هذا الكلام ليس كلاما منبعه الجهل، وإنما منبعه إرادة في تزييف الحقائق يدفع إليها اعتقاد إيديولوجي يظن صاحبه أنه في ذلك يؤدي خدمة للاسلام. ويصدق الله ورسوله، والحق غير ذلك.

القومية ليست فكرة سخيفة،  وإنما سنة من سنن الاجتماع الإنساني، والمثل الذي يضربه لا علاقة له بالقومية، هو يتحدث هنا عن اقتسام الغرب “هنا بريطانيا وفرنسا” لبلادنا وفق مصالحهم ، يتحدث عن “سايكس – بيكو”، ولم يقم  هذا التقسيم  على أساس قومي.

فالأساس القومي يقتضي أن “الأمة العربية” تخضع لسلطة وطنية واحدة، فلا يكون بين أطرافها أو مكوناتها فاصل ولا حاجز،

والفكرة القومية لا تعني أنه لا يوجد في هذه الدولة، أو في هذا المجتمع غير قومية واحدة، وإنما في تركيبة المجتمع، ويكون التقويم على أساس هذا التركيب، فتكون صفة الدولة: قومية مع وجود أقليات عرقية، أو متعددة القوميات.

وهذا تماما كأن تقول إن الاسلام دين المجتمع، هذا لا يعني أنه لا دين في المجتمع غير الاسلام، ولا يعني التضييق الديني على غير المسلمين، وإنما يعني تحديدا أن الإسلام هو دين الأغلبية في المجتمع، لكن هذا المجتمع، وهذه الدولة التي توصف بأن دينها الاسلام تصون حقوق أصحاب الديانات الأخرى، وحقوقهم الدينية، وبالتأكيد غير الدينية باعتبارهم مواطنين.

وكذلك ليس قولك أن لغة الدولة هي اللغة العربية، أنه ليس هناك لغات أخرى، أمر اللغات الأخرى يعود الى عدد المتحدثين بتلك اللغة، أو حاجة المجتمع لها، هوية الأمة مثل جغرافيتها، لا تتحدد نتيجة ظرف طارئ، ولا تتحدد نتيجة إرادة تظهر خلال مرحلة، وإنما يحددها مسار تاريخي بكل مجرياته، ومنتجاته الثقافية والروحية والقيمية.

وليس خطأ أن نشير إلى أن فكرة “المواطنة” في العصر الحديث والراهن هو التجسيد المعنوي والمادي لفكرة الدولة القومية.

إن حديثنا عن “الدولة القومية” لا يعني أنه ليس في هذه الدولة مشاكل، أو لا يقع فيها ظلم، هذا ممكن ويجب وضعه في الحسبان، ويمكن التحسب تجاهه بداية من خلال النصوص النظرية الممثلة الدستور باعتباره تجسيد قانوني أعلى للعقد الاجتماعي، ومن خلال النظام الديموقراطي، ولاحقا من خلال أشكال متعددة من العمل والنضال السياسي.

لو عممنا ما يقوله هذا الرجل بشأن الدولة القومية وسألنا على ماذا اقيمت كل الدول المعاصرة دون استثناء، المسلمة وغير المسلمة؟ هل هناك معيار آخر؟.

إن خطورة عدم الايمان بهذه الفكرة، وبالوطن الناجم عنها، يعني فتح الباب لتأجير النفس تحت دعاوي متعددة أعلى من قومية أي أممية، وأدنى من قومية أي تجزيئية إقليمية، ولأن مثل هذه الدعاوى، وهمية لا أساس لها فإنها قد تقود خطوة إثر أخرى إلى تدمير الفرد والجماعة، وإلا تحولهم لقوى مخربة داخل الوطن، أو مأجورة لأعداء يريدون ذلك، أو حتى لعصابات تحت مزاعم مختلفةهذا الخطاب يجب الوعي لخطورته، لأنه يمثل اختلافا حول الأمة، وليس خلافا داخل الأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى