هجومان جويان في غضون تسعة أيام. الأول المنسوب لإسرائيل في دمشق والثاني في غزة، يعكسان خطورة التورط الاستراتيجي الذي تعيشه إسرائيل في الشهر السابع للحرب ضد حماس. الحرب في القطاع، التي انزلقت منذ تشرين الأول إلى مواجهة محدودة مع حزب الله في لبنان، تهدد الآن للمرة الأولى بالتحول إلى صدام مباشر بين إسرائيل وإيران.
في 1 نيسان الحالي تم تنفيذ اغتيال الجنرال حسن مهداوي، في المبنى القريب من السفارة الإيرانية في سوريا. قتل مهداوي وستة من رجاله. أول أمس، هاجم سلاح الجو في غزة سيارة كان فيها ثلاثة من أبناء رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية وثلاثة من أحفاده. الستة قتلوا.
العملية الأولى ظهرت كخطوة مخطط لها. إسرائيل الرسمية لا تتحمل المسؤولية عن اغتيال شخصيات إيرانية رفيعة، لكن يصعب في هذه الحالة تشخيص أحد آخر في المنطقة له مصلحة مباشرة في قتل مهداوي. يمكن التقدير أنه جرت متابعة طويلة للجنرال زاهدي، وفي نهاية المطاف اتخذ قرار استغلال هذه الفرصة العملياتية. هذه العملية ليست ارتجالية؛ وإزاء مكانة مهداوي الرفيعة فالمطلوب هو الحصول على عدة مصادقات لتنفيذ هذا الهجوم. في المقابل، مشكوك فيه إذا أجرى الكابنيت نقاشاً في حول النتائج المتوقعة لهذه العملية.
حالة الإخوة هنية مختلفة في جوهرها. قال الجيش أول أمس إن الإخوة الثلاثة نشطاء معروفون في حماس، وفي الوقت الذي أصيبوا فيه كانوا ينشغلون في توزيع الأموال على رجال المنظمة في غزة، وهذه كانت عملية مشتركة بين الجيش الإسرائيلي و”الشاباك”. المصادقة على الهجوم، كما اضطر الجيش للاعتراف، أعطاها عقيد في مركز قيادة الجنوب – مستوى متوسط فقط. قائد المنطقة الجنوبية، ورئيس الأركان، ورئيس “الشاباك”، ووزير الدفاع، ورئيس الحكومة، لم يعرف أي منهم عن العملية مسبقاً ولم يكلف أي أحد نفسه في سلسلة القيادة الأدنى عناء الإشارة مسبقاً إلى النتائج المحتملة لقتل ستة أشخاص من أبناء عائلة شخص بهذا القدر من الأهمية في حماس.
في الهجومين اللذين تعقدا هناك شيء ما مشترك؛ ففيهما انفعال غير منضبط للمستوى العملياتي حصل على صدى سلبي أوسع على خلفية عجز إسرائيل السياسي. أكثر من نصف عام على مذبحة 7 أكتوبر وإسرائيل تجد صعوبة في الوصول إلى حسم عسكري، يوازي استراتيجياً جزءاً من أضرار الكارثة، وهي حتى الآن ليست قريبة من حل الضائقة الفظيعة لعائلات الـ 133 مخطوفاً (كثيرون منهم أموات). بدرجة ما ثمة ذيل عملياتي يهتز للكلب السياسي. في الهجوم المنسوب لإسرائيل في دمشق، من المرجح أن المستوى المهني استخدم الضغط من الأسفل من أجل العمل؛ أما في غزة فقد اتخذ القرار في مستوى متوسط وحتى بدون المستوى الأعلى. في الحالتين، يبدو أنه لم يتم تكريس ما يكفي من التفكير لكل المعاني المتوقعة.
ركزت وسائل الإعلام في اليومين الأخيرين على حادثة هنية. هذه حادثة أكثر مأساوية، وهي مرتبطة بشخصيات معروفة للجمهور الإسرائيلي. دل وجه هنية عندما تلقى في الدوحة نبأ موت أولاده وأحفاده، على تصميم حماس لمواصلة القتال ضد إسرائيل، ومشكوك فيه إذا كانت قد تشوشت صفقة تحرير المخطوفين، كما يعتقد الكثيرون خطأ. إن من يقرران، نتنياهو والسنوار، غير متحمسين لعقد الصفقة في هذه الأثناء ولا يسارعان إليها.
قصة إيران أكثر دراماتيكية وإلحاحاً. أمس ثار شك بأن يخرج الأمر عن السيطرة قريباً. لقد نسبت لإسرائيل في السابق عدة اغتيالات لشخصيات إيرانية رفيعة، مثل رئيس المشروع النووي الإيراني البروفيسور محسن فخري زاده في 2020، وشخص رفيع آخر في حرس الثورة الذي قتل في بداية الحرب. في معظم هذه الحالات، هدد المتحدثون الإيرانيون بالرد، لكن الأمر انتهى بمحاولات هجوم صغيرة نسبياً ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. في هذه المرة، بثت طهران جهوداً كبيرة للتوضيح بأنه تم اجتياز الخطوط الحمراء وأنها تنوي رفع القفازات. المرشد الأعلى علي خامنئي هدد علناً بالانتقام. يبدو أنه اتخذت خطوات استعداد لرد عسكري. جهاز الأمن الإسرائيلي استعد على الفور ومثله الأمريكيون. في الأسبوع الماضي، تم تخصيص عدة نقاشات في كابينت الحرب والكابينت الأمني السياسي المصغر حول التوتر مع إيران أكثر مما خصص للمفاوضات حول المخطوفين.
