تعيين السنوار في منصب رئيس المكتب السياسي لحماس، لن يغير مسار المفاوضات أو احتمالية نجاحها. وفي ذلك، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إنه “يؤكد حقيقة أن قرار تقدم المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار هو قرار ملقاة مسؤوليته على السنوار”. ولكنه تشخيص لا جديد فيه. السنوار، وليس إسماعيل هنية، هو الذي كان “صاحب القرار”، وهي المكانة التي حصل عليها بفضل الحرب التي شنها ضد إسرائيل وبسبب السيطرة على مصير المخطوفين.
والسنوار هو الشخص الذي قرر بشأن التنازل الكبير في أيار الماضي عندما وافق على تأجيل طلب وقف مطلق للحرب وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة قبل انتقال الطرفين إلى المرحلة الثانية للمفاوضات بعد استكمال المرحلة الأولى “الإنسانية”. وبذلك، أعطى المفاوضات احتمالية أخرى للتقدم. مكانته الجديدة في منصب رئيس المكتب السياسي، وعملياً الزعيم العسكري والسياسي لحماس، لا تغير هذه المعادلة التي تنتظر رد نتنياهو.
حسب بيان حماس، جاء قرار تعيين السنوار بعد تشاور مع جميع أعضاء مجلس الشورى، الجسم الأعلى الذي يحدد أيديولوجيا المنظمة وسياستها واستراتيجيها. ويشارك في هذا الجسم 320 عضواً في أربع مناطق، وهي: الضفة الغربية، وقطاع غزة، والخارج، والأسرى. بينهم 25 – 50 عضواً في “مجلس الشورى المقلص”، نوع من المطبخ الصغير الموسع. حدث خلاف شديد بين هؤلاء الأعضاء، بين الذين يؤيدون علاقة وثيقة مع إيران مثل هنية والعاروري، وبين الذين يفضلون العودة إلى “الحضن العربي”، وهو الخط الذي يقوده خالد مشعل.
في الحقيقة، السنوار محسوب على الذين يؤيدون العلاقة الوثيقة مع إيران، لكن مقابل هنية وصالح العاروري، اللذين أقاما علاقات وثيقة مع الزعيم الروحي علي خامنئي وتعرفا عليه شخصياً، فإن السنوار يعتبر إيران مصدراً للتمويل والسلاح، وليس شريكاً أيديولوجياً، وإن عبر عن شكره لها لمساعدتها التي قدمتها. ويبدو أنه امتنع عن إبلاغ شركائه في حماس وأيضاً إيران حول تفاصيل الهجوم ضد إسرائيل، وهي الحقيقة التي أغضبت إيران، والتي فسرت بهذا امتناعها عن المشاركة العسكرية المباشرة في منظومة “وحدة الساحات”. هذا الخلاف الداخلي وصل إلى ذروته في انتخابات المناصب القيادية في حماس في 2021 عندما اضطر السنوار، الذي كان على ثقة بفوزه، إلى التنافس في ثلاث جولات انتخابية قبل الإعلان عن فوزه. في حينه، عندما عُين رئيساً للمكتب السياسي لحماس في غزة، عمل على إقصاء مؤيدي هنية من المناصب الرئيسية في القطاع.
لكن بسبب الشراكة الوثيقة بين حماس وحزب الله، وإسهامه العسكري المهم جداً في الحرب، وبسبب الحاجة إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران أمام سيناريو محتمل تطلب فيه قطر خروج زعماء حماس من أراضيها، كان من الواضح أن خالد مشعل، الذي بادر إلى مقاطعة سوريا ثم مقاطعة إيران، في العام 2012 على خلفية مذبحة المدنيين السوريين في الحرب الأهلية، لم يكن باستطاعته العودة إلى المنصب الذي شغله حتى 2017، الذي حل فيه هنية محله في الانتخابات. وكان واضحاً أنه في الظروف القائمة ولمنع الانقسام الداخلي في حماس، فإن إجراء الانتخابات كما يقتضيه دستور حماس الداخلي، لا يعتبر خياراً واقعياً. كانت النتيجة نوعاً من التسوية، التي سيبقى فيها مشعل في منصب المسؤول عن “حماس الخارج” ولن يتم تعيين نائب للسنوار في هذا الوقت. هذا المنصب شغله العاروري حتى تصفيته في كانون الثاني الماضي، ومنصب المسؤول عن حماس في الضفة يشغله بصورة مؤقتة زاهر جبارين. في الظروف العادية، ربما كان تعيين السنوار سيستمر حتى العام 2025، الذي يتوقع فيه إجراء الانتخابات الدورية لقيادة المنظمة. ولكن حتى الآن، يبدو أن حماس والسنوار يأملان ببقاء مرشحين للانتخاب حتى السنة القادمة.
في كل الحالات، رغم التقسيم الوظيفي بين حماس الخارج وحماس الداخل، وبين الضفة والقطاع، فمن الآن فصاعداً سيتولى السنوار نفسه كل نشاطات المنظمة على الصعيد العسكري والسياسي. أما القضية التقنية؛ أي كيف يمكن للسنوار إدارة شؤون حماس من داخل الأنفاق في غزة، فهو أمر لا تعتبر عائقاً جوهرياً. فقد نجح في إرسال الرسائل والقرارات بواسطة مبعوثين، وبالأساس بواسطة خليل الحية، الذي اعتبر نائبه ومحل ثقته، وأصلاً غزة الآن هي القضية الرئيسية التي يجب على السنوار علاجها.
لكن إضافة إلى الخطوات الفورية المتعلقة بالمفاوضات حول تحرير المخطوفين، التي دخلت مرحلة التجميد الآن، وقضية وقف إطلاق النار المرهونة بقرار إسرائيل، فإن السنوار، ومثله قيادة حماس، ملزم بترسيخ الشروط التي ستمنع تفكك الحركة، وليس فقط سيطرتها في غزة. على سبيل المثال، ما زالت قيادة حماس تفحص احتمالية المضي بالمصالحة مع حركة فتح؛ وهل وكيف سيتم الانضمام لـ م.ت.ف؛ وعملياً، مناقشة طريقة إدارة القطاع، في البداية معبر رفح من قبل ممثلي السلطة الفلسطينية أو جسم فلسطيني بديل؛ ولاحقاً كيف سيتم الاندماج في برامج إعادة إعمار القطاع بعد الحرب.
للوهلة الأولى، تبدو أسئلة غير عملية الآن، لكن عندما تجري إسرائيل مع مصر والولايات المتحدة نقاشات حثيثة حول خطط الانسحاب من معبر رفح وربما من محور فيلادلفيا، في إطار اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، فربما تصبح إدارة غزة قضية حاسمة قريباً، وسيكون لقرارات السنوار فيها دور حاسم لأنها سترسخ أهمية حماس حتى بعد الحرب. يبدو أيضاً أن هذه الاعتبارات كانت أمام مجلس الشورى عند تعيين السنوار، حيث إنه إلى جانب النية في إرسال رسالة لإسرائيل والولايات المتحدة والجمهور الفلسطيني بأن حماس هي أكثر من مجموع القادة الذين تمت تصفيتهم، كان ثمة حاجة للإظهار بأن حماس ما زالت تدير معركة سيطرة هرمية، وأن السنوار جزء من هذه البنية وليس “حاكماً مستقلاً”، حتى لو كانت هذه مكانته فعلياً.
الحديث هنا يدور حول الاعتماد المتبادل الآخذ في التعمق، وربما يبقي في يد مجلس الشورى دور أساسي في تحديد استمرار طريق حماس. لفهم هذا الاعتماد، يجب فحص الفرق بين مكانة هنية ومكانة السنوار. منذ بداية الحرب، اعتبر السنوار هنية “مراسلاً” والـ “الرجل الذي يرتدي البدلة”، ومهمته نقل الرسائل من قطاع غزة إلى دول الوساطة وإعادة الردود عليها إليه. لم يكن باستطاعة هنية فرض إرادته على السنوار أو تحديد مسار الحرب وحجمها وشروط وقفها. في الواقع، كان لهنية دور السياسي الذي أدار العلاقات مع رؤساء الدول، ولكنه لم يتحكم بمركز القوة العسكري لحماس. ولكن هنية كان يمتلك ذخراً استراتيجياً مهماً بشكل خاص. فقد سيطر على مصادر تمويل حماس وعلى إمبراطورية توفير الأموال لها.
حتى الآن ما زال للسنوار جيش، أو على الأقل قوة عسكرية تستمر في الحرب، ولكنه ليس سياسياً. ولإدارة البنى التحتية وتمويلها وتمويل كل حماس، فسيكون معتمدا على هذه المصادر والأجهزة التي تنشغل في ذلك الآن، والتي تمتلك أنبوب الأوكسجين الذي يغذي السنوار ورجاله أيضاً. الآن ضرورة الاهتمام بمستقبل الحركة، سياسياً واقتصادياً، قد تكون أهم من الضغط العسكري الذي استخدم على قطاع غزة، وأن تصبح العامل الرئيسي في قرارات السنوار في قضية صفقة التبادل ووقف إطلاق النار. يبدو أنه الاستنتاج الذي توصلت إليه الإدارة الأمريكية، التي لم تدن التعيين كما كان متوقعاً، بل سارعت لتبني مكانة السنوار الجديدة، وتؤكد في رسالة إليه مسؤوليته عن استغلال هذه الفرصة واستكمال المفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين.
المصدر: هآرتس /القدس العربي