23 تموز ثورة مستمرة

مروان غازي

رغم مرور خمسين عامًا على رحيل قائد الثورة جمال عبد الناصر مفجر الثورة الخالدة تبقى هذه الثورة تحتل الصدارة لدى الكتاب والباحثين سواء من المناصرين او المعارضين لها.
ولن نناقش في هذه العجالة ما يقوله المعارضون رغم اهمية التعرض له وسيكون موضوعنا يتعلق بمواقف المناصرين – وانا منهم -.
يمكن تقسيم المناصرين الى ثلاثة اقسام الاول تابع بالمطلق اي متبني لكامل الافكار الناصرية كما وردت وقسم مجدد من وجهة نظره وقسم باحث في المنهج الناصري.
اما القسم الاول: وهو قسم ملتزم التزامًا مطلقا بما اوردته الناصرية عبر مسيرتها بالحكم. لقد حركت ثورة 23 تموز المشاعر القومية والآمال لدى الشعب العربي من خلال المعارك الكبيرة التي خاضتها منذ انطلاقها مما دفع الجماهير العربية الى تأييدها والالتزام بشعاراتها التي كانت معبرة عما يجول بوجدان هذه الجماهير بوعي حينا وبعفوية صادقة احيانا كثيرة للأسف، وهو ما سهل عملية الارتداد على الثورة بعد وفاة عبد الناصر بردة السادات.
لقد حاول عبد الناصر الارتقاء بالوعي الجماهيري من خلال التنظيمات السياسية المرحلية والمتدرجة – هيئة التحرير، الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي واخيرا التنظيم الطليعي-
ومن خلال مجانية التعليم والخطاب المباشر من عبد الناصر والذي كان يسترسل به لزيادة ايضاح مسيرة الثورة والتحديات التي تواجهها، الا انه ثبت عدم تحقيق درجة الوعي المطلوبة لحماية الثورة، كما ان الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كان مانعا من استكمال هذا الوعي، وقد اشار الدكتور جمال الاتاسي – رحمه الله – الى ذلك بقوله بوجود احزاب وقوى ليست ناصرية ولكنها استطاعت استيعاب التجربة الناصرية.
ويطالب القسم الثاني بالتجديد للناصرية من خلال اضافة افكار وإيجابيات على ظواهر وحالات جديدة او من خلال عملية تلاقح للأفكار بين ما طرحته الناصرية وبين ما يراه صاحب الرأي من صواب الاضافة مثل الدكتور عصمت سيف الدولة، وبالنتيجة نجد خروج عن المنهج الناصري وظهور تيار جديد وان تقاطع في بعض منها مع الاصل ولقد اصطدمت هذه الافكار مع القسم الاول واعتبرها تحريفا للناصرية وخروجا عنها.
ويبقى امامنا السؤال: هل الناصرية لا تحتاج الى تجديد وهي صالحة لكل زمان ومكان ام انها تحتاج الى تطوير وتحديث. فاذا كان الجواب نعم فيأتي سؤال بعده كيف نطور ونحدث الناصرية، وهذا ما يحاول العمل عليه أنصار القسم الثالث التي تعتبر ضرورة تحديث وتطوير الناصرية بما بتناسب مع تطور الزمن وتطور الفكر الانساني بشكل عام والفكر العربي بشكل خاص ومع الأحداث الكبيرة التي جرت ولا تزال في العالم العربي.
ان القسم الثالث يبحث عن/وفي المنهج الناصري من خلال استعراضه للثوابت الناصرية والمنطلقات الفكرية لدى عبد الناصر ومن خلال اعادة الربط بين ما هو ثابت وما هو مرحلي وما هو اساسي وما هو متمم ولنذكر ببعض ما تم الاصطلاح عليه انه من الثوابت
ففي مواجهة جيوش الاحتلال (مقدمة) القضاء على الاستعمار (هدف وشعار)
وفي مواجهة الاقطاع المستبد (مقدمة) القضاء على الاقطاع (هدف وشعار)
ومن اجل منع تسخير الثروة الوطنية بيد المستغلين (مقدمة)القضاء على الاحتكار وسيطرة راس المال (هدف وشعار).
وفي مواجهة الاستغلال والاستبداد (مقدمة) اقامة عدالة اجتماعية (هدف وشعار)
ومن اجل حماية الوطن (مقدمة) اقامة جيش وطني (هدف وشعار).
واخيرا في مواجهة التزييف السياسي (مقدمة) اقامة حياة ديمقراطية سليمة (هدف وشعار)
ان عملية قراءة الواقع انتجت هذه المقدمات التي بدورها انتجت الحلول ,و في كل قراءة سيكون هناك نتائج تشكل الحلول الخاصة بها بما يعني تغير وتبدل القراءات حسب الواقع وتغير وتبدل الحلول ولنأخذ مثال على ذلك ,فبعد الحرب العالمية الثانية وظهور الدول المنتصرة بقوة على الساحة الدولية وبالمقابل تبين ضعف بقية الدول التي كانت حديثة العهد بالاستقلال مما دفعها للبحث عن اطار يحميها فكان مبدأ الحياد الايجابي بين المعسكرين المنتصرين ولكن هذا المبدأ وان كان يدعى حيادا ايجابيا الا انه كان يفقد اصحابه التعبير عن موقفهم السياسي بمواجهة المعسكرين فمن خلال اعادة قراءة للواقع مجددا نتجت مقدمة جديدة انتجت هدفا جديدا وسياسة جديدة هي عدم الانحياز.
من هنا نجد ان الناصرية تقوم بدراسة الواقع وتحلله وتصل الى هدف تقوم بوضع الخطط والدراسات لتنفيذه ضمن قاعدة التجربة والخطأ وهي لا تجد حرجا بالرجوع عن عمل ما اذا ثبت خطأه ,واذا عدنا الى نفس المبدأ السابق عن عدم الانحياز ,هل ترون انه لا يزال صالحا كنهج سياسي في عصر العولمة الذي يعطي مقدمات جديدة تتعلق بالتكتلات الكبرى المبنية على المصالح والتعاون الاقتصادي والعلمي وحتى العسكري والسياسي ومن هنا تصبح المقدمة الان ” في مواجهة التكتلات الكبرى ولغة المصالح بين دول العالم يجب البحث عن تكتل يحقق لنا مصالحنا ويعبر عنها.
علينا ان نواكب التطورات في عالمنا العربي فالدولة القطرية التي كنا نحاربها في الماضي ولا نعترف بها، اليوم بات علينا ان نحافظ عليها.
لقد كان عبد الناصر كثير الحرص على الوحدة العربية وخاض تجربة وحدة مع سورية وعندما حدث الانفصال لم يعد يستجيب للدعوات الوحدوية ليس لأنه لم يعد وحدويا انما يريد ان يحقق وحدة نتاج الشعب الذي يطالب بها وليس لمطالب الحكام. انها محاولة للبحث في المنهج الناصري القائم على العلم والدراسة والبحث عن تحقيق الاهداف وليس رفعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى