هل تطوي تركيا وحزب العمال الكردستاني صفحة الصراع الدموي

بول إيدن*

تشير البيانات الأخيرة إلى أن الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني المحظور يدخل مرحلة جديدة ومهمة في ضوء انخفاض ملحوظ في عدد الاشتباكات في جنوب شرق تركيا. وحتى قبل بدء العملية التركية الأخيرة عبر الحدود ضد الجماعة في كردستان العراق في منتصف حزيران (يونيو)، وقعت الغالبية العظمى من الاشتباكات بين الخصمين في العراق.

واكتشف تقرير المحلل والباحث آدم ميلر لموقع “مشروع الصراع المسلح” أن 23 بالمائة فقط من الاشتباكات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني وقعت في جنوب شرق تركيا، بينما وقعت 77 بالمائة في العراق في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020. وكان جبل قنديل في كردستان العراق منذ فترة طويلة ملاذاً لحزب العمال الكردستاني في صراعه المستمر منذ عقود مع تركيا.

وأخبر ميلر “أحوال تركية” أن هذا يناسب، من نواح كثيرة، “أنماط الصراع الموسمية” التي لوحظت منذ أعوام. وقال: “ليس من غير المعتاد أن تتراجع الاشتباكات بين قوات الأمن التركية وحزب العمال الكردستاني في أواخر الخريف، مع تسجيل عدد قليل من هجمات حزب العمال الكردستاني داخل حدود تركيا حتى أوائل الربيع”.

عادةً ما تُشن العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني في الصيف وتنتهي بحلول الشتاء، مما يمنح المجموعة فترة راحة ووقتًا لإعادة التنظيم. وقد تغير هذا النمط في الأعوام الأخيرة مع استمرار تركيا في شن عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق في فصل الشتاء، مما يعيق قدرة الجماعة على إعادة إطلاق حملاتها في تركيا في الربيع التالي.

كما تحتفظ القوات المسلحة التركية بعدد متزايد من قواعد العمليات المتقدمة وشبكات المخابرات في كردستان العراق. وفي عملية “مخلب النسر”، التي تم إطلاقها في منتصف حزيران (يونيو)، زادت تركيا عدد القواعد العسكرية التي تحتفظ بها في كردستان العراق من 24 إلى 36 في غضون أسبوعين فقط.

وقال محللون من موقع “مشروع الصراع المسلح”: “تشير التقارير الإخبارية إلى أن هجمات حزب العمال الكردستاني على القوات التركية قد انخفضت على ما يبدو خلال الفترة التي تم تحليلها، في حين زادت الهجمات التركية ضد حزب العمال الكردستاني”.

وأشاروا إلى أن هذا قد يكون اتجاهًا موسميًا آخر، وفي هذه الحالة سيستأنف حزب العمال الكردستاني عملياته في تركيا في الأشهر المقبلة، أو أن العمليات الأمنية التركية نجحت في إضعاف حزب العمال الكردستاني، على الأقل داخل تركيا.

وقال المحللون إنه بالمقارنة مع مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان هناك “تحول كبير في التدخلات مع العراق”. ومع ذلك، يعتقد المحللون أن من المهم أن نرى ما سيحدث في أشهر الصيف القادمة عندما تحدث الاشتباكات “بشكل متساوٍ في العراق وتركيا”.

يعتقد غونيس مراد تيزكور، رئيس مؤسسة “جلال طالباني” للدراسات السياسية الكردية في جامعة سنترال فلوريدا، أن قدرة حزب العمال الكردستاني على تنفيذ الهجمات في تركيا قد تضاءلت منذ العام 2017. وأرجع تيزكور ذلك إلى عدة عوامل، من تحسن التكنولوجيا العسكرية التركية إلى التطورات الجيوسياسية.

وقال تيزكور لـ”أحوال تركية” إنه “بما أن تركيا طورت قوتها الجوية، ولا سيما الطائرات المسيّرة، فقد قيدت الميزة التقليدية التي يتمتع بها مقاتلو حزب العمال الكردستاني في المناطق الريفية الوعرة”.

كما أن حملة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، “انتقلت بشكل أساسي عبر الحدود الجنوبية لتركيا منذ التوغل التركي في الجيب الكردي الشمالي الغربي في عفرين في أوائل العام 2018” والهجوم في شمال شرق سورية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

كما تهدف العمليات التركية في العراق وسورية إلى منع تحركات حزب العمال الكردستاني عبر الحدود بين هاتين الدولتين وتركيا.

وأضاف تيزكور: “وبالتالي، نعم، يمكننا الحديث عن مرحلة جديدة في الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني تحدث بشكل أساسي عبر الحدود التركية منذ العام 2017، وهي نهاية استراتيجية حزب العمال الكردستاني في المدن التركية”.

وفي حين نجحت استراتيجية تركيا في الحد من هجمات حزب العمال الكردستاني في تركيا، يشك تيزكور في أنه يمكنها طرد حزب العمال الكردستاني من جبل قنديل أو حزب الاتحاد الديمقراطي من شمال شرق سورية.

يعتقد محللو “موقع الصراع المسلح” والبيانات أيضًا أنه يمكن القول إن القوات التركية قد نجحت في تعزيز سيطرتها على المناطق الحضرية في جنوب شرق تركيا، بعد المعارك الوحشية مع حزب العمال الكردستاني في 2015-2016؛ حيث لم يتم الإبلاغ عن أي هجمات لحزب العمال الكردستاني تقريبًا من تلك المناطق في الأعوام الأخيرة.

يمكن تفسير الانخفاض الحاد في عدد الهجمات على أنه نجاح لتركيا حيث “لا يوجد تفسير بديل واضح للعدد المنخفض نسبيا من الاشتباكات في تركيا مثل وقف إطلاق النار أو تحديد أولويات حزب العمال الكردستاني بشكل واضح في العراق”.

وقال المحللون: “مع ذلك، قد لا تكون العمليات التركية العامل الوحيد الذي يحفز هذا الاتجاه. هناك حاجة إلى مزيد من البيانات والتحليل لتحديد آلية سببية مباشرة بين عمليات 2015-2016، وضعف حزب العمال الكردستاني المزعوم، وانخفاض عدد الاشتباكات. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الاتجاهات الحالية ستستمر طوال أشهر الصيف عندما يتزايد نشاط حزب العمال الكردستاني عادة”.

وقال فريق من المحللين من مؤسسة “بلو ميلانغ”، وهي مجموعة بحثية مستقلة مقرها أنقرة تركز على التطورات الجيوسياسية في المناطق الداخلية في تركيا، إن عملية أنقرة الأخيرة عبر الحدود “ليست حملة بسيطة”.

وقال المحللون لـ”أحوال تركية” إن المراحل المختلفة التي يتوقعون أن تستغرقها هذه العملية المستمرة تشمل عمليات التوغل في الأجزاء الشمالية من كردستان العراق “وإنشاء العديد من نقاط مراقبة المنطقة الأمامية على أعماق تتراوح بين 5 و20 كيلومترًا في تلك المنطقة”.

وأضافوا أن الطائرات التركية المسيّرة من طرازات “بيرق تار” و”أنكا” ستنفذ أيضًا “ضربات دقيقة واغتيالات” على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وفي الوقت نفسه، ستستهدف الطائرات المقاتلة التركية من طراز “إف 16″ و”إف 4″ ثلاث قواعد مهمة لحزب العمال الكردستاني: وهي سنجار ومخمور وقنديل”.

وقالوا إن “الأجزاء الشمالية من كردستان العراق مفتوحة بالكامل للقوات المسلحة التركية لسحق قوات حزب العمال الكردستاني والمخازن وطرق الإمداد وقطع الاتصال بين تلك القواعد المهمة الثلاث. إن عملية مخلب النسر الأخيرة هي عبارة عن جهد أكثر تعقيدًا وقوة لتمهيد كل الطريق من قنديل وإليه”.

كما توقع الباحثون أن ينشئ الجيش التركي “منطقة أمنية يصل عمقها إلى 20 كيلومترًا حيث سيتم نشر أنظمة عسكرية وقوات كوماندوز ذات خبرة”. وقالوا إن “هذه المنطقة ستشكل قاعدة يتم الانتقال منها إلى المراحل والخطوات التالية باتجاه سنجار ومخمور وقنديل”.

يبدو أن الهدف الأساسي للعملية الحالية هو قطع “ترابط سنجار- حفتانين، وحفتانين- مخمور، وحفتانين-قنديل”.

وبعد ذلك، ستتحرك تركيا لممارسة الضغط على المناطق الحدودية بين تركيا وكردستان العراق، وكذلك كردستان العراق والمناطق الكردية السورية لزيادة تقييد تحركات حزب العمال الكردستاني بين تركيا وسورية والعراق.

*صحفي مقيم في شمال العراق

المصدر: (أحوال تركية) /الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى