قراءة في رواية: العبور الخامس  “معابر الجنون والحكمة”

أحمد العربي

عن دار نرد للنشر والتوزيع – إسطنبول صدرت رواية: العبور الخامس “معابر الجنون والحكمة”. للكاتبة الكردية السورية “وجيهة عبد الرحمن” ، هذا أول عمل أدبي اقرأه لها علما ان لها عدد من الروايات المنشورة…

تعتمد رواية العبور الخامس… لغة المتكلم على لسان الشخصية المحورية في الرواية التي هي الكاتبة وجيهة عبد الرحمن نفسها. لذلك نحن أمام رواية يقال عنها “الرواية – السيرة” حيث هناك دمج بين السيرة الذاتية والتأليف الروائي…

وجيهة عبد الرحمن كاتبة كردية سورية من مدينة القامشلي السورية تسلط الضوء في روايتها على ما عاشته هي وضمن بيئتها الاجتماعية بعد الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م…

تنظر وجيهة لنفسها والأكراد السوريين ولعموم الأكراد بأنهم أبناء قومية واحدة، قد ظُلموا حين وقعوا ضحية التقسيم بين عدد من الدول “تركيا وسوريا والعراق وإيران”. وذلك كأحد تبعات الحرب العالمية الأولى والاتفاقات الدولية وقتها ومنعا اتفاقية سايكس بيكو التي حددت جغرافية العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين…

لا تعود وجيهة الى تاريخ القضية الكردية عبر قرن من الزمان تقريبا حتى الثورة السورية، إلا بما يخدم سياق متابعتها لسيرتها الروائية. فهي ولدت وكبرت وتزوجت وأنجبت في مدينة القامشلي وكرست نفسها من الكاتبات السوريات. وهي تعاني مثلما يعاني كل السوريين من القمع السياسي والاستبداد وتسلط النظام بصبغته البعثية – الطائفية. وزيادة على ذلك المظلومية الخاصة بـ الأكراد السوريين انفسهم سواء على مستوى حرمان بعضهم الهوية السورية او حرمانهم من التعلم بلغتهم الكردية وخصوصيتهم الثقافية، وحتى إحياء مناسباتهم الوطنية الخاصة. لذلك وجدت نفسها كأغلب أبناء الشعب السوري ومنهم الأكراد جزء من حراك الشعب السلمي عبر التظاهر والانتماء للثورة ومطالبها المشروعة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والمطالبة بالحياة الأفضل…

لكن النظام السوري المستبد لم يتجاوب مع مطالب الشعب السوري واعتمد العنف المسلح والقتل والاعتقال والقصف والتدمير العشوائي بحق السوريين في البلدات والمدن الثائرة…

ودون الخوض في تفاصيل ما فعله النظام في محافظة القامشلي وجوارها حيث التواجد الكردي بكثافته الأكبر. أعاد النظام استدعاء كوادر حزب العمال الكردستاني  ب ك ك وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د ، حيث أعطاهم الاسلحة والمعدات وسلمهم السلطة عمليا في تلك المناطق.  وتحولت ال ب ي د الى قوة قمع تمارس ما يمارسه النظام في بقية سورية. بالطبع لم يتخلى النظام عن الدور العسكري بدعم ال ب ي د في القصف بالطائرات والبراميل المتفجرة. بحيث جعل السوريين يهربون نازحين ولاجئين ومنهم  الأكراد إلى أي مكان في سورية وخارجها بحثا عن الأمان وحفاظا على أرواحهم…

وايضا كانت قد تشكلت في شمال العراق منذ ما قبل الاحتلال الأمريكي وبعده حكم ذاتي كردي بقيادة مسعود البارزاني وعاصمتها اربيل. التي تختلف سياسيا و بالأجندة عن ال ب ي د . ورغم ان عموم الاكراد في سورية نظروا للحكم الذاتي الكردي في شمال العراق على انه خطوة للاعتراف بهم وبحقهم القومي. لذلك ما أن بدأ النظام السوري فعله التدميري بحق السوريين. حتى حصلت موجات لجوء بالالاف من المناطق الكردية السورية الى العراق حيث حكم البارزاني الكردي. وذلك بالانتقال عبر الجسر “الأخضر” المنصوب على نهر دجلة…

 تتحدث وجيهة عن معاناتها بالذهاب الى كردستان العراق عبر الجسر. حيث كانت مدعوة بصفتها مسؤولة عن جمعية نسائية من قبل أطراف في حكومة كردستان العراق ولكن وجدت نفسها منخرطة في طوفان الهاربين من الموت في سورية. وقعت على الجسر اكثر من مرة وفقدت وعيها وساعدها من كان معها. وعندما دخلت الى كردستان العراق استقبلها “البيشمركة” الجنود مثلها مثل الاجئين الهاربين. وعاشت ايام صعبة حيث تم وضع اللاجئين في عربات شحن لنقلهم الى مخيمات اللجوء، في ظروف قاسية جدا. وتبين ان حكومة كردستان العراق نفسها لم تكن تعرف كيف تتصرف مع هذا الطوفان من البشر القادمين اليها. ووقعت وجيهة في مأزق انها لم تصل الى الطرف الذي دعاها للمشاركة في نشاط له علاقة مع جمعيتها النسائية. هذا قد أخذوا أوراقها الثبوتية عند عبورها الى كردستان العراق. لقد تعبت كثيرا حتى استردتها. حتى تستطيع أن تعود ثانية الى القامشلي. عادت بعدما ذاقت ومن معها الأمرين… كان هذا عبور وجيهة الاول الى كردستان العراق…

أما عبورها الثاني فمن المفترض ان يكون ايضا الى اربيل حيث تمت دعوتهم الى نشاط ثقافي بصفتها الادبية . تحركت من القامشلي الى المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ال ب ي د وكان على الحاجز في منطقة العبور “الاسايش” جنود ال ب ي د حيث سمحوا لوجيهة ومن معها بالعبور. لكن الطرف المقابل من المعبر المسيطر عليه “البشمركة” التابعين لحكومة كردستان العراق فلم يسمحوا لهم بالعبور. عرضوا عليهم الدعوات الرسمية. اتصلوا بكثير من المسؤولين. وبين اخذ و رد. مسموح وغير مسموح وبعد انتظار طويل مُنعت وجيهة ومن معها من العبور عادت للقامشلي يائسة، تحمل تساؤلات ماذا اصاب الاكراد عندما اصبحو حكام في الاقاليم المتواجدين فيها.؟. نعم انها أجنداتهم الخاصة كجماعات مسلحة وسلطات. واجندات وداعميهم…؟!!.

خيبة اخرى اصابت وجيهة في صميمها. هؤلاء من يدعون انهم يمثلون الأكراد من الطرفين في البلدين لم يستطيعوا أن يتوافقوا على ان يتصرفوا انهم يمثلون شعبا واحدا.. ؟!!..

كما تتحدث وجيهة عن عبورها الثالث إلى تركيا وكانت قد بدأت سيرتها الروائية بالحديث عن هذا العبور. وأنها دعيت مع غيرها بصفتها الادبيّة من الكتاب في مدينتها القامشلي. وأنها اضطرت ان تذهب الى تركيا تهريبا عبر الحدود مجتازة الأسلاك الشائكة وعبر مهربين. مع عناء كبير وجروح من الأسلاك الشائكة كانت رحلة شاقة جدا على وجيهة ومن معها. ذهبت وشاركت بالنشاط المطلوب وعادت…

اما العبور الرابع لوجيهة فكان إلى تركيا ايضا وبعد سنوات على الثورة السورية. وتداعيات التداخلات الاقليمية والدولية. حيث زاد تسلط الاجهزة الامنية السورية وعنفها على الناس. دعاها احد قادة الافرع الامنية وطلب منها تحت التهديد ان تشكل حزبا معارضا كرديا تحت اشراف الامن، وانه اختارها لحضورها وكارزميتها امام اكراد القامشلي وما حولها. عندها وجدت وجيهة ان الحل هو الهروب من سورية واللجوء الى تركيا خوفا من الأمن الجاد بتهديده. ولكي لا تكون اداة بيد النظام الذي أظهر وحشيته بحق الشعب السوري بعمومه.

اضطرت وجيهة وعائلتها مثل ملايين السوريين الى اللجوء خارج سورية، كان هو الحل الأمثل للهروب من الموت السوري. توجهت إلى الحدود السورية التركية. مع أفواج من الهاربين عبر سماسرة ومهربين. حيث اصبح تهريب البشر بين سورية وتركيا تجارة رابحة. وصلوا الى منطقة العبور. كان لا بد أن يعبروا الأسلاك الشائكة. مع مافيه من العناء والاذى الجسدي. كانت هذه المرة مع زوجها وابنها وابنتها. لقد عانوا كثيرا من الجانب التركي حيث منعوهم من الدخول في البداية بعد عبورهم الأسلاك الشائكة. وكان مجموعهم بالعشرات. وبعد ذلك سمحوا لهم بالدخول واخذوهم عبر عربات الى مركز عسكري حيث تم احتجازهم وتسجيلهم. ومن ثم تركهم. حيث انتقلت وجيهة وعائلتها في بعض المدن وانتقلت الى اسطنبول وبدأت تخطط للجوء إلى ألمانيا…

لقد كان تفكير وجيهة وعائلتها أن تركيا هي طريق إلى ألمانيا حيث يكون عبورها الخامس ولذلك بحثت في اسطنبول عن مهرب يساعدها وعائلتها للذهاب إلى ألمانيا. لأنهم سمعوا عن خطورة اللجوء عبر بحر إيجة بين تركيا واليونان ومصير الكثيرين بالغرق والموت. فقد قرروا أن يكون اللجوء إلى ألمانيا برا. مع علمهم كم التعب والخطورة وكبر المسافة وأن عليهم عبور بلدان أوروبية كثيرة للوصول إلى ألمانيا. لكنهم قرروا ان يذهبوا برا واتفقوا مع سمسار. دفعوا جزء من المبلغ المطلوب منهم والباقي بعد الوصول. ذهبوا إلى مدينة أدرنة التركية. وهناك تجمعوا بالعشرات وبدأوا رحلة المسير برا من أدرنة الى بلغاريا عبر الغابات وقد كانت شرطة البلغار شرسين بالتعامل معهم حيث اعتدوا عليهم أن ضبطوهم في أراضيها. وتعيدهم الى تركيا. استمرت محاولة وجيهة وعائلتها العبور من بلغاريا حتى نجحت بالوصول الى هنغاريا. وهناك تم القبض عليهم ووضعهم في مراكز اللجوء التي تشبه السجون. وتم تسجيلهم كلاجئين هناك حتى تقبض عنهم هنغاريا المال الذي تعهد به الاتحاد الأوروبي دعما للاجئين. ومن ثم أفرج عنهم. ومن هناك تحركوا باتجاه صربيا التي استقبلتهم واعطتهم مهلة أيام معدودة للعبور منها إلى النمسا. وايضا عبر البر في الغابات الكثيفة وصعود الجبال والهبوط عنها لأكثر من مرة. مع معاناة الخوف من الوحوش والضياع والإصابات الجسدية المتنوعة…

في النمسا كانت الظروف أفضل بكثير حيث أحسوا بأنهم وصلوا الى بر الامان. استقر البعض هناك . أما وجيهة وعائلتها تابعوا عبر وسائط النقل العادية التوجه الى المانيا وها هي الآن تجلس في “كامب” مع إحدى العجائز في احد مجمعات اللجوء. تتبادلان الحديث عن رحلتهما إلى ألمانيا. وجيهة وعائلتها جاءت بالبر. والعجوز وعائلتها جاؤوا بالبحر. كانت قد فقدت بعض عائلتها في سورية قبل اللجوء. وفي البحر فقدت حفيدها بعدما قلب القارب وفقد الكثير من ركابه غرقا قبل ان يتم انقاذ الباقي…

تنتهي الرواية حيث تنتظر وجيهة وعائلتها ماذا سيكون مصير طلب لجوئهم إلى ألمانيا.

في التعقيب على الرواية اقول:

بداية أن “رواية – سيرة” الكاتبة وجيهة عبد الرحمن تكاد تكون سجل يعبر عن ملايين السوريين في رحلات اللجوء من الموت السوري باتجاه كل بلاد العالم. مع اختلاف التجربة لدى كل سوري بذاته كل على حدى…

كما أن الرواية لا تتعمق بسرد ظروف الثورة السورية والمظلومية المجتمعية والسياسية والحياتية التي عاناها السوريين. حتى حصلت ثورتهم. نعم هي مرت على مظلومية السوريين وعبر عقود مع النظام السوري. وركزت على معاناة الأكراد السوريين مظلومية إثنية وثقافية وقومية زيادة على المظلومية العامة بحق السوريين…

كما مرت على واقع الأكراد السوريين الذين كانوا مشتتين بين عشرات الأحزاب المنقسمة على نفسها. وفوق ذلك مرت على حزب العمال الكردستاني الذي تأسس وتم دعمه من النظام السوري منذ ثمانينات القرن الماضي، و فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د الذي استخدم أداة بيد النظام السوري لضرب أنصار الثورة السورية في مناطق سيطرتهم من الاكراد والعرب. وكيف تحولوا ليكونوا اداة بيد الامريكان ايضا ضد داعش. ثم ليصبحوا شبه دولة انفصالية شرق الفرات تحت مسمى روج آفا وقوات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية. ولفتت النظر الى واقع الصراع بين ال ب ك ك وحكومة كردستان العراق بقيادة البرزاني. وانهم متناقضين فكريا وسياسيا. وضحيتهم الأولى هم الأكراد في البلدين…

تومئ الرواية أيضا كيف ترك النظام العالمي النظام السوري المجرم القاتل يقتل الشعب السوري ويشردّه. بدعم من روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الطائفية. بحيث وصل عدد الضحايا المظلومين من الشعب السوري الى مليون إنسان غير المعتقلين والمخطوفين والمصابين والمعاقين. ولجوء ونزوح ثلاثة عشر مليون إنسان سوري داخل وخارج سورية. والعالم صامت، أمريكا وضعت يدها على البترول السوري و النظام وحلفاؤه يتقاسمون ما بقي من الذبيحة السورية…

الآن وبعد مضي ثلاثة عشر عاما على الثورة السورية الحساب الختامي للمأساة السورية كارثي. ونحن الشعب السوري بعربه وكرده وكل مكوناته الدينية والطائفية والمذهبية الضحية الأولى…

 لقد زادت ظروف سورية سوء واصبحت مشروعية الثورة السورية اكثر ضرورة والحاحا…

مطالبنا ذاتها الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحياة الأفضل…

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. قراءة لرواية العبور الخامس لاتمثل الرواية

    أكثر ما يُسعد الكاتب/ة هو قراءة كتبه
    اشكر السيد أحمد العربي على قراءته لرواية العبور الخامس ، ولكن تمنيتُ عليه ان تكون قراءته للرواية منطقية أكثر ، إذ أنه وظّف قراءته للرواية والكتابة عنها لبيان موقفه من حزب الاتحاد الديمقراطي، وقوّلني ما لم أقله أو اكتبه، طبعا ناقشته في الامر ، على ان قراءة الرواية ليست ساحة للصراع الايديولوجي والتزمت الفكري ولكنه ظلّ متمسكاً برأيه، ثم انه لم يبدُ ملمّاً بالتفاصيل، هناك خطأ في القراءة من حيث الأحداث أيضاً، أعتقد ان السيد أحمد العربي لم يقرأها أو لم يفهمها كما يجب.
    لذا أقول ان هذه القراءة لاتمثل الرواية في معظمها.
    للتأكد من دقة المعلومات يمكن طلب الرواية من دار نرد للنشر والتوزيع

  2. رواية “العبور الخامس “معابر الجنون والحكمة” الكاتبة السورية الكردية “وجيهة عبد الرحمن سعيد” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من قبل الكاتب “احمد العربي” الرواية تسلط الضوء على ما عاشته الكاتبة بمدينتها القامشلي وضمن بيئتها الاجتماعية بعد الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م…

زر الذهاب إلى الأعلى