لقد كانت لإسرائيل كما يبدو أسباب لاغتيال مهداوي. فهذا الجنرال هو الشخص الرئيسي في الاتصال بين خامنئي ورئيس حزب الله حسن نصر الله، وقد نسق خطوات إيران مع حزب الله وأدار سلسلة التزويد التي زودت إيران بواسطتها رعاياها بعشرات آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات. وكانت هناك رغبة في نقل رسالة تفيد بأن طهران لا يمكنها مواصلة حث وتزويد الهجوم الواسع ضد إسرائيل بدون دفع الثمن. ولكن وجود نوع من الجمود العقلي هنا انطلاقاً من اعتقاد بأن ما كان هو ما سيكون، وأن إيران لن ترد بشكل مختلف على اغتيال مثل هذه الشخصية الرفيعة في ذروة الحرب.
الافتراض الرئيسي الاستخباري فيما يتعلق بإيران يقول إنه كان من المريح لفترة طويلة للنظام محاربة إسرائيل بواسطة مبعوثين وامتدادات، وأن طهران معنية بتجنب حرب إقليمية شاملة تجرها إليها وتكلفها الخسائر. ولكن حسب التهديدات والتسريبات من إيران، يتم فحص رد مباشر ضد إسرائيل في هذه المرة، وليس بواسطة مبعوثين. السؤال هو: ماذا سيكون حجم الهجوم وهل ستختار إيران أهدافاً ستبقي الطرفين تحت مستوى الحرب بينهما؟ أمر يتعلق بنجاح وسائل الدفاع الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة تم وبشكل واضح تعزيز التنسيق الدفاعي مع قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية. قائد قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي مايكل كوريلا وصل أمس إلى إسرائيل من أجل الإشراف على عملية التنسيق مع الجيش الإسرائيلي.
السيناريوهات التي طرحها جهاز الأمن هذا الأسبوع تناولت إمكانية حدوث هجوم إيراني على قواعد عسكرية ومواقع بنى تحتية استراتيجية. هذا كما يبدو على افتراض أن مهاجمة مراكز السكان إعلان حرب. أظهرت طهران قدرة على القيام بهجمات مركزة وناجعة عن طريق مسيرات وصواريخ كروز على منشآت النفط في السعودية (2019)، والإمارات في 2021. في العقد الماضي، حققت حلم الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في حرس الثورة الإيراني، الذي اغتالته الولايات المتحدة في العراق في 2020.
تحدث سليماني عن إحاطة إسرائيل بدائرة نار من المليشيات التي تستطيع إيران تشغيلها كما تشاء. تم تطبيق الفكرة للمرة الأولى في الحرب الحالية. وخطوات دولية أوسع تحدث هنا وهي مرتبطة بنوع من “تحالف منبوذين” عالمي نشأ بين إيران وروسيا بمساعدة كوريا الشمالية وبمساعدة ما من الصين. تجارة السلاح بين موسكو وطهران خلال الحرب في أوكرانيا وفي الفترة الأخيرة في غزة، تدل على توطيد العلاقات.
الرئيس الأمريكي قال مساء أول أمس إن لبلاده “التزاماً حديدياً بأمن إسرائيل”، هذا تصريح مهم، وقد تم إسماعه رغم إحباط بايدن من خطوات نتنياهو في حرب غزة. هو يوازن خطاب الـ “دونت” المشهور لبايدن في 10 تشرين الأول، الذي فيه حذر إيران من الدخول إلى معركة ضد إسرائيل عقب مذبحة غلاف غزة وانضمام حزب الله للمعركة بواسطة إطلاق الصواريخ على الجليل. تهديد بايدن مدعوم بإرسال حاملتي طائرات على رأس قوة مهمة إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر، وهذه الخطوة فعلت. هذه المرة الوضع معقد أكثر؛ فمن وجهة النظر الإيرانية، إسرائيل هاجمتها خارقة ميزان الرعب بين الطرفين (الإيرانيون يصفون المبنى الذي تمت مهاجمته كسفارة لهم في دمشق، أي منطقة سيادية). وتصريحات خامنئي تلزمهم بالرد.
في المقابل، الدول العربية السنية تخشى من مواجهة قد تشعل الشرق الأوسط وتعرض تصدير النفط وسوق الطاقة العالمية للخطر. الصحافي السعودي طارق الحميد، المحرر السابق بصحيفة “الشرق الأوسط” ويعتبر مقرباً من السلطات في الرياض، قارن في مقال نشره هذا الأسبوع، القرار الذي يتخبط به خامنئي بالمقولة المشهورة لسلفه آية الله الخميني حول اتفاق وقف النار في 1988 الذي أدى إلى انهيار الحرب بين إيران والعراق. الخميني وصف قرار وقف الحرب كـ “شرب كأس سم”، لكنه اعتبره أمراً لا مناص منه في تلك الظروف. وكتب حميد أن إيران جُرت لموقف بات لزاماً عليها الرد، لكن هذا قد يكون القرار الأصعب الذي اتخذه النظام منذ الثورة الإسلامية في 1979. وربما تكون النتيجة، هكذا يحذر، مواجهة مباشرة مع إسرائيل وخطر اندلاع حرب إقليمية. لسبب ما، هو لا يذكر احتمالية أخرى، وهي أن تكون الحرب مرتبطة أيضاً بخطوة إسرائيلية أو أمريكية ضد المشروع النووي الإيراني.
الورقة الأخيرة
إن قتل أولاد هنية في غزة غير منفصل عن هجوم إسرائيل السابق الذي أثار الانتقاد الدولي، الذي قتل فيه سبعة من عاملي منظمة إغاثة أجنبية في قصف في دير البلح. في الحادثة السابقة، قال الجيش الإسرائيلي إنه وجد خطأ في التشخيص. أما هذه المرة فهوية أهداف الهجوم كانت معروفة، لكن حسب رواية الجيش نفسه، لم يهتم أحد برفع العلم الأحمر أمام المستويات المسؤولية. الحالتان تعكسان مشكلة مهنية آخذة في التفاقم. الجيش متآكل من القتال المتواصل، ليس وحدهم المقاتلون في الميدان، بل أيضاً الضباط، وكثير منهم من الاحتياط، وفي قيادة الجبهة الداخلية. سيطرة هيئة الأركان على ما يحدث على الأرض وعلى القيادات آخذة في الضعف والنتيجة هي انحراف شديد عن الإجراءات والأوامر، الذي له تأثير سيئ على أداء الجيش في الحرب.
يضاف إلى ذلك لامبالاة إسرائيلية متزايدة تجاه حياة البشر في الطرف الفلسطيني، التي يكمن مصدرها في البداية في مشاعر ثأر شديدة بعد المذبحة؛ الآن هذا أصبح متكرراً في جزء من الوحدات. إحدى الظواهر السائدة تتعلق بفجوات في صورة تنفيذ الأوامر في القيادات اللوائية. التوجيهات من الأعلى متشابهة، لكن درجة الحرص على تنفيذها والحاجة إلى التأكد من أنها أهداف عسكرية تتغير من وحدة إلى أخرى. وهي ترتبط بالثقافة التنظيمية في الألوية، وأيضاً بروح القائد المملاة على رجاله. حقيقة أن حماس تختفي بصورة متعمدة خلف السكان المدنيين في القطاع وتظهر لامبالاة مطلقة بالخسائر، تعقد الظروف وتوفر لعدد من القادة والجنود ذريعة للامتناع عن الحرص على تنفيذ التعليمات.
رغم الخسائر والأضرار التي تكبدتها حماس في القطاع، يصعب الحديث عن ترميم كامل لردع إسرائيل في المنطقة. في هذه الحالة يتابع الجيران والأصدقاء والأعداء، التطورات في المجتمع الإسرائيلي، من التآكل التدريجي في صفوف الجيش وحتى الشرخ الداخلي المتجدد. الهجمات في القطاع التي أثارت عاصفة، لا تحدث في فراغ.
كلما خفت القتال غرق الجيش في التوتر الداخلي حول تحقيقات الحرب وموجة الاستقالات المتوقعة وجولة التعيينات في أعقابها. إذا لم يحدث اشتعال شامل مع إيران وحزب الله يقترب الموعد الذي سيتعين على ضباط كبار الذين وقعت الكارثة في فترة توليهم مناصبهم، ترجمة تحمل المسؤولية الشاملة من بداية الحرب إلى إعلان فعلي عن الاستقالة. بصورة لا يمكن وصفها الآن سوى أنها مدهشة، نتنياهو لا يعتبر نفسه مسؤولاً بصورة معينة عن الإخفاقات. حسب كل الدلائل، هو ينوي التمسك بالسلطة بقدر استطاعته. لا دليل على العثور على الأعضاء الخمسة الشجعان في الائتلاف الذين سيطلبون إقالته. هذا الشخص سيبقى في المنصب وسيستمر في التشويش على كل احتمالات الدولة والمجتمع للخروج من الواقع الكارثي الذي وصلت إليه، وبدرجة كبيرة بسببه.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
الدعم اللامحدود لقوات الإحتلال الصhيوني من قبل أنظمة غربية بقيادة أميركية بحربها المتوحشة القذرة على شعبنا بفلسطين.غزة جعلتها تمارس الإرhاب والإجرام بلا حدود قصف القنصلية الإيرانية بدمشق وإغتيال 7 من عائلة هنية بغزة، يُظهر خطورة التورط الاستراتيجي الذي تعيشه قيادة نتNياهو، قراءة موضوعية للوضع الداخلي بإSرائيل.