قراءة في المجموعة القصصية: ثلاثية الهذيان

أحمد العربي

صدرت المجموعة القصصية ثلاثية الهذيان للكاتب د.أحمد سامر العش عن مكتبة الاسرة العربية في اسطنبول. وكنت قرأت للكاتب روايته حتى توارت بالحجاب وكتبت عنها ايضا.

تتناول كل قصة من المجموعة موضوعا مختلفا عن بقية القصص ولذلك سأتناولها منفصلة في قراءتي و تعقيبي. واختم بتعقيب عام.

جاءت القصة الأولى المعنونة :ارض التساؤلات حيث تبدأ على لسان خالد الشاب الفلسطيني ابن مخيم اليرموك المغطى عينيه “المطمش” الذي يدفعه أحد الجنود أمامه فيقع في حفرة عميقة يليها إطلاق نار كثيف عليه. يجعله يغادر عالم الظلمة التي يعانيها وتغيب عنه الامه ليجد نفسه في أرض جميلة خضراء تحف بها المياه والطيور ليجد بعد ذلك حوله بعض البشر ممن يتواجدون في هذه الجنان. يقترب منهم خالد ويبدأ بمحادثتهم. محاولا ان يفهم واقعه الجديد وأين هو ومن هؤلاء الذين يراهم حوله. لكن المجيبين يخبرونه أنه موجود في أرض التساؤلات ولا جواب عند أحد حول ما يريد معرفته. لكنه يستطيع معرفة حكاية هؤلاء الذين يلتقي بهم في هذه الواحة الغناء. حدثوه تباعا. لقد كانوا من عصور مختلفة. ولكل حكاية. ذلك عالم دين لم يفتي بما أمره الله بحيث سكت عن ظلم العباد .وآخر عالم يغوص في عوالم الدنيا وآخر وآخر. وخالد ينتقل بينهم يتابع حكاياتهم. ويتذكر حكايته وأنه فلسطيني الاصل من اللاجئين الذين جاؤوا من فلسطين بعد نكبتها وسيطرة الصهاينة عليها وانه يسكن في مخيم فلسطين. غير ذلك لم يخبرنا. وسرعان ما يعود خالد من جنته التي كان يعيش بها لحقيقة ما يعيش حيث تعود الدنيا إلى سوادها في نظره. وليسقط عليه جسد آخر يتبعه إطلاق رصاص يسقط الجسد فوقه. ويغيب خالد عن الوجود…

في التعقيب على القصة أقول إن هذه القصة تعيد سرد واقعة الفيديو الذي ذاع صيته حيث كان بعض الجنود وعناصر الامن السوريين الذين استباحوا حياة وأرواح السوريين في سورية كلها. والفديو كان يصور ذلك الجندي الذي يقود المعتقلين من اهل مخيم اليرموك الأبرياء والعصابة  على أعينهم ويرميهم واحدا وراء الآخر في حفرة كبيرة مليئة بالجثث يرمي المعتقل ويطلق عليه النار من سلاحه و يأتي بعده بآخر…

لقد كانت “لعبة” العسكر والأمن السوري الذي أجرم بحق الشعب السوري. ليس في مخيم اليرموك فقط بل في كل سورية التي أصبح مجموع ضحاياها أكثر من مليون انسان مظلوم. ومثلهم مصابين ومعاقين ومعتقلين…

الشعب السوري ولأكثر من عقد، الذي كان ضحية القصف بالبراميل المتفجرة والكيماوي والطيران والصواريخ والقتل في المعتقلات والمدن والبلدات المدمرة على أهلها…

هكذا كان حالنا نحن السوريين لسنوات مضت.

القصة تشعل شمعة تضيء ظلام حكايتنا المؤلمة…

القصة الثانية بعنوان: من يكشف المستور.

معتز شاب يفكر بواقع المظلومية العالمية التي تعيشه الشعوب.  “الكازينو العالمي” هو اسم المؤسسة العالمية للتحكم بالشعوب والدول وتجعلها تعيش ضحية أنظمتها المستبدة الظالمة وفي منطقتنا العربية بشكل أساسي. وانه يجب ان نعرف حقيقة خطط هذا النظام العالمي المهيمن. فكر معتز بأن الحل ان يتم احتجاز المترجمين الدوليين المرافقين لرؤساء هذه الدول ومعرفة المعلومات التي يتم تبادلها بين رؤساء وممثلي هذه الدول المتحكمة بالعالم. يضع الخطة مع آخرين ويستطيع جمع المترجمين واحتجازهم. ويعاملهم بالحسنى ويعدهم بأن يطلق سراحهم بعد ذلك مع طريقة تحميهم من بطش رؤسائهم. وهكذا يتم كشف خطط كبار المتحكمين بالنظام العالمي. باشعال الحروب واستثمارها. ودعم الأنظمة المستبدة التي تهيمن على ثروات الشعوب وتخدم مصلحة النظام العالمي. ويكشف خدعة الصراع الدولي بين أمريكا وروسيا والصين وغيرهم. وإن كل ذلك خدعة اعلامية وأنهم يتحركون وفق خطط استثمار عالمي متفق عليه. وانهم يعتمدون الخداع الإعلامي…

ينتهي التحقيق ويحاول معتز ورفاقه اعادة المحتجزين الى مناطق آمنة لهم. لكنه يسمع دوي انفجار ويعيش في ظلام دامس…

جاء اليه من يوقظه هناك قصف بالبراميل المتفجرة وعليه أن يستيقظ ليجد طريقة ينجو بها بنفسه…

تنتهي القصة هنا.

في التعقيب عليها اقول:

إن هذه القصة تحكي واقع الشعب السوري الضحية الواقع تحت والموت واحتماله الدائم بكل انواع الاسلحة، الذي يحلم ان ينتقم من اعدائه بدء من النظام السوري المجرم القاتل الى النظام العالمي الحامي له والداعم لكل أفعاله الإجرامية. واقع الشعب السوري و أحلام العدالة والاقتصاص من الظالمين. وهم للآن مازالوا ضحية هذا الظلم الذي لم ينتهي للآن.

القصة الثالثة: الأصدقاء الخمسة فئران تجارب.

تتناول القصة واقع اصدقاء خمسة امريكان يتناقشون في جلسة لهم حول التأثير الخطير للجوال في حياتهم جميعا. وانهم اصبحوا مدمنين مرضيا عليه. حيث قدم أحدهم اقتراح لهم أن يتخلوا عن الجوال الشخصي في حياتهم العملية لمدة ستة اشهر. وأن يجربوا كيف تكون حياتهم. تناقشوا كثيرا حول الاستحالة والصعوبة. لكنهم اتفقوا اخيرا على ان يخوضوا التجربة. وضعوا جوالاتهم في أحد الفنادق على أن يستردوها بعد ستة أشهر…

كانت التجربة قاسية عليهم على المستوى الشخصي في الايام الاولى. ادمان الجوال كان قاسيا . لكنهم استطاعوا التحمل. أما عائلاتهم فقط تلقت الخبر بالاستغراب والسخرية والتهكم. وكذلك حال أرباب أعمالهم. لكنهم التزموا بأن يقوموا بكل التزاماتهم في أعمالهم مما جعل أرباب أعمالهم يقبلون بقرارهم على مضض.

 أما ردات أفعال عائلاتهم فقد كانت مختلفة. لقد استطاعوا معرفة واقع أسرهم، زوجاتهم واولادهم. والمشكلات الاجتماعية. ذلك وزوجته التي تعيش علاقة مع رجل آخر وأدى ذلك لانفصالها عنه. وتلك الزوجة التي كانت على علاقة سحاقية مع اخرى. وذلك الذي اكتشف أن ابنته تدير شبكة بيع الحشيش المخدر معوعشيقها. وآخر يدير شبكة دعارى الكترونية وغيره وغيره. بعض الحالات العائلية انعكست متغيرات اوضاع الرجال بشكل ايجابي عليها والبعض كشفت حقيقة عيوبها وبالتالي دمرت هذه العلاقات العائلية. وبما أن الرجال يعيشون في امريكا حيث الاولوية للفرد وذاته وملذاته وحريته وبالتالي لا ضابط له إلا ما يريد وهو مسؤول أمام القانون فقط الذي يحاسبه إن أخطأ في عمل ما. اما حياته الفردية فهو حر بها.

انتهت الستة أشهر وكانت لها تأثيرات كبيرة على الرجال الخمسة. وذهبوا ليستردوا جوالاتهم. ووجدوا معها بطاقة شكر لهم لكونهم خاضوا التجربة. لقد كانوا فأر تجارب عند صناع القرار ليعرفوا واقع حالهم و يتخذوا الإجراء المناسب للحفاظ على مصلحة النظام الحاكم المتحكم في المجتمع وحياة الناس كلهم.

في التعقيب على القصة اقول:

نعم ان كل متغيرات حياة الناس تحت المجهر في كل العالم. ليتم اعادة استثمار كل متغير للحفاظ على النظام العالمي والقوى المهيمنة اقتصاديا وسياسيا في العالم. لتدعيم مصالحهم وخلق آفاق جديدة وتعظيمها كل الوقت.

في التعقيب على المجموعة القصصية اقول:

اننا امام مجموعة قصصية صغيرة ومركزة تعطي انطباعا عن أن كاتبها د. احمد سامر العش مطلع على ما حصل في سورية منذ ثورتها وما كتبه هو إشارات لهذا الواقع المأساوي للسوريين جميعا. وان الربط بين واقع النظام السوري المستبد المجرم والقوى الدولية ومصالحها. يجعلنا نفهم لماذا لم تنتصر ثورتنا ولماذا وكيف تم وأد الربيع العربي كاملا وقتله ايضا…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. المجموعة القصصية: ثلاثية الهذيان” للكاتب “د.أحمد سامر العش” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” ثلاثية قصصية بعناوين متعددة : :الأولى :”ارض التساؤلات” تتحدث بلسان الشاب الفلسطيني من مخيم اليرموك ومأساته مع نظام طاغية الشام، والثانية: “من يكشف المستور” حول المظلومية العالمية ، والثالثة: “الأصدقاء الخمسة فئران تجارب” حول حوار خمسة أشخاص أميركان حول تأثير الموبايل حول حياتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى