خلال سنوات كثيرة حاولوا الاجابة على سؤال ما هو الثمن الذي يجبيه مشروع الاستيطان في الضفة الغربية من دولة اسرائيل، وقد نجحوا في اضاءة القليل فقط من هذا “الثقب الاسود”. الجميع ركزوا على تكلفة البناء والبنى التحتية والتطوير والتسهيلات المبالغ فيها والأمن. الآن فهم الاحداث الاخيرة يلزم بتوسيع حدود منظومة العوامل التي ينطوي عليها الثمن، واضافة الى ذلك ثمن العمليات التي نفذتها اسرائيل ضد حماس في قطاع غزة في الـ 15 سنة الاخيرة، وثمن الانقلاب النظامي، وفوق كل ذلك الثمن الباهظ في 7 اكتوبر والحرب في غزة.
نفتالي بينيت، الذي كان المدير العام لمجلس “يشع”، وشريكته اييلت شكيد، اطلقا في 2012 “خطة التهدئة”، وهي الضم الكامل لمناطق ج التي تشكل 60 في المائة من اراضي الضفة الغربية، منذ ذلك الحين، من خلال عشرات مشاريع القوانين للضم بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة (2016)، ومن خلال “خطة الحسم” لبتسلئيل سموتريتش (2017)، ومئات التصريحات في السنة الاخيرة لاحتلال قطاع غزة ، فان اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو انشغلت بسيناريو سياسي واحد وهو ضم الضفة الغربية.
من اجل ضم الضفة الغربية أو معظمها فانه يتعين على اسرائيل خلق الظروف المناسبة، لذلك؛ نحن نحتاج وقت طويل: وقت لبلورة تحالف دولي برئاسة الولايات المتحدة يؤيد الضم، وقت لتغير الميزان الديمغرافي، تحقيق سيطرة جغرافية، طرد الفلسطينيين وابعادهم وانهيار السلطة الفلسطينية.
الوقت المطلوب لاحداث التغيير ارادت اسرائيل أن تحققه من خلال تجميد أي عملية سياسية مع م.ت.ف. التجميد وفرته حكومات اسرائيل منذ العام 2009 برئاسة نتنياهو، وبينيت ايضا، بواسطة استراتيجية الفصل. أي تعزيز منظمة حماس واضعاف السلطة الفلسطينية وم.ت.ف، الممثل الشرعي المعترف به للشعب الفلسطيني، بما في ذلك من قبل اسرائيل، وهذا تم من اجل منع اقامة الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل، والفصل بين المستقبل السياسي لقطاع غزة والمستقبل السياسي للضفة الغربية عن طريق الضم الكامل أو الجزئي لاسرائيل.
بكلمات اخرى، نحن قمنا برمي للفلسطينيين “عظمة غزة”، التي كل مساحتها 1 في المائة من مساحة ارض اسرائيل، وبعنا للعالم، وبالاساس لانفسنا، بأنه الآن يمكنهم “قضمها” الى أن تأخذ صورة سنغافورة الشرق الاوسط. نحن قمنا باخفاء حقيقة أنه بذلك نحن نأمل أن يعطونا الهدوء الامني من اجل اجراء التغيير المطلوب لضم الضفة الغربية.
على خلفية ذلك منذ العام 2009 اسرائيل لم تحارب حقا حماس، وسمحت لقطر بتحويل مليارات الدولارات اليها التي عززت قوتها وتسلحها ونشرهما حول اسرائيل. من جهة اخرى، اسرائيل اضرت بالسلطة الفلسطينية بكل الطرق، سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
اسرائيل استغلت الوقت لخطوات سياسية وما شابه. في مجال السياسة اطلق في 2020 “حلم السلام” لترامب، الذي تمت صياغته من قبل نتنياهو ومساعديه، وكانت تنقصه أي قيمة سياسية في ظل غياب الفلسطينيين ومعظم الدول العربية والعالم لهذه العملية وتبني الخطة. اهمية ذلك لاسرائيل كانت في الحصول على الدعم من ادارة ترامب لضم الضفة في نهاية فترة الاقتراح، بسبب رفض الفلسطينيين المتوقع. ايضا تم التوقيع على “اتفاقات ابراهيم” مع بعض الدول العربية من اجل تجاوز القضية الفلسطينية.
اضافة الى ذلك اسرائيل استثمرت عشرات المليارات في مشروع الاستيطان. فقد قامت بتوسيع المستوطنات وسمحت باقامة البؤر الاستيطانية والمزارع غير القانونية واطلقت خطة رئيسية للمواصلات في يهودا والسامرة بتكلفة 13 مليار شيكل وقامت بشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية وحولت منحا غير مسبوقة للسلطات اليهودية وطبقت خطة مياه في الضفة بتكلفة 2 مليار شيكل وبدأت في اقامة مناطق صناعية جديدة، ولم تحارب في أي وقت كما هو مطلوب الارهاب اليهودي ضد الفلسطينيين.
سياسة التفريق فشلت امام حماس ليس فقط في 7 اكتوبر. بل هي فشلت مرة تلو الاخرى في الوقت الذي اضطرت فيه اسرائيل الى تنفيذ عشرات العمليات ضد المنظمة بثمن مئات القتلى وعشرات مليارات الشواقل. الاخفاقات لم تجعل الجمهور يستيقط، الذي عاد وانتخب بشكل ثابت حكومات يمينية متطرفة في الـ15 سنة الاخيرة. حتى أنه كان هناك كثيرون برروا هذا الثمن مقابل هدف منع اقامة الدولة الفلسطينية دون الادراك بأن العمليات كانت فقد المقدمة لـ7 اكتوبر بالنسبة لحماس. الفصل فشل ايضا على الصعيد السياسي. فأي دولة عربية لم تتنازل عن حل الدولتين، بل العكس، وهكذا ايضا ادارة جو بايدن والدول الاوروبية والامم المتحدة.
هذا كان فقط مسألة وقت حتى 7 اكتوبر والحرب في غزة. نتنياهو عزز قوة المتدينين المتطرفين في الطرفين: المسيحانيون القوميون المتطرفون وحماس. هؤلاء تعززوا الى أن شعروا بالراحة لنشر خطط (تقريبا متشابهة) لهزيمة الطرف الآخر بشكل كامل تقريبا. سموتريتش نشر كما قلنا خطة الحسم في 2017 وحماس نشرت خطة “آخر الزمان” في 2019.
في العام 2023 لاحظ الطرفين فرصة لتشكيل الحكومة الجديدة. في حين أن سموتريتش وبن غفير قاما بقدر الامكان زيادة التوتر مع الفلسطينيين من اجل الوصول الى مواجهات في الضفة ستمكن من تطبيق خطة الحسم، حماس أجرت الاستعدادات في غزة لـ”طوفان الاقصى”. 7 اكتوبر والحرب في غزة كانت النتيجة لهذا التصعيد بادارة نتنياهو الذي كان متغطرسا ولا يرى نتائج سياسته.
هذا الثمن الباهظ كان عبثا. وكما نشرنا في السابق فان مشروع الاستيطان في الضفة فشل في تحقيق اهدافه السياسية عن طريق خلق الظروف لضم الضفة الغربية أو معظمها. ايضا في منطقة ج حدثت تغييرات دراماتيكية في هذه الفترة. في 2010 نسبة المستوطنين من اجمالي الاسرائيليين في هذه المنطقة كانت 82 في المائة. وفي هذه السنة انخفضت النسبة الى 58 في المائة. نسبة المستوطنين من اجمالي عدد سكان الضفة لم ترتفع عن 13 في المائة. المساحة الاسرائيلية المبنية في مناطق ج كانت في 2010، 44 في المئة من اجمالي المساحة المبنية. وفي هذه السنة انخفضت الى 35 في المائة. 99 في المائة من الاراضي الخاصة في مناطق ج هي بملكية الفلسطينيين.
كل يوم يمر بدون تجميد مشروع الاستيطان والسعي نحو الحل السياسي، هو يوم آخر فيه مشروع الاستيطان يزيد الثمن المطلوب من المجتمع الاسرائيلي. في غزة وفي الضفة وعلى الحدود الشمالية وفي القدس وفي كل زاوية في الدولة، نحن ندفع الثمن على الصعيد الامني، الاجتماعي، الاخلاقي والاقتصادي، وعلاقاتنا مع كل العالم، وعلى رأسه صديقتنا الولايات المتحدة. وبدون اجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة لها سياسة مختلفة، تحول اسرائيل الى طريق جديدة، فان هذا الثمن سيرتفع الى درجة انهيار اسرائيل التي نعرفها.
المصدر: هآرتس/الغد الأردنية
قراءة موضوعية لطبيعة النظام والحكومات اليمينية المتطرفة الصhيونية وسعيها للإستيط.ان وإفتعال معارك للقضاء على معارضيهم من العرب الفلسطينيين مستغلين الأموال الطائلة التي ترد اليهم “الحكومة” من الصhاينة بكل أنحاء العالم، دون محاسبة للنتائج، ماهو الثمن الحقيقي للاستي.طان؟ وضم الضفة الغربية ومشروع الإستي.طان بالقطاع؟