قراءة في كتاب: الفتنة والانقسام.. ٢ من ٢ || (تكوين المجال السياسي الإسلامي(2) )

أحمد العربي

عبد الاله بلقزيز. باحث مغربي في الشأن السياسي والفكري والتاريخي العربي. له مؤلفات عدة.

*       كان مقتل عثمان مقدمه لغياب الوحدة

العملية لدولة الخلافة عبر إهدار دم خليفتها عثمان، فالبعض رحب والبعض استنكر والبعض وقف على الحياد، الكل أخذ الموقف المناسب له، فبني أمية عبر رموزهم وجدوا ان الدولة ستخرج من يدهم بمقتل عثمان، لذلك عملوا بكل الوسائل لأن يستردوها، وكان يقودهم لذلك معاوية بن ابي سفيان، وكانت حجته الثأر لمقتل عثمان، وكان (الثوار) الذين قتلوا عثمان هم القوة المهيمنة في المدينة المنورة، كانوا حضروا من البلدان لحصار عثمان والتفاوض معه ومن ثم قتله، وكانوا يبحثون عن خليفة يحميهم من مقتلة عثمان، ويستجيب لمطالبهم في تسيير أمور الخلافة ورفع يد الأمويين عن حكم البلدان المفتوحة،  وجدوا علي ضالتهم وألزموه بالبيعة بعد تمنع لم يطل، وبايعه أهل المدينة وخاصة الأنصار، ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر الخلافات والنزاعات على السلطة تحت دعوى عدم شرعية استلام علي للخلافة ومحاسبة قتلة عثمان وقتلهم، وهذا ما دعى طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وهم من الستة أهل الشورى للالتفاف حول عائشه ام المؤمنين وتجميع الأنصار وقتال علي وأنصاره في معركة الجمل التي راح ضحيتها آلاف من المسلمين، كسابقه ستكون مقدمة لاستسهال القتال والقتل بين المسلمين لأجل السلطة والحكم  و بدعاوى اغلبها مضلل.

*        انهزمت عائشة وقتل طلحة والزبير، لكن الصراع على السلطة لم ينتهي، فهذا معاوية يرفض الانصياع لعلي ومبايعته إلا بتسليم قتلة عثمان، وقتلة عثمان هم عماد جيش علي وقادته، معاوية يجمع الجيوش ويواجه جيش علي في صفين، الضحايا بالآلاف ويكاد جيش معاوية ان يهزم، وهنا سيعتمد معاوية على الخدعة بطلب التحكيم والعودة للقرآن وبيان حكمه، وهذا ما أدى لاختلاف أصحاب علي بين بعضهم، فالبعض مع علي يرون انها خدعه ومقصود بها شق صف علي وجيشه، والبعض اعتبرها دعوة للصلح وتحت حكم القرآن، والاهم ان سيطرة علي على جيشه لم تكن كامله، وهذا ما جعله يقبل بالتحكيم على مضض وبدون توافق كل اصحابه، فبعض القراء وقادتهم مع التحكيم وبعضهم ضده، وفرضوا على علي ممثله في التحكيم ابو موسى الاشعري، وحصل التحكيم وكان عمرو بن العاص ممثلا لمعاوية، وحصلت الخدعة حيث اتفقا على خلع علي ومعاوية وترك أمر المسلمين شورى، لكن عمرو بن العاص بايع معاوية خليفة للمسلمين، فشل التحكيم وعادت أجواء الصراع والحرب مجددا، ولكن بتماسك صف معاوية، وزيادة الصراع في صف علي، فالقراء رفضوا التحكيم وكفروا علي ومعاوية ومن قبل به من المسلمين ومن يومها سموا الخوارج، وبما انهم من جند علي فقد انشقوا عليه وأعلنوا الحرب ضده، وحصلت معركة النهروان التي أدت لاستئصالهم الا بعض أفراد منهم سيقتلون علي غيلة بعد حين. سيكون القتلى من الخوارج أربعة آلاف غير القتلى في جيش علي، لقد توسعت رقعة الصراع وأصبحت ملونة بدم المسلمين.

*      لم يتوقف معاوية عن طلب الحكم و الصراع مع علي وجنده لأجل ذلك، وعلي يلملم جيشه وجراحه بعد استئصال الخوارج، و بدأ الخلاف يدب في صفوف جنده أكثر، وبدأت البلدان تبايع معاوية بعد أن قرر الخلافة لنفسه، وبدؤوا يقتلون عمال علي في اغلب تلك البلدان، لم يكد علي يجمع جيشه وامره على قتال معاوية وتثبيت حقه بالخلافة والحكم حتى قتله احد الخوارج غيلة، مما ادى لانهيار سريع في جيش علي  وسرعان ما بايع الحسن بن علي معاوية خليفة، وطويت صفحة الصراع على السلطة، وتثبيت الحكم لمعاوية ومن بعده لبني أمية، مؤسسين لملك عضوض وراثي، و بقطيعة مع المرحلة الراشدة بما فيها من حكم يحمل بعض الشورى و والعودة لرأي المسلمين بمن يحكمهم.

*      الكتاب الذي بين يدينا يؤكد غياب نص ديني في الحكم بعد الرسول سوى آيتي الشورى. (وأمرهم شورى بينهم). (وشاورهم بالأمر) اللتين تعيدان أمر حكم المسلمين لهم، وكانت ممارسة المسلمين في المرحلة الراشدية تنبثق من أفعال وأقوال النبي ص، ومن توافقات الجماعة التي عادت لا روماتها القبلية السابقة، بما فيها من تمايزات وسلطة وثروة.

*       تأكد تثبيت غياب الحكم باسم الإسلام كدين، حيث انقطع الوحي من السماء واصبح الحكم بشريا، وان اعطى لنفسه انه يلتزم بالاسلام وتعاليمه، وهذا لم يمنع الاختلاف بين المسلمين وبين الخليفة في زمانه ومع غيره على كثير من الأمور وتثبيت رؤية الخليفة سواء في مرحلة ابي بكر وموقفه من الردة مثلا او عمر وموقفه من توزيع ارض العراق وتحويلها لملك الدولة وتحويل ريعها لمورد دائم تغطي مصاريف الدولة وخاصة الجند مثلا، او عثمان وتمييزة لبني امية واقطاع الاراضي لهم من أملاك الخلافة، او مظاهر الثراء والبذخ التي كانت من عوامل الصراع و أدت لمقتله، وتوريث الفتنة للمسلمين التي أدت بعد ذلك لإلغاء الخلافة الراشدة بمقتل علي غيلة.

*        تؤكد دراسة المرحلة المفصلية تلك ان الخلافة كسلطه حاكمه لم تستطع ان تخرج من حقائق واقع ذلك الزمان في الجزيرة العربية، سواء لهيمنة التبعية القبلية للمسلمين، وموقع مكة الديني والتجاري  والهيمنة لقريش في الجزيرة العربية، وهيمنة بني عبد مناف في قريش، بفرعيها الأضعف بني هاشم التي منها النبي محمد ص والخليفة الرابع علي، والاقوى الأمويين الذي كان منهم الخليفه عثمان ومعاوية ابن أبي سفيان الذي سيؤسس للحكم الأموي بعد حين.

*        سيحاول الخلفاء الراشدين وخاصة ابوبكر وعمر صناعة دولة النموذج الإسلامي على أثر الرسول، بما هي منحازة للمسلمين الاوائل مهاجرين وأنصار صناع التجربة الإسلامية الاولى في المدينة مع النبي محمد ص، متجاوزة حقائق وواقع الجزيرة العربية من التكوينات القبلية والولاءات وآلية العيش وضوابط الحياة في الجزيرة العربية بكل شطفها وسوء حالها، والانتصار لنمط حياة شوري تتجسد فيه العدالة و المساواة نسبيا، و حضور المسلمين في شؤونهم، و كنموذج عملي لدين تجسد حياتيا ومجتمعيا في دولة المدينة، لكن حقائق الواقع والقوى والتمايز القبلي والزعامه والثروة سرعان ما ستعود لتفرض نفسها، ويوسس رويدا رويدا في مرحلة ابو بكر وعمر، وبالمباشر وبوضوح وعبر الصراع، في مرحلة عثمان وعلي،  ولتنتهي في مرحلتها الاخيرة لعثمان وبعده علي لصراع دموي يرجع السلطة السياسية الى مرحلة ما قبل الدولة النبوية في المدينة، يؤسس لحكم ملكي وراثي تحكمه المصالح والثروة والامتيازات، ولا يشفع له انه يدعي انتسابه للإسلام والمسلمين إلا من باب التغطية والتقية، التي أسست للدولة الأموية  ابنة عصرها ومكانها وزمانها.

*        من غير المبرر سؤالنا هل كان يمكن أن يحصل غير ما حصل ؟، لأنه في التعامل مع التاريخ هناك المعرفة والتفسير والفهم والخبرة والتعلم من تجارب الماضي لصناعة المستقبل ، وليس اعادة صياغة الماضي وفق هوانا وامنياتنا.

*       من المؤكد أن هذا الكتاب العلمي في قراءة تلك المرحلة التاريخية المهمة والمفصلية،  يؤكد أن ادعاء أي طرف بمقولة الدولة كدولة مفارقة لواقعها وزمانها ومكانها  هو ادعاء غير ممكن، فقد تأكد أن لا دولة دينية في الإسلام بمعنى العلاقة المباشرة مع الله، وأن الحكم بين المسلمين يعود لتوافقهم وفق الشورى وان تكون اقرب لمضامين الإسلام في العدل والحرية والتراحم والمساواة. وتوخي مصلحة عموم المسلمين.

.اخيرا بكلمة: نحن أحوج ما نكون أن نتعامل مع واقعنا العياني وفي هذا العصر محملين بقيم الإسلام العليا  وبالاسلوب العلمي ادارة للحياة الخاصة والعامة، وحكما ديمقراطيا يضمن حقوق الناس في كل شؤون الحياة ، وعدالة اجتماعية تنتصر لعموم الناس ومحققة أعلى مستوى من الانسانية ومن فرص العيش الكريم لكل الناس في بلادنا.

17.9.2016

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كتاب “الفتنة والانقسام” بالجزء الثاني من قراءة كتاب الباحث “عبد الإله بلقزيز” يستكمل القراءة الجميلة والتعقيب الموضوعي من الكاتب “احمد العربي” يستكمل عرض المرحلة من خلافة عثمان بن عفان وليكون مقتل عثمان مقدمه لغياب وحدة الرأي ووحدة الموقف ، ووقوف معاوية من السلطة و… لقد غطى الكتاب لمستويات عدة، سياسي و ديني واجتماعي واقتصادي،

زر الذهاب إلى الأعلى